صاغ عالم الجغرافية السياسية راتزل «Friedrich Ratzel» نظرية المجال الحيوي التي مفادها ان الدولة كائن مكاني حي يرتبط مصيره بالمجال الأرضي، والدول من أجل البقاء لابد لها من توسيع هذا المجال، حتى ولو بالقوة وإن لم تتوسع فستنهار. والدولة كائن عضوي يكبر وتزداد احتياجاته باستمرار، وأن الحدود هي أشبه بجلد الكائن العضوي، والذي يجب أن يتمدد باستمرار مع نموه. فالتمدد والحالة هكذا أمر طبيعي لجمهورية إيران الاسلامية، لذا وضع المنظر الاستراتيجي في طهران نظريات عدة منذ قيام الثورة 1979، وكانت اولى النظريات «القومية الاسلامية» لمهدي بازركان لتاسيس حكومة موالية لسياسة السوق الاقتصادي العالمي، لكن الخميني عارض النظرية فسقط بازركان وحكومته المؤقتة. ثم تصدى الخميني نفسه لوضع النظرية الثانية، وهي»تصدير الثورة» لاقامة الحكومة الاسلامية العالمية، لكن الحرب العراقية الإيرانية هي التي أوقفت النظرية إلى حين. لتأتي النظرية الثالثة «أم القرى» لمحمد جواد لاريجاني لصهر الشعوب الإسلامية وتوحيدها خارج إطار الولاء الوطني وجمعها تحت قيادة دولة «أم القرى إيران»، وحكومة الولي الفقيه ولا زلنا في مماحكات مع إيران حيال هذه النظرية التي اتسمت بتطبيق جوانب عديدة منها، وإن أحبط اندفاعها الاتفاق النووي مجرداً إيران من الشرعية النووية. ويلاحظ المراقب ميزة في صانع القرار الاستراتيجي في طهران، وهي أنه لا يتوقف عن وضع النظريات دون إلغاء ما قبلها، دون أن يكلف نفسه عناء تسميتها، فبعد تمهيد الطريق من طهران إلى البحر الابيض المتوسط عبر العراق وسوريا تحققت نظرية «الهلال الشيعي» التي تنكرها إيران ومن يدور في فلكها. لكن طهران تواجه مشكلة تبريرية لنظرياتها فالعالم «راتزل» لم يكن يتحدث من فراغ حين روج لنظرية المجال الحيوي، فقد كانت ألمانيا حينها تموج بالنشاط الصناعي، وبحاجة للمواد الخام والأسواق، لذا استعاضت ايران عن المشاريع الصناعية التي تفتقدها بالمشاريع العقائدية. ويقر القانون الدولي بالحدود الثابتة والمرسومة، لكن حدود الدول الكبرى تمتد إلى حيث تقف مصالحها، أو ما يعرف بـ «الحدود الشفافة» ويقصد بها الهيمنة، وبالحدود الشفافة بالترغيب أو بالترهيب تتحكم دولة في ملفات دولة مستقلة أخرى في نظر الامم المتحدة، كالوجود الامريكي في الملف الكوري، والوجود الروسي في الملف السوري، والوجود الفرنسي في الملف التشادي.* بالعجمي الفصيح:الهيمنة الإيرانية عبر»الحدود الشفافة» واضحة في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، لذا تمضي إيران حالياً في تحويل «الهلال»، وهو قوس نحيل يمتد من طهران لبيروت إلى «بدر» مكتمل يغطي قطر تأثيره بالحدود الشفافة العالم العربي كله، لكي تحقق النظرية الرابعة في توسعها. لذا فمبررات التحرك العربي ضد تشكل البدر الإيراني قبل أن يكتمل أمر يجب أن يساوي قوة المبررات الإيرانية في التوسع.