الشائعة عموماً تحمل دائماً جزءاً من الحقيقة وأجزاء من الكذب والافتراء، وغالباً ما تستخدم كعامل نفسي ومعنوي لتحطيم الآخرين أو إيذائهم أو إلحاق الضرر بهم.
ولا يعني كلامنا هذا أن الشائعة عندما تطلق بشأن شخص معين مثلاً أن بعض الكلام الذي قيل عنه حقيقي، بل إن الشائعة تحمل حقائق عن هذا الشخص كصفاته وعاداته، ومطلق الشائعة عادة ما يستخدمها لصالحه في تأكيد الشائعة المراد أن يصدقها الجميع.
فمثلاً، أراد أحدهم أن يبين أن جاره سيئ الخلق على سبيل المثال، وهو على علم أنه ينام مبكراً ويستيقظ في تمام الرابعة فجراً لممارسة الرياضة بعد صلاة الفجر، وهو يعلم نوع سيارته ولونها.. كل هذه حقائق، فهنا مصدر الشائعة يذكر أن جاره يدعي النوم مبكراً لأن له عالماً آخر لا يعرفه الناس، والدليل أنه يخرج يومياً في الرابعة فجراً بسيارته التي نوعها ولونها كذا.. لاحظوا كيف يخلط الحقيقة ويتصرف فيها بالكذب! هنا الناس الذين لا يعلمون الحقيقة ولربما لمحوه ذات مرة خارجاً من منزله فجراً قد يصدقون جاره لأنه يصف وصفاً دقيقاً عن الشخص، ولكونه جاره فهو يعد مصدراً شبه موثوق للمعلومات، دون أن يفطنوا أنه لربما يكون هذا الشخص حاقداً أو حاسداً أراد إطلاق شائعة من الممكن تصديقها من خلال متابعة جاره والتدقيق في مواعيد خروجه ودخوله المنزل!
لم تعد مقولة «ليس هناك دخان من غير نار» فعالة في وقتنا الحاضر.. هناك دخان من غير نار فعلاً! لم يعد الناس كما السابق يزيدون القصص ويغيرون الحقائق بل أصبحوا يتفننون في التأليف واختراع القصص والسوالف من لا شيء! في مجتمعاتنا بدأت تظهر أعراف وأخلاق جديدة لم تكن في الماضي القريب موجودة أبداً، صاحب الشائعة ينحصر في ثلاثة أصناف، إما أن يكون نماماً مغتاباً أو حاسداً حاقداً أو كاذباً يحب الافتراء لا يتحمل أن يجد الناس في وئام ومحبة!
جلست تتأمل كلامها وسرحت.. أخذت تحاول استرجاع ما قيل لها عنها.. أكثر من شخص حذرها من هذه المرأة وأنها تعمل أسحاراً للناس، بل قالوا عنها كلاماً كثيراً مسيئاً يخص حتى سمعتها، واستشهدوا بأن دليل ذلك هو حياتها الخاصة، حيث تركها زوجها وأبناؤها لا يزورونها، كما استشهدوا بمعلومات حقيقية عنها وأنهم زاروها يوماً في منزلها.. المرأة حديثها كله عن الذكر والعبادة، ودائماً ما ترسل لهن على الـ«واتساب» موضوعات دينية، وكانت تشتكي من أن البعض ابتعد عنها وأخذ يتجنبها، وهناك من قطع علاقته بها دون أسباب واضحة.. عن طريق الصدفة اكتشفت أن من قال عنها ذلك شخص كانت له عدة أهداف.. الشخص زارها فعلاً في المنزل، وفي ذلك قال الصدق وهو يصف حال المنزل.. المرأة كانت تلعب مع بعض النساء «بتة» الورق وقالت ممازحة: هل تودون أن أقرأ لكم حظكم؟ كانت تمزح طبعاً، لكن الشخص الذي أطلق عليها الشائعة عندما علم بهذا الموقف وجد في هذه الكلمة مدخلاً ليشيع عنها هذه الشائعة المدمرة التي قضت على علاقاتها بالناس.. لاحقاً أدركت أن من حذرها من هذه المرأة كان يغار من حب الناس لها ومكانتها ويغار أيضاً من حب هذه المرأة لمن تعرفهم!
