هل صحيح ان الأرقام أداة شفافة لنقل الواقع المحيط بنا كما هو؟
قديما كان هناك اعتقاد سائد بان النتائج العلمية التي يتم استنتاجها عن طريق الأرقام والنسب نتائج معتمدة لا يحيد عن الوثوق بها اثنان.
واستمر الحال في اعتمادية الأرقام بشكل مخيف حتى طغت هذه الثقافة على عقول الباحثين والمفكرين ولم يستثنَ البسطاء ممن زرع فيهم وهم أهمية الأرقام ووجب الأخذ بها بشكل إلزامي مطلق. واستمرت هذه الثقافة إلى أن تسللت لتخترق الكثير والكثير من جوانب حياتنا حتى أصبحنا وببساطة نعتمد على الأرقام للحكم على كل شيء تقريباً.
فالأمثلة لا تعد ولا تحصى، وسأستعرض البعض منها لتوضيح مدى تأثير هذه الثقافة على جوانب مهمه في حياتنا اليومية.
من منا لم يستخدم مبدأ النسبية في وصف يومه أو حياته أو حتى شخص آخر؟ فعلى سبيل المثال كثيراً ما سمعنا من يقول «80% من البرنامج الذي التحقت به فاشل ولم يضف لي شيئاً»، بكل بساطة حكم هذا الشخص على برنامج قام على إعداده الكثير من الأخصائيين واستثمر فيه من الوقت والجهد والأموال ما الله به عليم، لكنه قد عم بحكمه من غير تحليل موضوعي أو حتى محاولة لفهم أسباب هيكلة البرنامج على النحو الذي هو عليه «فقط لأنه لم يأت على هواه الشخصي أو لم يتفق مع معاييره».
ومثال آخر يسري على الكثير منا والمتمثل في الحكم على الطلبة وإنجازهم الأكاديمي بالدرجات غير مراعين مبدأ التعلم، وقد يكون الكثير منهم غير متعثر لكن مجموعة من المسببات أدت إلى تدني درجاتهم. إن ذلك قد يرجع إلى أسباب مختلفة منها عدم فهمهم لصيغة الأسئلة، أو لم يمنحوا الوقت الكافي للإجابة أو لم تدرس المادة العلمية من الأصل التي صيغت حولها الأسئلة، وغيرها الكثير من الأسباب التي لا أستطيع حصرها في هذا المقال، لكن لها تأثير على «الرقم» النهائي الذي «يحاكم به» الطالب وتعمدت استخدام كلمة «يحاكم» لما لها من تأثير نفسي مدمر.
والمثال الأخير مأخوذ من واقعنا كذلك، وجلي على صعيد العمل الحكومي والخاص. فالإنجاز يقيم بأرقام، والأهداف المحققة تقيم بأرقام، والتصفيق والتهليل والتكريم مبني على أرقام. فها هي الوزارة «الفلانية» التي قامت بصرف المبلغ «الفلاني» للقيام بعملها من باب البديهيات، وها هي الجهة الخاصة التي تقوم بعرض نسبة تعيين الإناث في المؤسسة كإنجاز، وها هي المؤسسة التعليمية التي ترصد عدد فعالياتها التسويقية كإنجاز علمي، وقس على ذلك الكثير.. أين الإنجاز الحقيقي؟.. معنى الإنجاز الحقيقي غير موجود في الأمثلة المستعرضة، فماذا تعني هذه الأرقام عند عرضها؟ وما مدى شفافية هذه الأرقام؟ فالبعض منها عمل مؤسسي يجب القيام به والبعض الآخر مجرد رقم لا صلة له بالتقدم المزعوم أو النجاح المنشود.
لنعدْ إلى البحوث العلمية التي رسخت فكرة وأهمية الأرقام، فمنذ زمن طويل اتجهت هذه البحوث إلى البحث عن الحقيقة دون فرض استخدام لغة الأرقام للتعبير عنها ودون المساس بشفافية النتائج الحقيقية وذلك بإبحارها في عدة اتجاهات جديدة للوصول إلى الحقيقة. وبالفعل تتوفر الآن مجموعة من الطرق الجديدة التي تمكن الباحث أو أي شخص معني من قياس النتائج بشفافية ودقة أكبر.
إنني في هذا المقال لا ألغي أهمية الأرقام إنما أرجو من القارئ الكريم الالتفات إلى مدى أهمية المبدأ المطروح واستخدام لغة الأرقام بحذر لما بات لها من تأثير نفسي، وفكري، واجتماعي، وثقافي قد يستغل من قبل البعض لتسويق أحكام باطلة أو نتائج مزيفة على أساس أنها حقيقة قائمة لا تقبل الجدل أو النقاش على أساس المقولة السائدة «إن الأرقام لا تكذب!».
