في أسبوع واحد... انهالت المقالات التي تمجد سيرتها الذاتية، وتمتدح نهجها السياسي وإنجازاتها الإصلاحية. بعد هذا الأسبوع تحركت المقالات المضادة، التي تنبش أسرار بعض سياساتها وتفسر نواياها بالظهور اللافت في المونديال. والأهم... تلك المقالات التي تكبح فرامل الإعجاب العربي بـ(الرئيسة) بوصفه إعجاباً عاطفياً، ككل العاطفيات التي يتعثر بها العرب ولا ينهضون. وليس مهماً كل هذا الجدل الذي يتخاطف أطرافه (الآخرون). المهم أن علاقة الحب بين الرئيسة وبين أعضاء فريق بلدها كان بادياً وكان حقيقياً ولم يتمكن أحد من التشكيك به.
الحب كان هو المفتاح السري الذي انجرف خلفه العالم في تتبع (الرئيسة) وهي تحط بطائرتها (غير الرئاسية)، ثم تنزل بقميص موشى بعلم بلادها، وتجلس بين صفوف مشجعي فريق بلادها، إلى أن استجابت للضغوطات الدبلوماسية والأمنية بضرورة الجلوس في المنصة الخاصة بكبار الضيوف. الحب كان هو تعبيرها وهي تحتضن فريقها باكية معهم فرحاً بهذا الإنجاز الأسطوري، وحزناً على عدم اكتماله.
إن أكثر ما عانته شعوب العالم في شأن الحكم والحكام والساسة والسياسة، هو قسوة الحاكم وجبروت السلطة. والمسافات البعيدة بين الرعية والزعيم. سيقول البعض: إن حضور المونديال وغيره من المناسبات الرياضية، حضور تقليدي للنخب السياسية لم يقتصر على فخامة (الرئيسة). وأقول: نعم، هذا صحيح. لكنه حضور تشريفي للمنتخبات تحظى السلطة السياسية الحاضرة بكل تجهيزات الأمن والفخامة والتبجيل والعناية الخاصة بشخص الرئيس أو الملك أو من يقوم مقامهما. حضور (الرئيسة) كان حضور مشاركة وطنية وشعبية أبدعت في التعبير عبرها عن النزول إلى مواقع أفراد الشعب المختلفة واهتماماتهم وبأساليبهم.والمشاركة في شوارد الأمور وأبسطها هي التي تفتح ممرات الحب. فالحب لا يتطلب الكثير في أي شأن كان.
هل المرأة (الرئيسة) هي الأقدر على بلوغ مرتبة (الحب) مع الشعب، في زمن الحروب والانقلابات والدكتاتوريات؟ إن كان ذلك هو ما تحقق في تجربة كرواتيا المونديالية، فما ورد في سيرة (رئيسة) كرواتيا الشخصية والرئاسية لا يعبر عن امرأة هشة حالمة. إنها امرأة قيادية وقوية وحفرت مستقبلها بمثابرة واجتهاد، وواجهت مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية عاتية في بلادها. حب الناس لا يعني ألا يكون الزعيم زعيماً ولا يعني أن يكون القائد ضعيفاً.
كثيرون خدموا بلدانهم بإنجازات مذهلة ومؤثرة. و(رئيسة) كرواتيا خدمت بلدها بأن لفتت أنظار العالم إليه لإعادة اكتشافه من زوايا الحب والجمال. لذلك فإن الكثيرين تمنوا فوز كرواتيا بكأس المونديال إكراماً لسلوك (الرئيسة) المحب لشعبها. تستطيع إذن خدمة وطنك بالحب. تستطيع أن تحب وطنك حقاً وجداً، فيحب العالم وطنك تقديراً لحبك له.