قبل فترة الامتحانات اتجهت إلى إحدى البرادات لتتصل على منزل زميلتها بالمدرسة.. أخذت تقول للأم الكثير من الكذب عن زميلتها المتفوقة عليها، وكانت تدرك أن الأم من النوع شديد الصرامة وسريع الغضب.. الأم تأثرت بالكلام خاصة وأن الزميلة المتصلة لم تعرف بنفسها، بل اكتفت أن تقول إنها فاعلة خير قد استشهدت بالكثير من المعلومات التي بعضها حقيقي.. ظلت الأم مشحونة تجاه ابنتها تراقبها في كل شيء.. البنت فعلاً تتجه كل عصر إلى منزل صديقتها للدراسة معها.. لم تتمالك الأم نفسها وهي تجد ابنتها واقفة أمامها تخبرها أنها ستتجه إلى الصالون لصبغ شعرها -وكانت المتصلة قد أخبرتها بذلك أن دليل كلامها أن ابنتها ستأتي لها بعد يومين لتطلب منها صبغ شعرها- فضربتها! تشاجرت مع ابنتها وهي تخبرها أنها علمت أنها على علاقة بشقيق صديقتها التي تذهب إلى منزلها، وأخذت تحرمها من كل شيء فتأثر أداؤها في الامتحانات.. إلى أن جاءها اتصال من معلمة الفصل تخبرها عن كل شيء! المعلمة أخبرت الأم أن هناك زميلة تغار من تفوق ابنتها وأكثر من مرة افتعلت لها مشكلات حتى وصل الأمر أن أشاعت عنها أنها مصابة بمرض جلدي حتى تبتعد عنها صديقاتها.. كما أن هذه الزميلة غير سوية السلوك وتحاول جعل ابنتها تتعرف على شقيق صديقتها، لكن ابنتها كانت عاقلة وحكيمة لدرجة أنها صارحت المعلمة بكل ما تفعله هذه الزميلة فأمرتها المعلمة ألا تجالسها أبداً! ندمت الأم بعد ذلك، وأدركت أن ابنتها كانت ضحية لزميلة مثل الشيطان لديها قدرة على الإقناع وتحوير الحقائق لجعلها «تصدق الكذبة!»، وندمت أكثر لأنها حققت ما تريده لهذه العدوة.. لقد تراجع المستوى الدراسي لابنتها!
نقول لإحداهن المتحاملة على أخرى: هل سبب معاملتك لها وتكلمك من وراء ظهرها لأنك رأيت بأم عينيك ما قيل لك عنها؟ فترد علينا مبررة: «الكل يقول.. مو بس أنا.. ودام الناس تقول لازم في شيء من الصحة بالموضوع» فنقول لها: «طيب هل أنتِ كبشر، منحك الله نعمة العقل والإدراك والعين، تسيرين بأذنك في الحكم على الناس أو بعينيك وما ترينه أمامك؟ المرأة أكرمتك وأدخلتك بيتها وضيفتك.. المرأة خدمتك في أكثر من موقف دون أن تطلبي منها ذلك حتى.. المرأة تحبك ودائماً ما تذكرك بالخير.. ألا تعتقدين أن مثل هذه الأسباب هي من تدفع أحد الأطراف لكي يشحنك ضدها لكي تخسري علاقتك الجميلة معها؟ ألا تعتقدين أن ما تفعله للناس قد يدفع بعض المرضى إلى الحقد عليها ومحاولة تشويه سمعتها حتى لا يأتي إليها الناس وتصبح ذات وجاهة ومكانة أعلى؟».
كثير من الناس يقولون هذه العبارة المثالية، «لا يهمني كلام الناس وأنا لا أتأثر بالكلام»، لكن عندما يتعرضون لمثل هذه المواقف نجدهم يتأثرون، خاصة إن كان من يتعامل معهم في محيطهم الحياتي اليومي، فنقول لهم «راجعوا أنفسكم جيداً وتمعنوا في فلسفة الدين في هذا الأمر.. الشرع لم يحرم شيئاً أو يضع له عقوبات نتيجة آثام عظيمة إلا لأنه يدرك مدى الضرر الذي يلحقه بالعباد.. ألم يحكم أن صاحب الفتنة في جرمه أشد من جرم القاتل؟ الفتنة أشد من القتل! مطلق الشائعات في مجتمعنا راعي فتنة وشيطان بشري، ولا نقصد بذلك الذي يطلق شائعات ضد الدولة فحسب، إنما أيضاً من يطلقها على الناس، فيفتن الصديق في صديقه، والأخ في أخيه، والأم في ابنها، والزوجة في زوجها، والمدير في موظفيه، ويوجد المشكلات عن طريق فتنة الكلام والشائعات.
