قبل أن يكون الحديث عن مطالب للدول الأربع ويتساءل البعض عن مصدر هذه المطالب؟ وهل تلتزم بها أم لا دولة شقيقة صنفها وزير خارجيتها على أنها دولة تدعم الإرهاب وفق اعترافه؟ وجاءت مذكرة التفاهم بين حكومة قطر والولايات المتحدة الأمريكية لتؤكد هذا الأمر ولا تدع مجالاً للشك، يجب الحديث عن الالتزامات الإقليمية والدولية في إطار هذين المفهومين خاصة على المستويين الخليجي والعربي.
فالأمن كمفهوم يعبر في وقتنا الحاضر عن نقيض الإرهاب وذلك في ظل انتشار وتفشي ظاهرة الإرهاب ودعمه وهي الآفة التي أصابت الدول العربية سواء كانت موجهة أو نتيجة انتشار عوامل أخرى أدت إلى تفشيها والتي يجب التصدي لها ومحاربتها وعدم تحقيق المصالح من خلالها.
وما يعنينا في هذا السياق هو مفهوما الأمن والإرهاب وفق الاتفاقيات والمعاهدات المعنية والالتزامات المترتبة عليهم، إضافة إلى اختلاف الرؤى بالنسبة إلى مفهوم الأمن في الخليج العربي حالياً.
أولاً: مفهوم الأمن والإرهاب والالتزامات على المستويين الخليجي والعربي وفق الاتفاقيات والمعاهدات:
أشارت ديباجة اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لسنة 2000 والتي تم التوقيع عليها في المنامة إلى أن هذه الاتفاقية جاءت إدراكاً من الدول للروابط والعلاقات الخاصة والسمات المشتركة والأنظمة المشابهة والتي تقوم على مبدأ «الأمن الجماعي المتكامل والمتكافل» معتمدة على الله ثم الإمكانيات الذاتية للدول الأعضاء، وذلك لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح هذه الدول وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية وبهدف توثيق علاقاتها وروابطها البينية وتعزيز الاستقرار والطمأنينة في بلادها وتحقيق طموحات شعوبها نحو مستقبل أفضل، وتعتبر في ذلك مرجعيتها النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وميثاق جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة، كما تعهدت دول المجلس وفق المادة الأولى من الاتفاقية بالالتزام بالمرجعيات السابقة واعتبرت في المادة الثانية أي تهديد يهدد إحدى هذه الدول يعتبر تهديداً واقعاً على الجميع وأن الرد عليه يكون عبر الدفاع الشرعي فردياً وجماعياً وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي فإن تمويل أو دعم الإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار بأي وسيلة كانت سواء عبر توجيه وتمويل بعض القوى داخل دول مجلس التعاون الخليجي أو قوى تصنف على أنها عدو لها وتهددها يعتبر عدوانأً وتهديداً لكافة دول المجلس، إضافة إلى أن توقيع اتفاقيات مع دول ذات أطماع وتدخلات في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي في المجال الأمني بما يتعارض مع بنود هذه الاتفاقية يعد خرقاً لهذه الاتفاقية وتهديداً سافراً لأمن واستقرار المنظومة الخليجية في إطار هذه الاتفاقية، وهو ما أكدت عليه الاتفاقية في المادة 12 بتعهد الدول بعدم إبرام اتفاقيات مع دول أخرى تتعارض وأهداف هذه الاتفاقية.
وبالتالي فإن مفهوم الأمن في الخليج العربي من منظور دول مجلس التعاون الخليجي عند صياغة هذه الاتفاقية ارتكز في تحقيقه على مبدأ متعارف عليه دولياً وهو الدفاع الشرعي سواء فردياً أو جماعياً.
