أجرت بعض القنوات التلفزيونية العالمية منذ أعوام لقاءات عشوائية مع بعض المواطنين الأمريكان من الشارع الأمريكي وكانت اللقاءات عبارة عن أسئلة تخص الداخل الأمريكي فقط، والغريب أن غالبية من أجريت معهم هذه اللقاءات السريعة ممن يحملون الجنسية الأمريكية لم يعرفوا أي شيء عن أمريكا. الكثير منهم لم يعرفوا اسم الرئيس الأمريكي وبعضهم لم يعرفوا اسم رئيس ولايتهم، وآخرون لم يعرفوا حتى أسماء الدول الملاصقة لحدود الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن جهلهم التام بطبيعة السياسة الأمريكية وعلاقات دولتهم ببقية دول العالم.
البعض ربما يسخر من هذا الوعي السياسي الهابط -كما يحلو لهم أن يطلقوا عليه- لدى الشارع الأمريكي، والبعض قد يراه جهلاً عميقاً بالسياسة، بينما الحقيقة يبدو أن الأمر غير ذلك تماماً كما سيأتي. هذا الحال ليس في أمريكا فقط، بل يجري ذلك في غالبية الدول الأوروبية التي تتجه شعوبها عادة للبناء واستقرار أوضاعها الحياتية والمعيشية وتأمين مستقبلها في كل الاتجاهات بعيداً عن السياسة وصخبها وربما قذارتها كذلك، فهم يدركون بأن السياسة لا تطعم خبزاً ولا ترتقي بأي مواطن للمعالي، وأن كل ما عليهم فعله هو أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات كل أربعة أعوام ثم ينسون كل شيء حتى اسم من انتخبوه ليتفرغوا لأنفسهم ولمستقبلهم بعيداً عن الفوضى السياسية وصداعها. لعل ما يجعل الشعوب الغربية غير مكترثة بهذا الأمر هو إيمانها الراسخ بتوزيع الأدوار وتحديد التخصصات، فهم يعلمون عن علم وليس عن جهل بأن للسياسة أهلها وناسها وعليه لا يجب أن يتدخل المواطن «العادي» الجاهل بالسياسة ودهاليزها فيها دون علم وإدراك ومعرفة، حالهم حال كل الناس الذين لا يفتون في الطب والهندسة عندما يكونوا غير مختصين في هذين المجالين، بل يتركون الحديث عن شؤون الطب والهندسة للطبيب والمهندس، وعليه لماذا يفتون في السياسة وهم ليسوا من أهل الاختصاص؟
مشكلة العرب أنهم أصبحوا كلهم محللين ومختصين وخبراء في السياسة والشؤون العسكرية ومنظرين في الأمور الاستراتيجية، فهم لا يحترمون التخصصات ولا يتركونها لأهلها، ولهذا نجد عندنا البقال والزبَّال والموظف العادي «والبنجرجي» وبائع الفول المدمس والبيض والطالب ومدرس الفن والرياضي عندنا كلهم يفتونك في السياسة، وكلهم مستعدون لرسم مستقبل المنطقة وكلهم يدَّعون معرفة ما يجري حولهم «بالملليمتر» وأن تحليلاتهم لا تخيب ولا تُخطئ أبداً بل ربما إذا خالفته الرأي صرتَ جاهلاً في نظرهم.
الفرق بين مشهد الأمريكي والياباني والألماني الذين نتَّهمهم بالجهل في السياسة هم أنفسهم الذين يصنِّعون لنا أدويتنا وسياراتنا وملابسنا وأجهزتنا الذكية ومواقعنا الإلكترونية التي نشتمهم فيها ونسخر منهم من خلالها، بينما نحن الذين ندَّعي شرف المعرفة السياسية مازلنا نتصارع فيما بيننا على رئاسة صندوق خيري وإمامة مسجد ومسؤولية مأتم، فجهل الإنسان الغربي بالسياسة والذي جعلناه منقصة فيه هو الذي دفعه للعلم والمعرفة والاكتشافات العلمية المثيرة، بينما ادعاؤنا بالسياسة وبحورها هو الذي أغرقنا في وحل الجهل والتخلف والصراعات وسفك الدم وتأخر أوطاننا، «فياريت» نحترم التخصصات وأن نؤمن أن السياسة علم كغيره من العلوم غير المتاحة إلا لمن تخصص فيها فقط. هذا اليقين يكفينا كي ننجو بأنفسنا وأوطاننا.
