قال تعالى (وإذَا توَلى سعى في الأَرْضِ ليفسدَ فيها وَيهلكَ الحرْثَ وَالنسلَ وَاللَّهُ لا يحبُّ الفسادَ) ( سورة البقرة الآية 205 )
أصبح الفساد ظاهرة تثقل كاهل كافة المجتمعات دون استثناء ويترتب عليه نطاق واسع من الآثار الضارة والمدمرة لهذه المجتمعات، فهو يقوض أسس الديمقراطية وسيادة القانون ويؤدي إلى ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ويخلق الأجواء المناسبة لتفشي الجريمة المنظمة ويساعد على المساس بالقيم الأخلاقية والتنمية المستدامة كونه يعد أي الفساد عقبة أساسية على طريق التنمية وعلى نحو خاص فإن تأثيره المدمر يبدو أكثر تأثيراً في دول العالم الثالث ولمجمل تلك الأخطار المحدقة بتلك المجتمعات كان لا بد أن يتحرك المجتمع الدولي بأسره ويبحث عن الطرق والسبل التي من شأنها وضع حد لهذه الآفة المتنامية فجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم(58 / 4 ) بتاريخ: 31/10/2003 بشأن إصدار واعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد اقتناعاً منها أن الفساد لم يعد شأناً داخلياً بل هو ظاهرة عبر وطنية مما يستوجب معه إيجاد صك دولي شامل ومتعدد الجوانب لمنع ومكافحة هذه الظاهرة والفساد ظاهرة قديمة في فحواها وحديثة في أساليبها وقد تعددت أساليب الفساد بتنوع بيئته حيث اتخذت أشكالاً مختلفة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والدولية وقد وردت عبارة (الفساد) وتعريفاتها في القرآن الكريم في عدد من الآيات كما وردت أمثال ذلك العدد من الآيات تتناول مفاهيم الفساد المختلفة كالغش والتبذير والإسراف والربا والاكتناز وأكل السحت... وغيرها من المفاهيم التي تسبب آثاراً سيئة على المجتمع وسلوكه وموارده وكل تلك الآيات تنبذ الفساد وتحذر منه وتعتبره مدعاة لغضب الله ( فأنظر كيف كان عاقبة المفسدين ) ( النمل / 14) كما تعرض القرآن إلى مسألة النزاهة والحكم من خلال إقامة العدل والقسط ومحاربة الظلم وعدم التعدي على حقوق الآخرين ولم يكتف القرآن بتحريم المفاسد وإنما وضع حلولاً لكيفية تجنبها من خلال تربية النفس باتجاه المثل العليا والسعي للحصول على مرضاة الله تعالى وقد عرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بأنه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية وكل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب وتختلف ماهية الفساد السياسي من بلد لآخر ومن سلطة قضائية لأخرى. فإجراءات التمويل السياسي التي تعد قانونية في بلد معين قد تعتبر غير قانونية في بلد آخر. وقد تكون لقوات الشرطة والمدعين العامين في بعض البلدان صلاحيات واسعة في توجيه الاتهامات وهو ما يجعل من الصعب حينها وضع حد فاصل بين ممارسة الصلاحيات والفساد كما هو الحال في قضايا التصنيف العنصري.
وقد تتحول الممارسات التي تعد فساداً سياسياً في بعض البلدان الأخرى إلى ممارسات مشروعة وقانونية في البلدان التي توجد فيها جماعات مصالح قوية تلبية لرغبة هذه الجماعات الرسمية ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى حيث يمثل الفساد تحدياً خطيراً في وجه التنمية فهو على الصعيد السياسي يقوض الديمقراطية والحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية الرسمية أما الفساد في الانتخابات والهيئات التشريعية فيقلل من المساءلة ويشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي وأما الفساد القضائي فإنه يعرض سيادة القانون للخطر والفساد في الإدارة العامة ينجم عنه التوزيع غير العادل للخدمات أي بمعنى أوسع ينخر الفساد في القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، فبسببه أي الفساد تباع المناصب الرسمية وتشترى كما يؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية وبالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع كالثقة والتسامح.
