المتابع للفضائيات «السوسة»، الإيرانية وتلك الممولة من النظام الإيراني، لا بد أنه لاحظ أنها عمدت منذ اشتعال الانتفاضة في المدن الإيرانية إلى استضافة إعلاميي النظام والمخدوعين بالشعارات التي يرفعها وأنهم جميعاً حاولوا الترويج لفكرة واحدة ملخصها أن أمريكا وإسرائيل والسعودية تعمل على تحريك الداخل بعدما فشلت في تخريب الاتفاق النووي وتيقنت أنها دون القدرة على مواجهة إيران عسكرياً!

ورغم أن عاقلاً لا يمكن أن يقبل بهذا إلا أنه لا بأس لو تم افتراض أن السبب وراء القيام بخطوة تحريك الناس في الداخل هو ما تم ذكره، ولكن ما الذي يجعلهم ينجحون في عملية التحريك هذه؟ ما الذي يجعل الإيرانيين يخرجون بهذه الأعداد الكبيرة وبهذه الجرأة ليقولوا للنظام كفى وإنه حان الوقت لوضع حد لاستهتاره ولحكم الملالي؟

منطقياً لا يمكن دفع الإيرانيين للقيام بما قاموا به ولايزالون مستمرين فيه لولا أنهم يعانون وينتظرون الفرصة للثورة على النظام الذي اختطفهم من الحياة نحو أربعين سنة حتى نسوا طعمها وصاروا خارجها. لو أن أوضاعهم كانت جيدة وكانت علاقتهم بالنظام جيدة ولم يكن بينهم وبين المسيطرين على الحكم في إيران مشكلات، هل كان يمكن لأحد أن يحاول أن يثيرهم ويدفعهم للقيام بكل ذلك وينجح؟

لولا شعورهم بالظلم، ولولا تيقنهم من أن تعديل النظام لسلوكه وممارساته لم يعد ممكناً بل صار مستحيلاً، ولولا أنهم وصلوا حداً لم يعودوا قادرين فيه على تحمل المزيد، لولا هذا وغيره لما تمكن أحد من تحريكهم «على افتراض أن ما يروج له النظام صحيح».

الشعب الإيراني، وبعد كل هذا الذي ذاقه من هذا النظام لا يحتاج إلى من يحركه، فهو يعلم أنه وصل إلى المرحلة التي صار لا بد أن يتحرك فيها ويثور على الوضع الذي أرغم على العيش فيه، وهذا يدخل في باب التطور التلقائي والحراك الطبيعي، فليس من شيء بعد كل هذا الذي ذاقه سوى الاحتجاج بقوة والخروج في مظاهرات للتعبير عن الغضب والمطالبة بوضع حد لما يجري والتغيير.

لا يمكن لأي شعب وصل إلى مثل الحال التي وصل إليها الشعب الإيراني أن يستمر في السكوت، لهذا حصل ما حصل في إيران منذ الخميس الماضي وتم به الإعلان عن بدء سقوط هذا النظام المتخلف الذي لم يكتفِ بتغييب الشعب الإيراني عن الحياة وإنما نهب ثروته ووظفها لتنفيذ مخططاته الرامية إلى تغييب شعوب كل دول المنطقة عن الحياة وإعادة الجميع إلى زمن التخلف الذي من الواضح أنه لا يستطيع أن يعيش خارجه.

ما يجري حالياً في المدن الإيرانية أمر طبيعي ومنطقي وإن تأخر كثيراً بسبب قدرة الشعب الإيراني على التحمل والصبر، وما يجري هو نتيجة العمل الدؤوب للمقاومة الإيرانية في الخارج والذي لم يتوقف منذ اختطاف الملالي للثورة في عام 1979، والأكيد أنه سيستمر سواء حصل على التأييد والدعم من قبل دول العالم أم لم يحصل، والأكيد أن النهاية ستكون في صالح الشعب الإيراني الذي لم ينتفض ويثور إلا لينتصر وليحقق الأهداف التي من أجلها انتفض وثار.

النظام الإيراني سيوظف كل ما و«من» يملك لإفشال هذا التحرك، وسيلاحظ المتابعون لما تبثه تلك الفضائيات «السوسة» كيف يعمل المهووسون بالنظام وكيف يحاولون تمرير ما لا يمكن تمريره من مثل ما قاله أحدهم بأن الفيديوهات التي انتشرت وتبين مواجهات بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب التابعة للنظام لم تكن مظاهرات واحتجاجات على غلاء الأسعار والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي صار الإيرانيون يعيشونها ولكن كانت مشاجرة بين مشجعي فريقين حدثت في نهاية مباراة كرة قدم وسعت الشرطة إلى فضها!