وجاء مفهوم الأمن القومي العربي ليعزز من مكانة مفهوم الأمن الخليجي بشكل أوسع من حيث النطاق الجغرافي وبشكل أضيق من حيث طبيعة التهديد الواقع على اعتبار أي تهديد مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها يعد اعتداء عليها جميعاً مما يعزز الروابط على المستوى العربي ويدعم المنظومة الخليجية والعربية في تعزيز الأمن والاستقرار، إلا أن هذا المفهوم بحاجة إلى تعديل على المعاهدة العربية للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لسنة 1950 بحيث يراعي التطور في مفهوم تهديد الأمن وشموله إلى التهديدات غير المسلحة نظراً لخطورتها المتعاظمة التي قد تفوق التهديد المسلح في الكثير من الأحيان، وقد أكدت المعاهدة على ذات الحق الذي أكدته الاتفاقية الخليجية من حيث حق الدفاع الشرعي والتدخل من جانب الدول العربية سواء الفردي والجماعي للدفاع عن كياناتها والمبادرة بالمعونة للدولة المعتدى عليها واتخاذ التدابير اللازمة لإعادة الأمن والسلام إلى نصابها بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.
وقد جاءت المادة العاشرة من المعاهدة بحظر عقد أي دولة اتفاق دولي يناقض هذه المعاهدة، وألا تسلك في علاقتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكاً يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة.
وفي مجال الإرهاب جاءت المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998 بتعريف الإرهاب على أنه «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف الى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر»، وقد نصت الاتفاقية في المادتين الرابعة والخامسة على إجراءات التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتعهدت بالتعاون وبتسليم المتهمين أو المحكومين عليهم في الجرائم الإرهابية المطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول وفق شروط إجرائية، وعرفت الجريمة الإرهابية وفق آخر تعديل على أنه «أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي دولة متعاقدة أو على ممتلكاتها أو مصالحها أو على رعاياها أو ممتلكاتهم يعاقب عليها قانونها الداخلي، وكذلك التحريض على الجرائم الإرهابية أو الإشادة بها ونشر أو طبع أو إعداد محررات أو مطبوعات أو تسجيلات أياً كان نوعها للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها بهدف تشجيع ارتكاب تلك الجرائم»، وجاء تعريف اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب مطابقاً لتعريف الإرهاب في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.
كما جاءت اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب لعام 1999 لتعرف الإرهاب بأنه «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم أو حقوقهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بإحدى المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو المرافق الدولية للخطر، أو تهديد الاستقرار أو السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدول المستقلة، وجاءت المادة الخامسة من الاتفاقية لتتعهد الدول بموجبها بتسليم «المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية المطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول وذلك طبقاً للقواعد والشروط المنصوص عليها في هذه المعاهدة».
وبالتالي فإن الأساس القانوني والتعهد الدولي بالالتزام بتحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب وتسليم المطلوبين والمتهمين في الجرائم الإرهابية قد وضع منذ أكثر من ست عقود من الزمن على المستوى العربي ووضع على المستوى الخليجي منذ ما يقارب العقدين وعلى المستوى الدولي بالنسبة إلى اتفاقية قمع تمويل الإرهاب أيضاً منذ ما يقارب العقدين ولا تزال آلية التطبيق والتعاون دون مستوى الالتزام المطلوب بين الدول على المستويات المشار إليها.
ووفق لما سبق الإشارة إليه من الاتفاقيتين الخليجية والعربية في مجال الأمن إضافة إلى الاتفاقيات في مجال مكافحة الإرهاب فإن قراءة حيادية وموضوعية لبنود المتطلبات التي قدمتها الدول الأربع المكافحة للإرهاب للقيادة في قطر تؤكد أنها لا تخالف ما توافقت دولة قطر الشقيقة سواء مع دول مجلس التعاون الخليجي أو مع الدول العربية أو حتى على مستوى منظمة التعاون الإسلامي في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، وإنما تعد أساسيات للتأكيد على مدى التزامها ببنود هذه الاتفاقيات والابتعاد عن دعم الفوضى وعدم الاستقرار، وتأكيد على جهودها في مجال مكافحة الإرهاب ودعمه، إضافة إلى تقديم التعاون وفق الاتفاقيات في مجال تسليم العناصر الإرهابية المطلوبة وفق نص المادة 11 من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999، والمادة الخامسة من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998، والمادة 19 من الاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب لسنة 2004، ولا تمس بسيادة أو استقلالية القرار في الدولة الشقيقة.