ويؤدي الفساد كذلك إلى تقويض التنمية الاقتصادية لتسببه في حدوث تشوهات وحالات عجز ضخمة فالفساد الاقتصادي له معان متعددة إذ يمكن أن يعرف بأنه سوء استخدام المنصب لغايات شخصية حيث يتضح من هذا التعريف أن الفساد الاقتصادي هو كل سلوك يصدر عن الموظفين العموميين بهدف تحقيق مكاسب ذاتية مادية يترتب عليها إهدار المال العام أو إلحاق الضرر به سواء كان هذا السلوك معاقباً عليه من القانون أو لم يقع تحت طائلة القانون وتتضمن قائمة الفساد الاقتصادي على سبيل المثال وليس الحصر الرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ والمحسوبية واستغلال مال الغير للتعجيل بقضاء أمر معين وأحد معاني الفساد الاقتصادي التي تتفق مع الرؤية السابقة وإن كانت أكثر شمولاً التي تنظر للفساد الاقتصادي بوصفه متاجرة غير مشروعة بمقدرات المجتمع واستغلال السلطة أو النفوذ بطرق ملتوية لتحقيق منفعة ذاتية مادية كانت أو معنوية بما يتعارض مع مقتضيات المصلحة العامة والفساد الاقتصادي وفقاً للتعريف السابق يعنى سلوك غير مشروع لصاحب سلطة يخالف به القواعد والقوانين العامة وقيم المجتمع وتقاليده تحقيقاً لمصالح خاصة دائماً ما يتعارض مع مصالح المجتمع وهو ما يؤثر سلباً على الاستقرار والبناء الاجتماعي والتقدم الاقتصادي بما يفرزه من نشر للأنانية وعدم المسؤولية ونشر للانحراف والجريمة لذا فالفساد الاقتصادي هو كل انحراف عن المسار الاقتصادي لإعلاء المصالح الخاصة التي تتعارض مع المصلحة العامة عن طريق الحصول على مكاسب مادية أو معنوية لتسهيل أعمال مشروعه أو غير مشروعه لمصلحة فرد أو مؤسسة بما يتعارض مع القانون والقيم الأخلاقية والدينية وبما يؤثر سلباً على التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومن أهم صوره الرشوة والاختلاس وإهدار المال العام واستغلال النفوذ وتهريب الأموال للخارج والمحاباة والاستيلاء على المال العام أو تسهيل الاستيلاء عليه وغسيل الأموال والتهرب الضريبي والتهرب الجمركي والغش التجاري ومهما تعددت مكونات الفساد وأسبابه فإن نتائجه تصب في وعاء واحد ألا وهو الهدر الاقتصادي للموارد المادية والمالية للمجتمع وأن لهذا الهدر آثاراً مباشرة وغير مباشرة فالآثار المباشرة تتمثل بالهدر وغير المباشرة تتمثل بالخسائر الاقتصادية المحتملة التي كان من الممكن الحصول عليها عن طريق استغلال المبالغ التي تم هدرها فالمبالغ المهدورة بسبب الفساد لو تم استثمارها ستؤدي إلى إنفاقات استهلاكية متتابعة تؤدي بدورها إلى خلق دخول متراكمة تصل إلى ما يزيد عن 4 مرات من حجم المبالغ المستثمرة وذلك بالتأثير المضاعف وتؤدي إلى خلق دخول أكثر وزيادة في الناتج إذا ما أخذنا بالاعتبار تحفيز الإنفاق الاستهلاكي للطلب الاستثماري لمواجهة الطلب الاستهلاكي وبالتالي يتزايد الاستثمار مما يخلق المزيد من الدخول والناتج ويرفع من معدلات النمو الاقتصادي. الفساد داء مزمن يظهر لأسباب وراثية أو عن طريق العدوى وبهذا فإنه سيبقى مستشرياً في جسم المجتمع وما علينا إلا أن نشخص أشكاله ليتسنى لنا تشخيص آثاره الاقتصادية وغير الاقتصادية من أجل إيجاد العلاج اللازم لا لشفاء المرض وإنما للتخفيف من حدة آثاره المختلفة ولاسيما الاقتصادية منها.