{{ article.visit_count }}
ولا يعني كلامنا هذا أن الشائعة عندما تطلق بشأن شخص معين مثلاً أن بعض الكلام الذي قيل عنه حقيقي، بل إن الشائعة تحمل حقائق عن هذا الشخص كصفاته وعاداته، ومطلق الشائعة عادة ما يستخدمها لصالحه في تأكيد الشائعة المراد أن يصدقها الجميع.
فمثلاً، أراد أحدهم أن يبين أن جاره سيئ الخلق على سبيل المثال، وهو على علم أنه ينام مبكراً ويستيقظ في تمام الرابعة فجراً لممارسة الرياضة بعد صلاة الفجر، وهو يعلم نوع سيارته ولونها.. كل هذه حقائق، فهنا مصدر الشائعة يذكر أن جاره يدعي النوم مبكراً لأن له عالماً آخر لا يعرفه الناس، والدليل أنه يخرج يومياً في الرابعة فجراً بسيارته التي نوعها ولونها كذا.. لاحظوا كيف يخلط الحقيقة ويتصرف فيها بالكذب! هنا الناس الذين لا يعلمون الحقيقة ولربما لمحوه ذات مرة خارجاً من منزله فجراً قد يصدقون جاره لأنه يصف وصفاً دقيقاً عن الشخص، ولكونه جاره فهو يعد مصدراً شبه موثوق للمعلومات، دون أن يفطنوا أنه لربما يكون هذا الشخص حاقداً أو حاسداً أراد إطلاق شائعة من الممكن تصديقها من خلال متابعة جاره والتدقيق في مواعيد خروجه ودخوله المنزل!
لم تعد مقولة «ليس هناك دخان من غير نار» فعالة في وقتنا الحاضر.. هناك دخان من غير نار فعلاً! لم يعد الناس كما السابق يزيدون القصص ويغيرون الحقائق بل أصبحوا يتفننون في التأليف واختراع القصص والسوالف من لا شيء! في مجتمعاتنا بدأت تظهر أعراف وأخلاق جديدة لم تكن في الماضي القريب موجودة أبداً، صاحب الشائعة ينحصر في ثلاثة أصناف، إما أن يكون نماماً مغتاباً أو حاسداً حاقداً أو كاذباً يحب الافتراء لا يتحمل أن يجد الناس في وئام ومحبة!
جلست تتأمل كلامها وسرحت.. أخذت تحاول استرجاع ما قيل لها عنها.. أكثر من شخص حذرها من هذه المرأة وأنها تعمل أسحاراً للناس، بل قالوا عنها كلاماً كثيراً مسيئاً يخص حتى سمعتها، واستشهدوا بأن دليل ذلك هو حياتها الخاصة، حيث تركها زوجها وأبناؤها لا يزورونها، كما استشهدوا بمعلومات حقيقية عنها وأنهم زاروها يوماً في منزلها.. المرأة حديثها كله عن الذكر والعبادة، ودائماً ما ترسل لهن على الـ«واتساب» موضوعات دينية، وكانت تشتكي من أن البعض ابتعد عنها وأخذ يتجنبها، وهناك من قطع علاقته بها دون أسباب واضحة.. عن طريق الصدفة اكتشفت أن من قال عنها ذلك شخص كانت له عدة أهداف.. الشخص زارها فعلاً في المنزل، وفي ذلك قال الصدق وهو يصف حال المنزل.. المرأة كانت تلعب مع بعض النساء «بتة» الورق وقالت ممازحة: هل تودون أن أقرأ لكم حظكم؟ كانت تمزح طبعاً، لكن الشخص الذي أطلق عليها الشائعة عندما علم بهذا الموقف وجد في هذه الكلمة مدخلاً ليشيع عنها هذه الشائعة المدمرة التي قضت على علاقاتها بالناس.. لاحقاً أدركت أن من حذرها من هذه المرأة كان يغار من حب الناس لها ومكانتها ويغار أيضاً من حب هذه المرأة لمن تعرفهم!