ثانياً: الرؤى المختلفة لمفهوم الأمن في الخليج العربي وسبل التعامل معها:
مما سبق يتضح أن عملية تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي تتنازعها رؤى مختلفة حول مفهوم الأمن في هذه المنطقة الحيوية من العالم والأولويات والمصالح، فهناك رؤية الدول الأربع المكافحة للإرهاب وهي المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية وجمهورية مصر العربية تستند على التزاماتها الدولية وأهمية إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم العربي وتعتمد في ذلك على مبدأ الحزم في مواجهة الخصوم والأشقاء مِمَن يسعون إلى إثارة الفتن ودعم الإرهاب ورفض استمرار الفوضى وذلك للتأكيد على أهمية احترام المواثيق والاتفاقيات والالتزامات الإقليمية والدولية في مجال مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، واعتبار أمن الخليج العربي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والإقليمي والدولي ورفض الوصايا على مقدرات وموارد دول المنطقة وفق ثلاثة مبادئ رئيسة هي الشمولية والتبادل والمصالح، وهناك رؤية القيادة القطرية التي ترى أن لدى قطر وفق الإمكانيات المالية والاقتصادية القدرة على لعب دور أكبر في رسم وتوجيه السياسات ليس على الصعيد الخليجي بل والعربي والتأثير على توجهات السياسة الدولية بما يخدم مصالحها من تعظيم دورها السياسي حتى لو كان على حساب تقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال حفظ الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب.
بينما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للأمن في منطقة الخليج العربي تستند إلى تعهداتها والتزاماتها التي أقرتها مع دول المنطقة في حفظ الأمن والاستقرار ومكانتها وأهميتها على المستوى الدولي وحتى الإقليمي وأهمية الحفاظ على أمن إمدادات الطاقة ومصالحها الاستراتيجية والمالية والاقتصادية في هذه المنطقة، والرؤية الإيرانية تتلخص في رفض الوجود الأجنبي حتى لو كان عربياًَ أو إسلامياً وتقديم بدائل تعظم من دور ومكانة إيران على حساب باقي دول الخليج العربي في فرض الأمن والاستقرار والسعي نحو التمدد عبر خلق ولاءات وانقسامات داخل هذه الدول وتبعيتها إلى إيران.
بخلاف هذه الرؤى الأربع هناك رؤى أخرى لمفهوم الأمن في الخليج العربي قد تكون أقل تأثيراً على مفهوم الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، أو أنها تتحقق من خلال إحدى هذه الرؤى الأربع السابقة.
ويبقى الإشارة هنا إلى أن المطالبات الأخيرة التي قدمت للقيادة القطرية إنما استندت إلى تعهدات والتزامات إقليمية ودولية تم التصديق عليها وإقرارها ضمن وسائل حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة وتبعاتها على العالم وهو ما يجب على القيادة القطرية أن تعيه، كما أن اختلاف رؤية القيادة القطرية لمفهوم الأمن في الخليج العربي والعالم العربي عن رؤية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب والتي تستند على الالتزامات الإقليمية والدولية في هذا السياق يعد انحرافاً خطيراً حتى عن دستور قطر والذي أقر في المادة الأولى منه هويتها على أنها دولة عربية وإسلامية – رغم التحفظ على عدم ورود كلمة خليجية – وفي المادة السادسة أقر التزام قطر باحترام المواثيق والعهود الدولية والعمل على تنفيذها وفي المادة السابعة أكد أن سياسة قطر الخارجية تستند إلى مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين إضافة إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
حفظ الله دول مجلس التعاون الخليجي وقيادتها والوطن العربي من الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار.