*محلل في الشؤون الاقتصادية
والعلوم السياسية
{{ article.visit_count }}
أصبح الفساد ظاهرة تثقل كاهل كافة المجتمعات دون استثناء ويترتب عليه نطاق واسع من الآثار الضارة والمدمرة لهذه المجتمعات، فهو يقوض أسس الديمقراطية وسيادة القانون ويؤدي إلى ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ويخلق الأجواء المناسبة لتفشي الجريمة المنظمة ويساعد على المساس بالقيم الأخلاقية والتنمية المستدامة كونه يعد أي الفساد عقبة أساسية على طريق التنمية وعلى نحو خاص فإن تأثيره المدمر يبدو أكثر تأثيراً في دول العالم الثالث ولمجمل تلك الأخطار المحدقة بتلك المجتمعات كان لا بد أن يتحرك المجتمع الدولي بأسره ويبحث عن الطرق والسبل التي من شأنها وضع حد لهذه الآفة المتنامية فجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم(58 / 4 ) بتاريخ: 31/10/2003 بشأن إصدار واعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد اقتناعاً منها أن الفساد لم يعد شأناً داخلياً بل هو ظاهرة عبر وطنية مما يستوجب معه إيجاد صك دولي شامل ومتعدد الجوانب لمنع ومكافحة هذه الظاهرة والفساد ظاهرة قديمة في فحواها وحديثة في أساليبها وقد تعددت أساليب الفساد بتنوع بيئته حيث اتخذت أشكالاً مختلفة منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية والدولية وقد وردت عبارة (الفساد) وتعريفاتها في القرآن الكريم في عدد من الآيات كما وردت أمثال ذلك العدد من الآيات تتناول مفاهيم الفساد المختلفة كالغش والتبذير والإسراف والربا والاكتناز وأكل السحت... وغيرها من المفاهيم التي تسبب آثاراً سيئة على المجتمع وسلوكه وموارده وكل تلك الآيات تنبذ الفساد وتحذر منه وتعتبره مدعاة لغضب الله ( فأنظر كيف كان عاقبة المفسدين ) ( النمل / 14) كما تعرض القرآن إلى مسألة النزاهة والحكم من خلال إقامة العدل والقسط ومحاربة الظلم وعدم التعدي على حقوق الآخرين ولم يكتف القرآن بتحريم المفاسد وإنما وضع حلولاً لكيفية تجنبها من خلال تربية النفس باتجاه المثل العليا والسعي للحصول على مرضاة الله تعالى وقد عرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بأنه إساءة استخدام السلطة العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية وكل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن أكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب وتختلف ماهية الفساد السياسي من بلد لآخر ومن سلطة قضائية لأخرى. فإجراءات التمويل السياسي التي تعد قانونية في بلد معين قد تعتبر غير قانونية في بلد آخر. وقد تكون لقوات الشرطة والمدعين العامين في بعض البلدان صلاحيات واسعة في توجيه الاتهامات وهو ما يجعل من الصعب حينها وضع حد فاصل بين ممارسة الصلاحيات والفساد كما هو الحال في قضايا التصنيف العنصري.
وقد تتحول الممارسات التي تعد فساداً سياسياً في بعض البلدان الأخرى إلى ممارسات مشروعة وقانونية في البلدان التي توجد فيها جماعات مصالح قوية تلبية لرغبة هذه الجماعات الرسمية ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى حيث يمثل الفساد تحدياً خطيراً في وجه التنمية فهو على الصعيد السياسي يقوض الديمقراطية والحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية الرسمية أما الفساد في الانتخابات والهيئات التشريعية فيقلل من المساءلة ويشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي وأما الفساد القضائي فإنه يعرض سيادة القانون للخطر والفساد في الإدارة العامة ينجم عنه التوزيع غير العادل للخدمات أي بمعنى أوسع ينخر الفساد في القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي إلى إهمال إجراءاتها واستنزاف مصادرها، فبسببه أي الفساد تباع المناصب الرسمية وتشترى كما يؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية وبالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع كالثقة والتسامح.
