عصرنا الذي نعيش فيه هو عصر التنافسية بين الأمم، لمسايرة ركب الحضارة الإنسانية في عالم سريع التغير، وأهم ما يتم التنافس عليه هو الإنسان المبتكر والموهوب، فهو ركيزة التنمية، فلا تفرط الدول في كفاءاتها وموهوبيها، وتحاول المحافظة عليهم، والبحرين زاخرة بالكفاءات وأصحاب الموهبة والإبداع، بيد أننا بحاجة إلى الاستثمار الأمثل لهذه الكفاءات ورعايتها وصنع القيادات الإدارية الوطنية الشابة القادرة على دفع مسيرة التنمية بخطى سريعة، ولكن للأسف نرى بعض هذه الكفاءات من أصحاب الموهبة والإبداع أخذت تغادر أرض الوطن لبلدان أخرى جاذبة للعقول والمواهب، مما يشكل خطراً لمواردنا البشرية وأخذت هذه الظاهرة عدة أشكال منها عدم عودة بعض المبتعثين من الطلبة المبتكرين والموهوبين من الخارج، وخاصة الذين يبتعثون إلى أمريكا والدول الغربية، حيث يفضلون البقاء في تلك الدول نظراً لما يجدونه من حوافز وتشجيع وإغراءات مهنية متعددة، وهناك شكل آخر لهذه الهجرة، وهو أنه عندما يعود المبتعثون إلى وطنهم ويلتحقون بمجال العمل لا يستمرون فيه حيث لا يمضي على وجودهم فترة قصيرة إلا ويعودون من حيث جاؤوا، وعند سؤالهم عن ذلك تكون الإجابة واحدة والأسباب متشابهة، فأهم هذه الأسباب هو في بيئات العمل في بعض الوزارات، حيث تجد هذه الكفاءات الوطنية المخلصة من يحاربها ويضع العراقيل أمام كل من يأتي بأفكار جديدة ليخدم وطنه، ويتم تهميشهم في بعض الوزارات أو الهيئات أو وضعهم في مراكز لا تناسب تخصصهم أو يحرمون من الدعم والمساندة في عرض مشاريعهم لاعتبارات متعددة، في الوقت الذي تحتاج فيه بيئة العمل المنتجة إلى أن نضع الشخص المناسب وبحسب كفاءته وقدراته في المكان المناسب، وفي رأيي أن ذلك ناتج من أن بعض المسؤولين يشعرون بأن هؤلاء يمثلون لهم مصدر تهديد لمراكزهم في العمل، وإلا كيف نفسر ظاهرة التقاعد المبكر التي أخذت تتفشى في وطننا، حتى عند من هم في سن الإنتاج والعطاء والذين لم يبلغوا سن التقاعد بعد؟! وهذه حقيقة لا يجب أن نتجاهلها ونكون كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال عند الخطر.هذه الظاهرة هي التي تجعلنا نستعين بالخبراء الأجانب وبامتيازات كبيرة تعطى لهم بسبب «عقدة الخواجة» التي لا تزال راسخة في عقول بعض المسؤولين لدينا، ونحن بحاجة إلى أن نتخلص من هذه العقدة ونعطي الثقة للكفاءات الوطنية، وإلا فما فائدة أن تصرف الدولة على هؤلاء الموهوبين والمتميزين منذ نعومة أظافرهم في التعليم والخدمات الأخرى لمدة حتى يتم ابتعاثهم للخارج بعد المرحلة الثانوية ثم يبقون هناك ونكون نحن هنا نكون كمن يحرث في البحر، طلاب كثيرون لا يعودون للوطن بعد انتهاء دراستهم.. لماذا؟!لذا نحن بحاجة إلى دراسة هذه الظاهرة لمعرفة أسبابها ومعالجتها، حيث إن هؤلاء الموهوبين والمتفوقين هم كالعملة النادرة كلما حاولنا الاحتفاظ بها كلما زاد رصيدنا وذلك لأن مثل هذه العقول هي التي تنتج وتبدع سواء في التعليم أو الصناعة أو التجارة أو الصحة، وغيرها من مجالات التنمية الاقتصادية، ولذا لنعقد المؤتمرات واللقاءات ونشكل اللجان لنبحث كيفية الحد من هذه الظاهرة، خاصة أننا ننظر إلى المستقبل وإلى تحقيق غايات الرؤية الاقتصادية الملكية لعام 2030 والتي لن يكون فيها مكان إلا للإنسان الموهوب والمبتكر.ومما راق لي حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، في المؤتمر العالمي للحكومات الذي عقد في دبي خلال شهر فبراير الحالي، حيث جاء في كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كثير من الحقائق التي يمكن أن نستفيد منها ومن تجربة دبي في مجال التنمية البشرية وخاصة عندما سئل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن سر تحقيق الإنجازات الإماراتية قال «إن الإمارات بها إنجازات كبيرة لكن يأتي على رأس هذه الإنجازات «المواطن الإماراتي» الذي وصل إلى مصاف الأوائل من منطلق أن الإنسان هو الذي يصنع الإنجازات وهو قادر على تحقيق أهدافه المرجوة».البحرين تمتلك سجلاً حافلاً بالكفاءات المثيرة ذات الخبرة والكفاءات الشابة المبدعة التي تستطيع بما تملك من قدرات أن تشارك في رسم خطط التنمية. فهل نفتح أبوابنا لكفاءاتنا الوطنية المتميزة لتعطى الفرصة في البناء والتطوير لبحرين المستقبل؟حفظ الله مملكة البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل مكروه.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90