وقع بين يدي كتاب «بيت كانو: قرن من الأعمال التجارية لشركة عائلية عربية»، لمؤلفه رجل الأعمال خالد محمد كانو، فكان خير جليس خلال فترة الإجازة. هذا الكتاب المكون من 400 ورقة في نسخته العربية يحكي بداية عائلة كانو في التجارة ومشوارها الطويل في الفوز بأفضل الوكالات التجارية العالمية ويستعرض نجاحاتها وحتى إخفاقاتها، ويعد مرجعاً لمن يريد أن يبحث في تاريخ البحرين والمنطقة بشكل عام.

ويعرفنا الكتاب في بدايته بالحاج يوسف بن أحمد كانو، الذي ينسب له الفضل في توسعة التجارة الصغيرة التي ورثها من أبيه ليحولها إلى مجموعة مكونة من عدة نشاطات تجارية. وتعود البداية إلى عام 1890م عندما استطاع يوسف بن أحمد وهو في سن الثانية والعشرين من استئجار مركب لنقل البضائع من الهند إلى البحرين. ولعل طموح الشباب ورغبتهم في تحقيق المستحيل هو الذي دفعه إلى الاتجاه في منحى آخر عما هو سائد في تلك الأيام، ليصبح بعد ذلك الأول من أبناء المنطقة ممن استطاعوا توريد البضائع بشكل منتظم إلى الخليج.

ولا تخلو البدايات من مصاعب. حيث واجهت مراكب الشحن ليوسف بن أحمد مشاكل في نقل البضائع إلى اليابسة أدت إلى غرق الكثير منها نظراً لعدم وجود أفراد في الميناء لتنظيم عملية استلام البضائع أو حتى مستودعات. ونظراً لهذا الوضع البدائي تكبد كانو خسائر عديدة.

ويذكر الكتاب أن يوسف بن أحمد كان بمثابة أول مصرفي البحرين. حيث اشترى «خزنة» فولاذية ضخمة من إنجلترا وسخرها لأهل البلد كمكان آمن لتخزين ممتلكاتهم. فتعامل معه الجميع ومن ضمنهم التجار الذين وضعوا عنده اللآلئ والأموال. وكان يقوم بتسجيل كافة الموجودات في دفاتر حسابات كي لا يضيع حق أحد.

أما تاريخ البحرين، فلازم أحداث الكتاب بأكملها بدءاً من حقبة ما قبل النفط مروراً بالحرب العالمية الثانية حتى ازدهار البلد ودخولها مرحلة التطوير والحداثة. وقد كانت المنامة العاصمة تلعب دوراً مهما في الأحداث بالإضافة إلى مدن خليجية أخرى منها أبوظبي التي أسس فيها أبناء كانو تجارتهم في الستينات أي قبل قيام الاتحاد.

ما لفت انتباهي هو الإصرار الذي أظهره يوسف بن أحمد كانو وأفراد عائلته من بعده في البحث عن الفرص التجارية ورغبتهم الكبيرة في تحقيق النجاح، فلم تثنيهم العقبات عن مواصلة مشوارهم.

وأجد تطابقاً بين الصفات التي تحلى بها كانو والصفات التي يتم الحث عليها هذه الأيام لكل المبتدئين في التجارة. فالمثابرة والبحث عن الجديد وتخطي العقبات والجرأة كلها صفات مطلوبة لتجار اليوم كما كانت مطلوبة آنذاك.

أتمنى أن نرى في مناهجنا الدراسية ذكراً لهؤلاء الرواد في التجارة تماماً مثلما يتم ذكر رواد الأدب والثقافة والفن. فالاطلاع على قصصهم بلا شك سيحفز بعض الصغار على خوض غمار التجارة والتي تشجعها الدولة الآن أكثر من أي وقت مضى.