* باحث ومحاضر في العلوم السياسية
{{ article.visit_count }}
فالأمن كمفهوم يعبر في وقتنا الحاضر عن نقيض الإرهاب وذلك في ظل انتشار وتفشي ظاهرة الإرهاب ودعمه وهي الآفة التي أصابت الدول العربية سواء كانت موجهة أو نتيجة انتشار عوامل أخرى أدت إلى تفشيها والتي يجب التصدي لها ومحاربتها وعدم تحقيق المصالح من خلالها.
وما يعنينا في هذا السياق هو مفهوما الأمن والإرهاب وفق الاتفاقيات والمعاهدات المعنية والالتزامات المترتبة عليهم، إضافة إلى اختلاف الرؤى بالنسبة إلى مفهوم الأمن في الخليج العربي حالياً.
أولاً: مفهوم الأمن والإرهاب والالتزامات على المستويين الخليجي والعربي وفق الاتفاقيات والمعاهدات:
أشارت ديباجة اتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لسنة 2000 والتي تم التوقيع عليها في المنامة إلى أن هذه الاتفاقية جاءت إدراكاً من الدول للروابط والعلاقات الخاصة والسمات المشتركة والأنظمة المشابهة والتي تقوم على مبدأ «الأمن الجماعي المتكامل والمتكافل» معتمدة على الله ثم الإمكانيات الذاتية للدول الأعضاء، وذلك لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح هذه الدول وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية وبهدف توثيق علاقاتها وروابطها البينية وتعزيز الاستقرار والطمأنينة في بلادها وتحقيق طموحات شعوبها نحو مستقبل أفضل، وتعتبر في ذلك مرجعيتها النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وميثاق جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة، كما تعهدت دول المجلس وفق المادة الأولى من الاتفاقية بالالتزام بالمرجعيات السابقة واعتبرت في المادة الثانية أي تهديد يهدد إحدى هذه الدول يعتبر تهديداً واقعاً على الجميع وأن الرد عليه يكون عبر الدفاع الشرعي فردياً وجماعياً وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي فإن تمويل أو دعم الإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار بأي وسيلة كانت سواء عبر توجيه وتمويل بعض القوى داخل دول مجلس التعاون الخليجي أو قوى تصنف على أنها عدو لها وتهددها يعتبر عدوانأً وتهديداً لكافة دول المجلس، إضافة إلى أن توقيع اتفاقيات مع دول ذات أطماع وتدخلات في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي في المجال الأمني بما يتعارض مع بنود هذه الاتفاقية يعد خرقاً لهذه الاتفاقية وتهديداً سافراً لأمن واستقرار المنظومة الخليجية في إطار هذه الاتفاقية، وهو ما أكدت عليه الاتفاقية في المادة 12 بتعهد الدول بعدم إبرام اتفاقيات مع دول أخرى تتعارض وأهداف هذه الاتفاقية.
وبالتالي فإن مفهوم الأمن في الخليج العربي من منظور دول مجلس التعاون الخليجي عند صياغة هذه الاتفاقية ارتكز في تحقيقه على مبدأ متعارف عليه دولياً وهو الدفاع الشرعي سواء فردياً أو جماعياً.
