قلما تجد أسرة نجحت في الاستغناء عن الاستعانة بخادمة في المنزل، فأصبح وجود خدم في الأسرة أمراً ضرورياً وذلك لأسباب عديدة لعل أهمها: عدم وجود ثقافة التعاون في تدبير شوؤن المنزل بين أفراد الأسرة فالمسؤوليات تقع غالبيتها على الأم، اتساع مساحة المساكن التي نسكنها، ونمط الحياة الاجتماعية التي نعيشها، وخروج الأم للعمل، وطول وقت الدوام لجميع أفراد الأسرة، وغيرها من العوامل التي تجعل الاستعانة بخادمة في المنزل أمراً ضرورياً، لكننا كثيراً ما نسمع عبارة باتت شائعة بين الناس وهي "الخدم شر لا بد منه"، وأعتقد الجميع يعرف السبب، وفي خلال أحد المجالس طالبني عدد من الحضور بطرح قضية الخدم مرة أخرى من خلال مقالي الأسبوعي "إشراقة"، مؤكدين تضررهم من هروب خادماتهم، مناشدين المسؤولين بضرورة إيجاد حلول تحد من هذه الظاهرة المتعاظمة، إلى جانب إيجاد آليات تحفظ حق الكفيل والمكفول من الأضرار المادية والمعنوية أو المساءلات القانونية التي قد يتعرضون لها دون ذنب ارتكبوه، الجميع يعلم ما يتكبده الكفيل من متاعب ومشاكل وخسائر بسبب الخدم وسنذكر غيضاً من فيض مما تم ذكره لي.وأغلب معانات الأسر التي تم طرحها خلال المجلس تمثلت في مشكلة ترك الخادمة للعمل في السنة الأولى من التعاقد لأنها حصلت على فرصة أفضل في بلد آخر فتصر على السفر بشكل طارئ ودون مقدمات وتطلب أن توفر لها التذكرة في وقت قياسي، دون أن تعطي فرصة للأسرة لترتيب أمورها، أو إيجاد البديل، ورب العمل المغلوب على أمره لا يملك سوى الخضوع وتلبية رغبتها حالاً ودون تأخير وتحمل كل ما ينتج عن قرار تلك الخادمة من معاناها، أما عن حجم الخسائر المادية التي يتكبدها الكفيل من جراء قرارها المفاجئ، فلطفاً عزيزي القارئ جهز الآلة الحاسبة لتحسب الكلفة، احتسب القيمة المدفوعة لمكتب الخدم الذي استجلبها، وخسائر الرسوم الأخرى من فحص طبي ورسوم استخراج بطاقة سكانية، وغيرها من الرسوم والتكاليف الأخرى التي تعلمونها، وضاعف هذا المبلغ وهو قيمة استقدام خادمة بديلة، فيعيد الكفيل النظر في ميزانية أسرته، ويلغي بنوداً من صرفها ليدفع ثمن قرار تلك الخادمة المفاجئ ويستجلب خادمة أخرى، وهو يدعو الله متضرعاً أن يحالفه الحظ في هذه المرة فلا تفعل ما فعلت سابقتها، هذا علاوة على الوقت والجهد والقلق والضغط النفسي الذي نتج عن دخول الأسرة في مثل هذه الإجراءات. وجميع أفراد الأسرة عليها أن تتحمل تبعات قرار الخادمة المفاجئ.. أتعلمون لماذا تعاني الأسرة كل هذه المعاناة؟؟؟؟ لأن الخادمة دائماً على حق.وقضية أخرى طرحت في نفس المجلس وهي معاناة الأسر من مشكلة هروب الخدم، ولا غرابة من هروبهم، ففرص ذهبية تنتظرهم في حالة الهروب توفرها لهم شبكات مختصة لتهريب الخدم، حيث ستوفر لهم فرص عمل متنوعة في مجالات مختلفة وما أدراك ما هذه المجالات فمنها ما هو مشروع أخلاقياً ولكنه مخالف قانونياً ومنها ما هو يخالف القانون وأخلاقيات مجتمعنا وقيمه وثوابته، فإذا ما قررت الخادمة العودة لبلدها بعد أن جنت واستحصلت المبالغ الطائلة، تم استدعاء الكفيل وطلب منه أن يدفع لها قيمة التذكرة لتعود معززة مكرمة إلى بلدها، ولا جزاء يقع على عاتقها نتيجة مكوثها كل هذه السنوات في البلد لا حسيب ولا رقيب، ويبقى السؤال الذي يحير الكفيل، ماذا فعلت طول هذه السنوات في البحرين، وهل عملت في مجالات غير مشروعة؟ لا أحد يدري؟!!!! وكيف وأين قضت كل هذه السنوات، لا أحد يدري طبعاً، وهل ارتكبت جرائم خلال هذه الفترة أو مخالفات قانونية، لا أحد يدري؟!!!! كل هذه الأسئلة يتساءلها الكفيل وليس له الحق في مجرد معرفة الجواب، فكل ما عليه أن يدفع ثمن التذكرة بأقصى سرعة ويتحمل تبعات قرارها بالهروب والاستفادة من خدمة شبكات تهريب الخدم، أتعلمون لماذا يتحمل الكفيل كل هذا؟؟؟ لأن الخادمة دائماً على حق!!!!نعم نحن نطالب بحماية الفئات الضعيفة في المجتمع وتدخل في هذه الفئات خدم المنازل، فلا يجوز استغلال أي إنسان بأي صورة من الصور، والاتجار بهم كما تفعل شبكات تهريب الخدم، ولا يجوز تعنيف أي إنسان صغيراً أم كبيراً، فقيراً أم غنياً، ولا يجوز تأخير تسليم الرواتب فهذا ظلم لا يقبله أي إنسان، فيجب إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، ويجب حسن معاملة الخدم وعدم إجهادهم بالعمل فنحن من يؤمن أن خادم القوم سيدهم، فتلك حقوق تُكفل للجميع، بل إنها أخلاقيات يتحلى بها أفراد المجتمع البحريني وهي جزء من ثقافة مجتمعنا ورثناها عن أجدادنا. نعم جميعنا نؤمن أن الفئات الضعيفة في المجتمع تستحق الحماية، لذا علينا أن نحميهم من الاستغلال من قبل تلك الشبكات وعدم وقوعهم في تجاوزات قانونية أو ارتكاب مخالفات. فنحميهم ونحمي مجتمعنا من مشاكل داخلية لم تكن جزءاً من ثقافتنا.كلنا نذكر عندما تقدمت إحدى الكتل النيابية باقتراح نيابي عام 2013، بتشكيل لجنة حكومية لبحث ظاهرة هروب خدم المنازل والخروج بتدابير وقرارات سريعة وفعالة لمعالجة هذه الظاهرة المتفاقمة، أتذكرون أنها طلبت أن تراعي اللجنة حجم المشكلات التي تسبب قلقاً كبيراً للأجهزة الأمنية في الدولة، وما ترتكبه من مخالفات كبيرة، بدءاً من العمل بطرق غير شرعية وغير نظامية عند هروبهم، والدخول في قضايا وجرائم أمنية وشبكات دعارة وغيرها من التجاوزات، خصوصاً ملاحقة شبكات تهريب خدم المنازل، وطالبت بإيجاد سبل وإجراءات وقرارات سريعة لحل مشكلة هروب الخدم ليكون له بالغ الأثر على استقرار الحياة الاجتماعية والمادية لأصحاب المنازل، هذا الاقتراح قد أسعد الجميع وبث بصيص الأمل في نفوس المواطنين والمقيمين على حد سواء بانتظار من ينتشل المجتمع من المشاكل الناتجة عن تبعات شبكة تهريب الخدم ولكن منذ ذلك الحين مازالت المشكلة قائمة ومازلنا نتمنى أن ينفذ هذا الاقتراح ونجني ثمرة جهود اللجنة، وأختم كلامي أن حل المشكلة لا يكمن في تدابير الجهات المعنية فقط بل لا بد من تعاون جميع أطراف المجتمع فالكثير من الأسر وحتى أرباب العمل يقبل بتشغيل العمالة المنزلية الهاربة بنظام الساعة أو حتى بنظام المكافأة بالنسبة لأرباب العمل في القطاع الخاص، فمن المفروض عدم إعطائهم هذه الفرصة وتوظيفهم بل في حالة اكتشافهم كان الأجدر بهم إبلاغ الجهات المختصة عنهم والتي بدورها يجب أن تقوم بإجراءات رادعة وحازمة، فتعاون الجميع سيكون له بالغ الأثر في الحد من هذه الظاهرة.. ودمتم أبناء قومي سالمين.