عزيزي القارئ، إن كنت قد قررت سياقة سيارة سواء كانت «صالون»، أو سيارة ثقيلة، فلابد أن تحصل على رخصة سياقة مسبقاً، وإن أردت أن تعالج الناس، فليس أمامك خيار سوى أن تدرس وتسهر الليالي، لتنال شهادة الطب، وإن أردت أن تكون لاعباً في منتخب رياضي فلابد لك من أن تدخل تدريبات ومنافسات وتصفيات عديدة وتتدرج في الفرق بمستوياتها المختلفة لتصبح لاعباً محترفاً في المنتخب، وإن أردت أن تصبح إعلامياً فلابد لك من شهادة البكالوريوس في الإعلام. ولك أن تتجول بفكرك عزيزي القارئ في العالم من حولك لتجد أننا نعيش في عالم لا يسمح لك بممارسة الكثير من الأنشطة في مجالات مختلفة إلا بشهادة أو ترخيص أو الدخول في منافسة لتجعل منك شخصاً مؤهلاً للقيام بهذا النشاط، وما تلك الشهادة أو الترخيص إلا وثيقة يشهد بها الآخرون أنك تمتلك مهارات تؤهلك للقيام بعمل ما، ولكي تحصل على هذه الشهادة أو الرخصة عليك أن تبذل جهوداً وجهوداً في التدريب والتعلم والمذاكرة وتدخل تحدي اجتياز امتحانات أو اجتياز منافسات، لتكون مؤهلاً لممارسة نشاط معين، وعندما تسأل من حولك، لماذا نحتاج هذه الشهادة ستحصل على إجابة سريعة وبديهية من الجميع وهي أن هذا الناشط الذي تنوي أن تقوم به ذو أهمية وقد يؤذي الآخرين عدم إتقانك له فلابد من الشهادة، فمثلاً قد تؤذي الآخرين إذا قمت بسياقة سيارة وأنت لا تمتلك رخصة قيادة، وقد تؤذي الآخرين إن طبَبت وأنت غير مؤهل، وقد تُغضب الجمهور وتُسيء لسمعة وطنك إن شاركت في منتخب رياضي وأنت غيرمُدرب، أعتقد أن هذا المنطق مقنع والمجتمعات اهتمت بتعليم وتدريب الأفراد قبل ممارسة غالبية الأنشطة منذ عصور طويلة وحظرت العمل بها بدون ترخيص أو شهادة حتى أننا نستطيع القول إن المجتمعات تمكنت من حصر وتنظيم جميع الأنشطة المهمة، ولكن بقيت بعض الأنشطة لا تشترط الحصول على مؤهل، وقد يكون السبب أن هذه الأنشطة غير مهمة أو أن طبيعتها سهلة والجميع يستطيع أن يتعلمها ببساطة فلا داعي أن يحصل الشخص على مؤهل لممارستها وهي كثيرة ولعل منها أن تعمل ماسح أحذية، أو بائعاً في محل تجاري صغير، كالبرادات والدكاكين، أو صباغ لجدران أوغيرها.ومن الأنشطة التي لا تحتاج لمؤهل أو ترخيص أو خبرة أن تصبح محللاً سياسياً، فالجميع يستطيع أن يبدي رأيه في القضايا السياسية فكل يدلي بدلوه في هذا المجال فمثلاً، إن كنت ممثلاً فلا بأس أن تكون محللاً سياسياً، وإن كنت طباخاً تعمل في مطعم أو بائع شطائر في كافتيريا فلا مشكلة أن تدخل مجال التحليلات السياسية، وإن كنت لاعب جمباز فمن يمنعك من حق تحليل المواقف السياسية، وحتى إن كنت لاعب سيرك فخبرتك وذكاؤك ستكون كافية لأن تنال لقب محلل سياسي!!!عزيزي القارئ.. إن كنت بحاجة لمسمى اجتماعي فأسهل طريق لك أن تصبح محللاً سياسياً لتجد نفسك قد أصبحت وجهاً تلفزيونياً مشهوراً وخبيراً يستعان برأيك، لا يهم ما هو اختصاصك وما هي خبرتك السابقة، المهم أن تكون متحدثاً مفوها وكفى، واسمحوا لي بسؤال يحيرني، هل تقييم وتحليل المواقف السياسية لا يتطلب اختصاصاً؟ سمعنا أن بعض الجامعات تطرح تخصص سياسة واقتصاد لتخرج شباباً مختصين في هذا المجال، دعونا نسألهم هل السياسة مجال بحاجة لتخصص؟! إن كان الأمر كذلك لماذا نرى الخوض في السياسة مهنة من لا مهنة له، هل قيادة الشعوب مجال نشاط لا يحتاج لتنظيم وبالتالي لمؤهلات متخصصة وتدريب؟! كلنا يعلم أن إدارة الشركات والمؤسسات وقيادة الموظفين تحتاج لتخصص فتدرس الجامعات علم الإدارة، وعندما يعين مديراً في شركة ما يزج به في حزمة من الدورات التدريبية في مجال القيادة ذلك أن قيادة الموظفين لتحقيق نجاح المؤسسة أمراً مهماً.كل ما أردت أنْ أقوله إنّ التحليل السياسي ومخاطبة عقول الناس أمراً لا يستهان به، فهذا المجال يستحق الاهتمام والتنظيم، فعلينا التحقق من كفاءة المحلل السياسي قبل أن نزج به في هذا العالم، ودعونا نسأل أنفسنا: أين تكمن المشكلة؟ هل في المعنيين بوسائل الإعلام بأنواعها ـ بما فيها الإعلام الاجتماعي ـ والذين يتيحون الفرصة للجميع للتعبير عن الرأي، أم أن المشكلة في من يرى نفسه قادراً على التحليل السياسي وأن رأيه يستحق العرض على الجمهو؟ أم المشكلة في الجمهورالذي يقتنع بكلام كل من يتحدث من خلال شاشة سواء شاشة تلفاز أو شاشة هاتف؟ ودعونا نطرح سؤالاً آخر، هل أطروحات المحللين السياسيين بمختلف مستوياتهم سواء المتخصصين والمحترفين لها تأثير على الناس؟ وإلى أي مدى يكون هذا التأثير؟ وما أبعاده؟ و ما تبعاته؟ فإن كان الجواب أن طرح التحليل السياسي للجمهور موضوع له أهميته وتأثيره على المجتمع فعلينا أن ندرب كل من يرغب في أن يدلي بدلوه في هذا المجال، وأن ندرب الجمهور على مهارة النقد ونعطيه معايير تساعده على التمييز بين الغث والسمين، وأخيراً أدعو الله متضرعة وألح في الدعاء ألا يحرم أوطاننا نعمة الأمان وأن يرزق الأوطان التي حرمت هذه النعمة الأمن والأمان والسلام، ولم يبقَ أمامي إلا أن أقول.. دمتم أبناء قومي سالمين.