البعض ربما يسخر من هذا الوعي السياسي الهابط -كما يحلو لهم أن يطلقوا عليه- لدى الشارع الأمريكي، والبعض قد يراه جهلاً عميقاً بالسياسة، بينما الحقيقة يبدو أن الأمر غير ذلك تماماً كما سيأتي. هذا الحال ليس في أمريكا فقط، بل يجري ذلك في غالبية الدول الأوروبية التي تتجه شعوبها عادة للبناء واستقرار أوضاعها الحياتية والمعيشية وتأمين مستقبلها في كل الاتجاهات بعيداً عن السياسة وصخبها وربما قذارتها كذلك، فهم يدركون بأن السياسة لا تطعم خبزاً ولا ترتقي بأي مواطن للمعالي، وأن كل ما عليهم فعله هو أن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات كل أربعة أعوام ثم ينسون كل شيء حتى اسم من انتخبوه ليتفرغوا لأنفسهم ولمستقبلهم بعيداً عن الفوضى السياسية وصداعها. لعل ما يجعل الشعوب الغربية غير مكترثة بهذا الأمر هو إيمانها الراسخ بتوزيع الأدوار وتحديد التخصصات، فهم يعلمون عن علم وليس عن جهل بأن للسياسة أهلها وناسها وعليه لا يجب أن يتدخل المواطن «العادي» الجاهل بالسياسة ودهاليزها فيها دون علم وإدراك ومعرفة، حالهم حال كل الناس الذين لا يفتون في الطب والهندسة عندما يكونوا غير مختصين في هذين المجالين، بل يتركون الحديث عن شؤون الطب والهندسة للطبيب والمهندس، وعليه لماذا يفتون في السياسة وهم ليسوا من أهل الاختصاص؟
مشكلة العرب أنهم أصبحوا كلهم محللين ومختصين وخبراء في السياسة والشؤون العسكرية ومنظرين في الأمور الاستراتيجية، فهم لا يحترمون التخصصات ولا يتركونها لأهلها، ولهذا نجد عندنا البقال والزبَّال والموظف العادي «والبنجرجي» وبائع الفول المدمس والبيض والطالب ومدرس الفن والرياضي عندنا كلهم يفتونك في السياسة، وكلهم مستعدون لرسم مستقبل المنطقة وكلهم يدَّعون معرفة ما يجري حولهم «بالملليمتر» وأن تحليلاتهم لا تخيب ولا تُخطئ أبداً بل ربما إذا خالفته الرأي صرتَ جاهلاً في نظرهم.
الفرق بين مشهد الأمريكي والياباني والألماني الذين نتَّهمهم بالجهل في السياسة هم أنفسهم الذين يصنِّعون لنا أدويتنا وسياراتنا وملابسنا وأجهزتنا الذكية ومواقعنا الإلكترونية التي نشتمهم فيها ونسخر منهم من خلالها، بينما نحن الذين ندَّعي شرف المعرفة السياسية مازلنا نتصارع فيما بيننا على رئاسة صندوق خيري وإمامة مسجد ومسؤولية مأتم، فجهل الإنسان الغربي بالسياسة والذي جعلناه منقصة فيه هو الذي دفعه للعلم والمعرفة والاكتشافات العلمية المثيرة، بينما ادعاؤنا بالسياسة وبحورها هو الذي أغرقنا في وحل الجهل والتخلف والصراعات وسفك الدم وتأخر أوطاننا، «فياريت» نحترم التخصصات وأن نؤمن أن السياسة علم كغيره من العلوم غير المتاحة إلا لمن تخصص فيها فقط. هذا اليقين يكفينا كي ننجو بأنفسنا وأوطاننا.