قبل فترة الامتحانات اتجهت إلى إحدى البرادات لتتصل على منزل زميلتها بالمدرسة.. أخذت تقول للأم الكثير من الكذب عن زميلتها المتفوقة عليها، وكانت تدرك أن الأم من النوع شديد الصرامة وسريع الغضب.. الأم تأثرت بالكلام خاصة وأن الزميلة المتصلة لم تعرف بنفسها، بل اكتفت أن تقول إنها فاعلة خير قد استشهدت بالكثير من المعلومات التي بعضها حقيقي.. ظلت الأم مشحونة تجاه ابنتها تراقبها في كل شيء.. البنت فعلاً تتجه كل عصر إلى منزل صديقتها للدراسة معها.. لم تتمالك الأم نفسها وهي تجد ابنتها واقفة أمامها تخبرها أنها ستتجه إلى الصالون لصبغ شعرها -وكانت المتصلة قد أخبرتها بذلك أن دليل كلامها أن ابنتها ستأتي لها بعد يومين لتطلب منها صبغ شعرها- فضربتها! تشاجرت مع ابنتها وهي تخبرها أنها علمت أنها على علاقة بشقيق صديقتها التي تذهب إلى منزلها، وأخذت تحرمها من كل شيء فتأثر أداؤها في الامتحانات.. إلى أن جاءها اتصال من معلمة الفصل تخبرها عن كل شيء! المعلمة أخبرت الأم أن هناك زميلة تغار من تفوق ابنتها وأكثر من مرة افتعلت لها مشكلات حتى وصل الأمر أن أشاعت عنها أنها مصابة بمرض جلدي حتى تبتعد عنها صديقاتها.. كما أن هذه الزميلة غير سوية السلوك وتحاول جعل ابنتها تتعرف على شقيق صديقتها، لكن ابنتها كانت عاقلة وحكيمة لدرجة أنها صارحت المعلمة بكل ما تفعله هذه الزميلة فأمرتها المعلمة ألا تجالسها أبداً! ندمت الأم بعد ذلك، وأدركت أن ابنتها كانت ضحية لزميلة مثل الشيطان لديها قدرة على الإقناع وتحوير الحقائق لجعلها «تصدق الكذبة!»، وندمت أكثر لأنها حققت ما تريده لهذه العدوة.. لقد تراجع المستوى الدراسي لابنتها!
نقول لإحداهن المتحاملة على أخرى: هل سبب معاملتك لها وتكلمك من وراء ظهرها لأنك رأيت بأم عينيك ما قيل لك عنها؟ فترد علينا مبررة: «الكل يقول.. مو بس أنا.. ودام الناس تقول لازم في شيء من الصحة بالموضوع» فنقول لها: «طيب هل أنتِ كبشر، منحك الله نعمة العقل والإدراك والعين، تسيرين بأذنك في الحكم على الناس أو بعينيك وما ترينه أمامك؟ المرأة أكرمتك وأدخلتك بيتها وضيفتك.. المرأة خدمتك في أكثر من موقف دون أن تطلبي منها ذلك حتى.. المرأة تحبك ودائماً ما تذكرك بالخير.. ألا تعتقدين أن مثل هذه الأسباب هي من تدفع أحد الأطراف لكي يشحنك ضدها لكي تخسري علاقتك الجميلة معها؟ ألا تعتقدين أن ما تفعله للناس قد يدفع بعض المرضى إلى الحقد عليها ومحاولة تشويه سمعتها حتى لا يأتي إليها الناس وتصبح ذات وجاهة ومكانة أعلى؟».
كثير من الناس يقولون هذه العبارة المثالية، «لا يهمني كلام الناس وأنا لا أتأثر بالكلام»، لكن عندما يتعرضون لمثل هذه المواقف نجدهم يتأثرون، خاصة إن كان من يتعامل معهم في محيطهم الحياتي اليومي، فنقول لهم «راجعوا أنفسكم جيداً وتمعنوا في فلسفة الدين في هذا الأمر.. الشرع لم يحرم شيئاً أو يضع له عقوبات نتيجة آثام عظيمة إلا لأنه يدرك مدى الضرر الذي يلحقه بالعباد.. ألم يحكم أن صاحب الفتنة في جرمه أشد من جرم القاتل؟ الفتنة أشد من القتل! مطلق الشائعات في مجتمعنا راعي فتنة وشيطان بشري، ولا نقصد بذلك الذي يطلق شائعات ضد الدولة فحسب، إنما أيضاً من يطلقها على الناس، فيفتن الصديق في صديقه، والأخ في أخيه، والأم في ابنها، والزوجة في زوجها، والمدير في موظفيه، ويوجد المشكلات عن طريق فتنة الكلام والشائعات.