وجاء مفهوم الأمن القومي العربي ليعزز من مكانة مفهوم الأمن الخليجي بشكل أوسع من حيث النطاق الجغرافي وبشكل أضيق من حيث طبيعة التهديد الواقع على اعتبار أي تهديد مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها يعد اعتداء عليها جميعاً مما يعزز الروابط على المستوى العربي ويدعم المنظومة الخليجية والعربية في تعزيز الأمن والاستقرار، إلا أن هذا المفهوم بحاجة إلى تعديل على المعاهدة العربية للدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي لسنة 1950 بحيث يراعي التطور في مفهوم تهديد الأمن وشموله إلى التهديدات غير المسلحة نظراً لخطورتها المتعاظمة التي قد تفوق التهديد المسلح في الكثير من الأحيان، وقد أكدت المعاهدة على ذات الحق الذي أكدته الاتفاقية الخليجية من حيث حق الدفاع الشرعي والتدخل من جانب الدول العربية سواء الفردي والجماعي للدفاع عن كياناتها والمبادرة بالمعونة للدولة المعتدى عليها واتخاذ التدابير اللازمة لإعادة الأمن والسلام إلى نصابها بما في ذلك استخدام القوة المسلحة.
وقد جاءت المادة العاشرة من المعاهدة بحظر عقد أي دولة اتفاق دولي يناقض هذه المعاهدة، وألا تسلك في علاقتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكاً يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة.
وفي مجال الإرهاب جاءت المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998 بتعريف الإرهاب على أنه «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف الى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر»، وقد نصت الاتفاقية في المادتين الرابعة والخامسة على إجراءات التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتعهدت بالتعاون وبتسليم المتهمين أو المحكومين عليهم في الجرائم الإرهابية المطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول وفق شروط إجرائية، وعرفت الجريمة الإرهابية وفق آخر تعديل على أنه «أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي دولة متعاقدة أو على ممتلكاتها أو مصالحها أو على رعاياها أو ممتلكاتهم يعاقب عليها قانونها الداخلي، وكذلك التحريض على الجرائم الإرهابية أو الإشادة بها ونشر أو طبع أو إعداد محررات أو مطبوعات أو تسجيلات أياً كان نوعها للتوزيع أو لاطلاع الغير عليها بهدف تشجيع ارتكاب تلك الجرائم»، وجاء تعريف اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب مطابقاً لتعريف الإرهاب في الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب.
كما جاءت اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب لعام 1999 لتعرف الإرهاب بأنه «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم أو حقوقهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بإحدى المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو المرافق الدولية للخطر، أو تهديد الاستقرار أو السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدول المستقلة، وجاءت المادة الخامسة من الاتفاقية لتتعهد الدول بموجبها بتسليم «المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية المطلوب تسليمهم من أي من هذه الدول وذلك طبقاً للقواعد والشروط المنصوص عليها في هذه المعاهدة».
وبالتالي فإن الأساس القانوني والتعهد الدولي بالالتزام بتحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب وتسليم المطلوبين والمتهمين في الجرائم الإرهابية قد وضع منذ أكثر من ست عقود من الزمن على المستوى العربي ووضع على المستوى الخليجي منذ ما يقارب العقدين وعلى المستوى الدولي بالنسبة إلى اتفاقية قمع تمويل الإرهاب أيضاً منذ ما يقارب العقدين ولا تزال آلية التطبيق والتعاون دون مستوى الالتزام المطلوب بين الدول على المستويات المشار إليها.
ووفق لما سبق الإشارة إليه من الاتفاقيتين الخليجية والعربية في مجال الأمن إضافة إلى الاتفاقيات في مجال مكافحة الإرهاب فإن قراءة حيادية وموضوعية لبنود المتطلبات التي قدمتها الدول الأربع المكافحة للإرهاب للقيادة في قطر تؤكد أنها لا تخالف ما توافقت دولة قطر الشقيقة سواء مع دول مجلس التعاون الخليجي أو مع الدول العربية أو حتى على مستوى منظمة التعاون الإسلامي في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، وإنما تعد أساسيات للتأكيد على مدى التزامها ببنود هذه الاتفاقيات والابتعاد عن دعم الفوضى وعدم الاستقرار، وتأكيد على جهودها في مجال مكافحة الإرهاب ودعمه، إضافة إلى تقديم التعاون وفق الاتفاقيات في مجال تسليم العناصر الإرهابية المطلوبة وفق نص المادة 11 من الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب لسنة 1999، والمادة الخامسة من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لسنة 1998، والمادة 19 من الاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب لسنة 2004، ولا تمس بسيادة أو استقلالية القرار في الدولة الشقيقة.
