كاتبة وشاعرة تونسية


تشير دراسات عدة إلى أن إقبال النساء خاصة على مظاهر التدين الشعبي أكبر بكثير من إقبال الرجال. بمعنى آخر، فإن صلة النساء بما يسمى في علم اجتماع الدين إسلام العلماء، هي ضعيفة مقارنة بصلتهن بالتدين الشعبي الذي من مظاهره الأساسية زيارة مقامات الأولياء الصالحين وقراءة الكتب الدينية الصفراء بدل كتب المفكرين الدينيين. فالدراسات الميدانية التي قاربت العلاقة بالتدين الشعبي مقاربة جندرية توصلت في نتائجها إلى أن متغير الجنس يتحكم بشكل كبير وأن هناك فوارق مهمة بين الذكور والإناث في هذا المجال. ذلك أن مؤشر الاهتمام الكبير بزيارة مقامات الأولياء الصالحين يرجح كفة الإناث؛ فمن الناحية الكمية تبدو إناث العينات المعتمدة في دراسات مختلفة الزبون الأول والأساسي للأضرحة، ويمكن الاستنتاج مبدئياً أن المرأة تشكل الرصيد الديموغرافي الأكثر أهمية عددياً للتدين الشعبي في البلدان العربية. فهل يعني هذا المعطى الذي يقوم على اختلاف جوهري بين الجنسين أن المرأة التي تشكل قرابة نصف المجتمع العربي ديموغرافياً، هي في واقع النظام الاجتماعي العام، ما تزال أقلية نوعية، في حين أن الذكور هم أكثرية نوعية؟

يقول عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو إنه "دائماً ينظر إلى الهيمنة الذكورية والطريقة التي تفرض بها، المثال الأنموذج على ما أسميه العنف الرمزي". وبالتالي يمكن البناء على هذا القول، من ناحية أن زيارة المرأة لمقامات الأولياء الصالحين والتردد عليها، تكشف عن بنية نفسية في حالة ضعف، أو أنها تستبطن في مخيالها وذاكرتها صور ضعفها وأحداث العنف الرمزي، التي عرفتها المرأة، فتستمد القوة والمساعدة من القوى الغيبية. فأن تظل مقامات الأولياء الصالحين عيادة المرأة الطبية والنفسية، فهذا قد يلمح صراحة إلى تواصل الآثار الطويلة المدى للمنطق المتناقض، الذي تقوم عليه الهيمنة الذكورية والطاعة الأنثوية التي لا يزال يمارسها النظام الاجتماعي على المرأة، إضافة إلى أن الهيمنة العددية للنساء، فيما يخص زيارة مقامات الأولياء الصالحين، تشير إلى أن كيفية هضم الإناث في هذا السياق للحداثة والعقلانية تبدو في تعارض مع مؤشرات مظاهر التحديث، التي عرفتها المرأة في بلداننا. وفي هذا السياق لا نستطيع أن نغفل أثر ظاهرة الأمية في صفوف النساء في بلداننا، ذلك أن طرح هذا الموضوع هو طرح لمستوى الوعي وكيفية بناء التصورات؛ إذ إن المعرفة الدينية التي تقوم على العلم والعلماء الكبار في المسألة الدينية هي مؤشر تحديد الوعي الفكري لنسائنا العربيات.
ولقد أشارت منذ سنتين بيانات منظمة اليونيسكو إلى أن نسبة الأمية في العالم العربي نحو 30 في المائة، ترتفع بين النساء لتصل إلى نحو 50 في المائة، وهي أعلى نسبة للأمية موجودة في عدة بلدان على رأسها العراق بنسبة 61 في المائة، وفي السودان بنسبة 50 في المائة وفي مصر بنسبة 42 في المائة، وفي اليمن بنسبة 39 في المائة، وفي المغرب بنسبة 38 في المائة، لافتة إلى أن البيانات الإحصائية حول واقع الأمية في الدول العربية تبين أن عدد الأميين لدى الفئات العمرية التي تزيد على 15 عاماً بلغ قرابة 99.5 مليون نسمة، فيما وصل عدد الأميين العرب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاماً إلى 75 مليون نسمة.

فحتى تونس ذات المعالجة الرائدة في مجال المرأة نجد أن نسبة الأمية لدى الإناث بلغت قرابة 18.8 في المائة مع ضرورة أن نضع في الاعتبار أن الإناث من الفئة العمرية المتقدمة من العمر يشكلن غالبية هذه النسبة.

ويبدو أن الواقع التشريعي للمرأة العربية "مع وجود اختلافات مهمة بين البلدان العربية" مختلف بعض الشيء عن واقع الممارسة الاجتماعية للعلاقات بين الجنسين رغم أن جهود التحديث والنهوض بوضعية المرأة وجعلها تكتسب حقوقاً تساعدها على تقليص مساحات التمايز بين الجنسين، لم تتوان عن تحرير المرأة. كما نلاحظ أن بلداننا العربية والإسلامية اليوم باتت تراهن على المرأة وأدركت أنه لا مواطنة دون القضاء على التمييز على أساس الجنس والانخراط في سياسة المساواة، فكانت الإرادة السياسية إزاءها قوية إلى درجة، ربما يمكن أن نستنتج أن المرأة شكلت آلية من آليات محاولات الإصلاح.

ولكن رغم الخطوات التي ما فتئت تتراكم في السنوات الأخيرة ووفق نسق سريع في تعزيز مكانة المرأة القانونية، من خلال مدونة تقضي على أشكال التمييز ضد المرأة وتبني الخطاب السياسي مفهوم المساواة بين الجنسين ثم مفهوم الشراكة بينهما، فإنه على مستوى واقع الممارسة الاجتماعية تشير النسب المرتفعة جداً فيما يتعلق بزيارة النساء مقامات الأولياء الصالحين وكذلك تفضيلهن كتب التداوي بالقرآن وكتب الأدعية بفارق كبير مقارنة بسلم أفضلية الذكور للكتب الدينية، إلى أن أسباب الانشداد إلى الضعف في النظام الاجتماعي والأفعال الاجتماعية، ما زالت قائمة الذات، حتى إن مستواها التعليمي ورصيدها التشريعي لم يجعلاها نصف المجتمع بالمعنيين الديموغرافي والنوعي معاً.

لذلك فإن علاقة النساء في مجتمعاتنا بالتدين الشعبي هي مؤشر قياس لمدى تطور الوعي والسلوك الديني العقلاني.


نقلاً عن الشرق الأوسط