تبلورت النسخة السابعة لمنتدى مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات"، تحت عنوان «مَجمَع مراكز البحوث العربية للاستدامة والتنمية» بالشراكة مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، مطلع الأسبوع الماضي، حيث ظهرت في حلية مميزة من نسيج فكري لمراكز البحوث العربية وبألوان الاستدامة والتنمية، وتجلّت متوجَّةً بتدشين الكتاب التوثيقي "مملكة البحرين وجامعة الدول العربية: 1971–2025" الذي أصدره مركز "دراسات"، والذي يُعد وثيقة تاريخية وشهادة فكرية على الشراكة الاستراتيجية التي تَعهّدت بها مملكة البحرين مع الجامعة العربية، على وحدة الهدف والمصير لأكثر من نصف قرن، وأتى نشره في ظلال تقلّد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، رئاسة القمة العربية الثالثة والثلاثين التي استضافتها مملكة البحرين، وعُقدت في العاصمة المنامة في 16 مايو 2024.

إن هذه الأهمية الاستراتيجية التي حققتها مملكة البحرين، في ظرف إقليمي ودولي معقَّد، وتصاعد التحديات في المنطقة، حيث نجحت مملكة البحرين في أن تكون منصة حوار عربية موحدة، إنّما هو انعكاس للرعاية التي توليها القيادة الرشيدة لمراكز الفكر والبحث، من خلال إنشائها والاستثمار في أنشطتها البحثية والعلمية، وإقامة الندوات، لتكون منصة فكرية لتبادل الرؤى الاستراتيجية العربية، وقد تجلّى ذلك في أعمال انعقاد منتدى دراسات.

لقد جسّدت أعمال منتدى «دراسات» لهذا العام أهمية بالغة، عكست بوضوح مدى انخراط مملكة البحرين في دعم مراكز الفكر، وتعزيز دورها في إنتاج المعرفة وصياغة الرؤى الاستراتيجية، كما برهنت على الثقل العلمي والبحثي الذي يتمتع به مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» في مجالات البحوث الاستراتيجية والدولية، وقد تجلّى ذلك من خلال عدّة معطيات من بينها الحضور الرفيع للشخصيات الرسمية وصنّاع القرار.

حيث تمّ افتتاح المنتدى بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط وإلقائه كلمة، مما يعكس ثقل المنتدى على مستوى العمل العربي المشترك ومكانته كمنصة استراتيجية للحوار، كما تضمّن الافتتاح كلمة لمعالي الدكتور الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، وزير المواصلات والاتصالات ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات، الذي أكد رؤى المملكة في دعم البحث العلمي وتنمية الفكر، بدعم من التّوجيهات الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، ومتابعة حثيثة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.

كما ظهرت أهمّية هذا المنتدى في المشاركة العريضة لنخبة من المتحدثين والخبراء والباحثين، من مملكة البحرين والعديد من الدول العربية "المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، جمهورية مصر العربية، الجمهورية اليمنية، الجمهورية التونسية، دولة الكويت، دولة فلسطين، الجمهورية اللبنانية، الجمهورية الإسلامية الموريتانية، سلطنة عمان، الجمهورية العراقية"، يمثلون مجالات تخصصية متنوعة في السياسة الدولية، والدراسات الاستراتيجية، والطاقة، والتنمية والاستدامة، والتحولات التكنولوجية، والذكاء الاصطناعي، وتجسّدت أيضاً من خلال تميز المنتدى بمحاوره العميقة التي تناولت قضايا راهنة ومصيرية، وأثرت النقاشات والمداخلات الفكرية التي اتسمت بالتحليل الاستراتيجي والاستشراف المستقبلي.

فقد شارك في الجلسات الحوارية كوكبة متحدثين من مختلف مؤسسات البحث والفكر العربي، منهم الدكتور عبدالعزيز بن عثمان بن صقر مؤسس ورئيس مركز الخليج للأبحاث بالمملكة العربية السعودية، الدكتور سامي بن جنات مدير عام المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، الأستاذ الدكتور عبدالله أحمد يحيى الذيفاني الأكاديمي بمركز البحوث ودراسات الجدوى في جامعة تعز، الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات في أبوظبي، الدكتورة ندى العجيزي وزيرة مفوّضة ومديرة إدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي بجامعة الدول العربية، إلى جانب تمثيل مراكز بحثية وتخصصات متنوعة في مجالات السياسة الدولية، الاستشراف الاستراتيجي، الطاقة، والذكاء الاصطناعي.

كذلك تجلّت أهمية أعمال المنتدى من خلال المستوى التنظيمي الذي لفت الأنظار بالدّرجة العالية من الاحترافية، بدءاً من تميّز الاستقبال ورسمية الضيافة وتقديم المشاركين وضيوف الشرف، مروراً بتصميم القاعة وتنظيم الجلسات بما يليق بالتمثيل الدبلوماسي والنشاط الفكري، وإدارة الجلسات بمهنية عالية والتزام دقيق بالوقت، وصولاً إلى التّغطية الإعلامية التي عكست مَلامح المنتدى بوصفه نموذجاً فاعلاً من نماذج العلاقات العامة للقوى الناعمة.

وقد تبلورت مختلف جوانب أهمّية هذا المنتدى، ضمن مخرجات نوعية، تمثلت في توصيات دقيقة وشاملة، مواكبة للتّحديات الراهنة على المستويين المحلي والإقليمي والدولي، بما يعزز دور المنتدى كمنصة فكرية مؤثرة في المشهد العربي والدولي. ففي ختام أعمال منتدى "دراسات" في نسخته السابعة، أكّد المشاركون على جملة من التوصيات التي عكست محتوى النقاشات والمداخلات، وأكدت على أن الاستثمار في المعرفة والبحث الاستراتيجي بات ضرورة حتمية في ظل التحولات العالمية المتسارعة، مع أهمية تعزيز دور مراكز الفكر وتمكينها من تحويل مخرجاتها البحثية إلى سياسات عملية قابلة للتنفيذ، وتوسيع نطاق الشراكات والتكامل بين المراكز البحثية العربية والمؤسسات الأكاديمية والإقليمية والدولية.

كما نصّت التّوصيات على إبراز التجربة البحرينية كنموذج رائد في دعم الفكر الاستراتيجي والعمل العربي المشترك، وتعزيز دور جامعة الدول العربية كإطار جامع يستفيد من مخرجات المنتديات الفكرية في صياغة سياساته وبرامجه المستقبلية. ونوّهت التّوصيات بضرورة مواكبة التحولات التكنولوجية المتسارعة، ولاسيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، ودعت إلى تفعيل دور المرأة إلى جانب تمكين الشباب بوصفهم ركيزة أساسية ديموغرافياً في المجتمعات العربية، لمواجهة التحديات التقنية وبناء مهارات مجتمعية قادرة على الابتكار وصناعة المستقبل. كما دعت إلى اعتماد نهج استباقي في العمل البحثي والإعلامي، وتطوير بنية تحتية بحثية حديثة تعتمد على التكنولوجيا والمؤشرات الرقمية، بما يضمن تحقيق استدامة فكرية وتنموية قائمة على الجمع بين الوعي النظري والتطبيق العملي.

لقد أكّد المنتدى السنوي السابع لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» أن الاستثمار في المعرفة والبحث الاستراتيجي لم يعد خياراً فكرياً، بل ضرورة ملحّة لمواكبة التحولات التحديات، من خلال تفعيل الدور المحوري لمراكز البحث بما يدعم صناعة القرار، ويعزز العمل العربي المشترك، ويحول البحث العلمي إلى سياسات قابلة للتطبيق. وقد أظهر المنتدى أن التجربة البحرينية تمثل نموذجاً فاعلاً في احتضان الفكر الاستراتيجي ودعم الدبلوماسية الناعمة، وفي ترسيخ دور الجامعة العربية كإطار جامع يعكس تطلعات الشعوب العربية.