ثانياً: الرؤى المختلفة لمفهوم الأمن في الخليج العربي وسبل التعامل معها:
مما سبق يتضح أن عملية تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي تتنازعها رؤى مختلفة حول مفهوم الأمن في هذه المنطقة الحيوية من العالم والأولويات والمصالح، فهناك رؤية الدول الأربع المكافحة للإرهاب وهي المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية وجمهورية مصر العربية تستند على التزاماتها الدولية وأهمية إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم العربي وتعتمد في ذلك على مبدأ الحزم في مواجهة الخصوم والأشقاء مِمَن يسعون إلى إثارة الفتن ودعم الإرهاب ورفض استمرار الفوضى وذلك للتأكيد على أهمية احترام المواثيق والاتفاقيات والالتزامات الإقليمية والدولية في مجال مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار، واعتبار أمن الخليج العربي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والإقليمي والدولي ورفض الوصايا على مقدرات وموارد دول المنطقة وفق ثلاثة مبادئ رئيسة هي الشمولية والتبادل والمصالح، وهناك رؤية القيادة القطرية التي ترى أن لدى قطر وفق الإمكانيات المالية والاقتصادية القدرة على لعب دور أكبر في رسم وتوجيه السياسات ليس على الصعيد الخليجي بل والعربي والتأثير على توجهات السياسة الدولية بما يخدم مصالحها من تعظيم دورها السياسي حتى لو كان على حساب تقاعسها عن الوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال حفظ الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب.
بينما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية للأمن في منطقة الخليج العربي تستند إلى تعهداتها والتزاماتها التي أقرتها مع دول المنطقة في حفظ الأمن والاستقرار ومكانتها وأهميتها على المستوى الدولي وحتى الإقليمي وأهمية الحفاظ على أمن إمدادات الطاقة ومصالحها الاستراتيجية والمالية والاقتصادية في هذه المنطقة، والرؤية الإيرانية تتلخص في رفض الوجود الأجنبي حتى لو كان عربياًَ أو إسلامياً وتقديم بدائل تعظم من دور ومكانة إيران على حساب باقي دول الخليج العربي في فرض الأمن والاستقرار والسعي نحو التمدد عبر خلق ولاءات وانقسامات داخل هذه الدول وتبعيتها إلى إيران.
بخلاف هذه الرؤى الأربع هناك رؤى أخرى لمفهوم الأمن في الخليج العربي قد تكون أقل تأثيراً على مفهوم الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، أو أنها تتحقق من خلال إحدى هذه الرؤى الأربع السابقة.
ويبقى الإشارة هنا إلى أن المطالبات الأخيرة التي قدمت للقيادة القطرية إنما استندت إلى تعهدات والتزامات إقليمية ودولية تم التصديق عليها وإقرارها ضمن وسائل حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة وتبعاتها على العالم وهو ما يجب على القيادة القطرية أن تعيه، كما أن اختلاف رؤية القيادة القطرية لمفهوم الأمن في الخليج العربي والعالم العربي عن رؤية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب والتي تستند على الالتزامات الإقليمية والدولية في هذا السياق يعد انحرافاً خطيراً حتى عن دستور قطر والذي أقر في المادة الأولى منه هويتها على أنها دولة عربية وإسلامية – رغم التحفظ على عدم ورود كلمة خليجية – وفي المادة السادسة أقر التزام قطر باحترام المواثيق والعهود الدولية والعمل على تنفيذها وفي المادة السابعة أكد أن سياسة قطر الخارجية تستند إلى مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين إضافة إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
حفظ الله دول مجلس التعاون الخليجي وقيادتها والوطن العربي من الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار.
* باحث ومحاضر في العلوم السياسية