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين
قديما كان هناك اعتقاد سائد بان النتائج العلمية التي يتم استنتاجها عن طريق الأرقام والنسب نتائج معتمدة لا يحيد عن الوثوق بها اثنان.
واستمر الحال في اعتمادية الأرقام بشكل مخيف حتى طغت هذه الثقافة على عقول الباحثين والمفكرين ولم يستثنَ البسطاء ممن زرع فيهم وهم أهمية الأرقام ووجب الأخذ بها بشكل إلزامي مطلق. واستمرت هذه الثقافة إلى أن تسللت لتخترق الكثير والكثير من جوانب حياتنا حتى أصبحنا وببساطة نعتمد على الأرقام للحكم على كل شيء تقريباً.
فالأمثلة لا تعد ولا تحصى، وسأستعرض البعض منها لتوضيح مدى تأثير هذه الثقافة على جوانب مهمه في حياتنا اليومية.
من منا لم يستخدم مبدأ النسبية في وصف يومه أو حياته أو حتى شخص آخر؟ فعلى سبيل المثال كثيراً ما سمعنا من يقول «80% من البرنامج الذي التحقت به فاشل ولم يضف لي شيئاً»، بكل بساطة حكم هذا الشخص على برنامج قام على إعداده الكثير من الأخصائيين واستثمر فيه من الوقت والجهد والأموال ما الله به عليم، لكنه قد عم بحكمه من غير تحليل موضوعي أو حتى محاولة لفهم أسباب هيكلة البرنامج على النحو الذي هو عليه «فقط لأنه لم يأت على هواه الشخصي أو لم يتفق مع معاييره».
ومثال آخر يسري على الكثير منا والمتمثل في الحكم على الطلبة وإنجازهم الأكاديمي بالدرجات غير مراعين مبدأ التعلم، وقد يكون الكثير منهم غير متعثر لكن مجموعة من المسببات أدت إلى تدني درجاتهم. إن ذلك قد يرجع إلى أسباب مختلفة منها عدم فهمهم لصيغة الأسئلة، أو لم يمنحوا الوقت الكافي للإجابة أو لم تدرس المادة العلمية من الأصل التي صيغت حولها الأسئلة، وغيرها الكثير من الأسباب التي لا أستطيع حصرها في هذا المقال، لكن لها تأثير على «الرقم» النهائي الذي «يحاكم به» الطالب وتعمدت استخدام كلمة «يحاكم» لما لها من تأثير نفسي مدمر.
والمثال الأخير مأخوذ من واقعنا كذلك، وجلي على صعيد العمل الحكومي والخاص. فالإنجاز يقيم بأرقام، والأهداف المحققة تقيم بأرقام، والتصفيق والتهليل والتكريم مبني على أرقام. فها هي الوزارة «الفلانية» التي قامت بصرف المبلغ «الفلاني» للقيام بعملها من باب البديهيات، وها هي الجهة الخاصة التي تقوم بعرض نسبة تعيين الإناث في المؤسسة كإنجاز، وها هي المؤسسة التعليمية التي ترصد عدد فعالياتها التسويقية كإنجاز علمي، وقس على ذلك الكثير.. أين الإنجاز الحقيقي؟.. معنى الإنجاز الحقيقي غير موجود في الأمثلة المستعرضة، فماذا تعني هذه الأرقام عند عرضها؟ وما مدى شفافية هذه الأرقام؟ فالبعض منها عمل مؤسسي يجب القيام به والبعض الآخر مجرد رقم لا صلة له بالتقدم المزعوم أو النجاح المنشود.
لنعدْ إلى البحوث العلمية التي رسخت فكرة وأهمية الأرقام، فمنذ زمن طويل اتجهت هذه البحوث إلى البحث عن الحقيقة دون فرض استخدام لغة الأرقام للتعبير عنها ودون المساس بشفافية النتائج الحقيقية وذلك بإبحارها في عدة اتجاهات جديدة للوصول إلى الحقيقة. وبالفعل تتوفر الآن مجموعة من الطرق الجديدة التي تمكن الباحث أو أي شخص معني من قياس النتائج بشفافية ودقة أكبر.
إنني في هذا المقال لا ألغي أهمية الأرقام إنما أرجو من القارئ الكريم الالتفات إلى مدى أهمية المبدأ المطروح واستخدام لغة الأرقام بحذر لما بات لها من تأثير نفسي، وفكري، واجتماعي، وثقافي قد يستغل من قبل البعض لتسويق أحكام باطلة أو نتائج مزيفة على أساس أنها حقيقة قائمة لا تقبل الجدل أو النقاش على أساس المقولة السائدة «إن الأرقام لا تكذب!».
* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين