نمرّ في حياتنا المهنية بمحطاتٍ متعددة، تُشكّل كل واحدةٍ منها تجربةً غنيّةً بالخبرات والدروس. ومن بين هذه المحطات، تظلّ السنوات التي تشرّفت بالعمل خلالها في مكتب سعادة الأستاذ جميل بن محمد علي حميدان، خلال فترة تولّيه وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، علامةً مضيئة في مسيرتي المهنية في التنمية الاجتماعية؛ إذ تعرّفت من خلالها على نموذج للقيادة الواعية التي تضع القضايا الاجتماعية والإنسانية في صدارة أولوياتها.
ولا أستطيع إخفاء حزني العميق عند سماع خبر تعرّض سعادته لوعكة صحية مفاجئة؛ وكيف لا، وهو المسؤول القدوة الذي اجتمعت في شخصيته سمات القيادة الحكيمة، والخبرة الطويلة، والتواضع، والإنسانية.
ما زلت أستذكر لحظة دخوله إلى المكتب صباحاً بابتسامته المعهودة، ليُلقي علينا تحيته العفوية: «شلونكم؟ طيبين؟». تلك اللفتة البسيطة كان لها بالغ الأثر في نفوسنا، إذ عكست تواضعه واهتمامه الصادق بفريق عمله، وبثّه للطاقة الإيجابية إيذاناً ببدء يوم عمل جديد بروحٍ متفائلة.
لطالما شعرت بالفخر والسعادة بالعمل تحت قيادة وزير يقدّر موظفيه، ويدرك قدرات كل فرد في فريقه، ويسعى لوضع كل موهبة في موقعها الذي تستحقه.
كان سعادته يتمتع بطاقة استثنائية وهمّة لا تعرف الكلل، سخّرها بكل إخلاص لخدمة الوطن والمواطن. وكان داعماً حقيقياً للإبداع، مؤمناً بأن بدايات التغيير تنطلق من الأفكار الصغيرة، وأن تمكين الموظف وإبراز نقاط قوته يُشكّل أساس التميز المؤسسي. وقد أسهم هذا الوعي في خلق بيئة عمل قائمة على الاحترام والعطاء، بما يعزز همّة الجميع، ويصبّ في صالح العمل وخدمة المجتمع وأداء الواجب الوطني.
ويشرّفني أن أعرب لسعادة الأستاذ جميل بن محمد علي حميدان عن بالغ الشكر والامتنان على مساعيه الصادقة في خدمة الوطن والمجتمع، وحرصه الدائم على متابعة قضايا المواطنين وتقديم الرعاية والدعم لهم، بما يعكس نموذجاً حيّاً للقيادة الإنسانية والمسؤولة.
ولطالما كان يردد عبارته: «يسّروا ولا تعسّروا»، ليجسّد بها نهجاً عملياً في العمل والتعامل الإنساني ومن هذا المنطلق، لا يفوتني أن أعبّر عن بالغ اعتزازي وامتناني للثقة التي منحني إياها، وتقديره لكل مبادرة قدمتها خلال فترة عملي، ولدعمه ومتابعته لمقالاتي وتشجيعه المستمر، وهو تقدير أعدّه وساماً أعتز به، وسيظل مصدراً دائماً للدافع والهمة لمواصلة العطاء والسعي نحو التميز.
شكراً لمن منح الثقة، وقدّر الجهد، واحتضن المبادرات، ورأى في موظفيه طاقات تستحق التشجيع والدعم. شكراً لقائدٍ كان قريباً من فريقه، حاضراً بإنسانيته، ومُلهماً بأفعاله قبل كلماته، ومؤمناً بأن الإنسان يأتي قبل الإنجاز.
داعيةً المولى عزّ وجل أن يمنّ على الأستاذ جميل بن محمد علي حميدان بموفور الصحة والعافية، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قدّمه من جهود خيّرة وعطاءٍ مخلص لهذا الوطن الغالي.
وختاماً، ما هذه الكلمات إلا وفاء وتقدير لمن يستحق حقاً كل تقدير، وللشخصية التي جسّدت معنى الإحسان في القيادة، وعلّمت أن الثقة والتحفيز المعنوي أعمق أثراً من أي تقدير آخر. فأعظم ما يمكن أن يُمنح للموظف هو الإيمان بقدراته وتمكينه من العطاء، خصوصاً في المجالات الاجتماعية والإنسانية، لتترك الأعمال أثراً طيباً في الآخرين. لقد قدّم إحساناً يستحق أن يُرد له الإحسان: «فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان».
ومضة: القيادة الحقيقية قد تنعكس في ابتسامة صادقة، أو كلمة محفِّزة، أو تقدير نابع من قناعة، وثقة تُمنح في وقتها، وإشادة بالجهود حين تستحق. فالتقدير المعنوي الصادق، حين يقترن بالمصداقية، يكون أعمق أثراً من أي تقدير مادي؛ لأنه يثري الإنسان، ويدفعه للأمام، ويترك أثراً طيباً لا يُنسى، وقد تكون الكلمة الصادقة نقطة التحوّل لبداية مسيرة ناجحة.