ويؤدي الفساد كذلك إلى تقويض التنمية الاقتصادية لتسببه في حدوث تشوهات وحالات عجز ضخمة فالفساد الاقتصادي له معان متعددة إذ يمكن أن يعرف بأنه سوء استخدام المنصب لغايات شخصية حيث يتضح من هذا التعريف أن الفساد الاقتصادي هو كل سلوك يصدر عن الموظفين العموميين بهدف تحقيق مكاسب ذاتية مادية يترتب عليها إهدار المال العام أو إلحاق الضرر به سواء كان هذا السلوك معاقباً عليه من القانون أو لم يقع تحت طائلة القانون وتتضمن قائمة الفساد الاقتصادي على سبيل المثال وليس الحصر الرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ والمحسوبية واستغلال مال الغير للتعجيل بقضاء أمر معين وأحد معاني الفساد الاقتصادي التي تتفق مع الرؤية السابقة وإن كانت أكثر شمولاً التي تنظر للفساد الاقتصادي بوصفه متاجرة غير مشروعة بمقدرات المجتمع واستغلال السلطة أو النفوذ بطرق ملتوية لتحقيق منفعة ذاتية مادية كانت أو معنوية بما يتعارض مع مقتضيات المصلحة العامة والفساد الاقتصادي وفقاً للتعريف السابق يعنى سلوك غير مشروع لصاحب سلطة يخالف به القواعد والقوانين العامة وقيم المجتمع وتقاليده تحقيقاً لمصالح خاصة دائماً ما يتعارض مع مصالح المجتمع وهو ما يؤثر سلباً على الاستقرار والبناء الاجتماعي والتقدم الاقتصادي بما يفرزه من نشر للأنانية وعدم المسؤولية ونشر للانحراف والجريمة لذا فالفساد الاقتصادي هو كل انحراف عن المسار الاقتصادي لإعلاء المصالح الخاصة التي تتعارض مع المصلحة العامة عن طريق الحصول على مكاسب مادية أو معنوية لتسهيل أعمال مشروعه أو غير مشروعه لمصلحة فرد أو مؤسسة بما يتعارض مع القانون والقيم الأخلاقية والدينية وبما يؤثر سلباً على التنمية الاجتماعية والاقتصادية ومن أهم صوره الرشوة والاختلاس وإهدار المال العام واستغلال النفوذ وتهريب الأموال للخارج والمحاباة والاستيلاء على المال العام أو تسهيل الاستيلاء عليه وغسيل الأموال والتهرب الضريبي والتهرب الجمركي والغش التجاري ومهما تعددت مكونات الفساد وأسبابه فإن نتائجه تصب في وعاء واحد ألا وهو الهدر الاقتصادي للموارد المادية والمالية للمجتمع وأن لهذا الهدر آثاراً مباشرة وغير مباشرة فالآثار المباشرة تتمثل بالهدر وغير المباشرة تتمثل بالخسائر الاقتصادية المحتملة التي كان من الممكن الحصول عليها عن طريق استغلال المبالغ التي تم هدرها فالمبالغ المهدورة بسبب الفساد لو تم استثمارها ستؤدي إلى إنفاقات استهلاكية متتابعة تؤدي بدورها إلى خلق دخول متراكمة تصل إلى ما يزيد عن 4 مرات من حجم المبالغ المستثمرة وذلك بالتأثير المضاعف وتؤدي إلى خلق دخول أكثر وزيادة في الناتج إذا ما أخذنا بالاعتبار تحفيز الإنفاق الاستهلاكي للطلب الاستثماري لمواجهة الطلب الاستهلاكي وبالتالي يتزايد الاستثمار مما يخلق المزيد من الدخول والناتج ويرفع من معدلات النمو الاقتصادي. الفساد داء مزمن يظهر لأسباب وراثية أو عن طريق العدوى وبهذا فإنه سيبقى مستشرياً في جسم المجتمع وما علينا إلا أن نشخص أشكاله ليتسنى لنا تشخيص آثاره الاقتصادية وغير الاقتصادية من أجل إيجاد العلاج اللازم لا لشفاء المرض وإنما للتخفيف من حدة آثاره المختلفة ولاسيما الاقتصادية منها.
*محلل في الشؤون الاقتصادية
والعلوم السياسية