رسالة مجموعة البنك الدولي منقوشة على الحجر في مقرها بواشنطن: "حلمنا هو تحقيق عالم خال من الفقر" ويعتبر الفقر علة تتفشى في جسد العالم ومرض خبيث يصل حد القتل يفتك ويضرب ويشرد كل كائن بشري فقير على وجه الأرض ويعرّف الفقر بأنه عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة وكما يعرف الفقر الآن بأنه عدم القدرة على الحصول على الخدمات الأساسية وكما أن للفقر مفهوماً نسبياً فإن له مفهوماً مطلقاً ولكل مفهوم معنى مستقل إذ الفقر المطلق هو حالة من الحياة محددة بالجهل وسوء التغذية والمرض وارتفاع مستوى وفيات الأطفال وانخفاض فترة الحياة إلى حد أقل من أي تعريف رشيد لحد الكفاف أما الفقر النسبي فهو تمكن الفرد من إشباع حاجاته أي تحقيق حد الكفاية ولكن الشيء الأقل يعد فقيراً بالنسبة للأكثر وهذا يعكس التفاوت في الدخول.
ولأن مفهوم الفقر المطلق ثابت فإن تعريف حد الفقر يتم من خلال تحديد أقل كميات للاستهلاك الفردي الذي يشبع الحاجات الإنسانية الضرورية مثل كمية السعرات الحرارية وكمية المواد الغذائية التي يجب أن يحصل عليها الفرد ومن السهل أن نساوي بين عدم إشباع الحاجات الأولية وبين الفقر وأن نساوي بالتالي بين خطط التنمية الموجّهة لحل ظاهرة الفقر والتخطيط الموجه لإشباع الحاجات الأساسية ومن ثم يصبح حد الفقر هو المعيار البسيط والعملي لتقدير درجة عدم إشباع الحاجات الأولية إلا أن الفقر المطلق يقاس بالدخل في حين تقاس الحاجات الأساسية بمستويات الاستهلاك وتوافر الخدمات الأساسية حيث يعد الفقر أيضاً نتيجةً لعدم تكافئ الفرص والتفرقة بين النّاس في الحقوق والواجبات فمثلاً هناك أناس لهم حقوق أكثر مقابل التزامات أكثر .
ويعتبر الفقر أيضاً نتيجةً للعنصريّة الجغرافية والعنصرية البشرية بمعنى أن هناك إقليم في بلد ما يتميز عن الآخر في العناية به والخدمات التي يتمتع بها وإقليم آخر لا يوجد به أي اهتمام في الخدمات وهي لا تتناسب أيضاً مع أهمية الإقليم وحجمه فالفقر ليس قضية اجتماعية بحتة فسببه ليس في العوز فقط ولكن في الشر الذي تنطوي عليه النفوس البشرية فالحرمان هو الجانب الخارجي للفقر وأما جانبه الداخلي فهو الإثم الجشع وإلا كيف نفسر وجود الفقر في المجتمعات الثرية وخطة التنمية المستدامة لعام 2030 والتي ابتدأت من الأول من يناير 2016 وحضرت البحرين الشهر الماضي جلساتها تقريرها الوطني الطوعي الأول لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030 إلى الاجتماع السياسي الرفيع المستوى التابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة في نيويورك في يوليو 2018 حول إنجازات مملكة البحرين في تطبيق الخطة بأهدافها السبعة عشر والتي تعبر عن رؤية عالمية لتحقيق السلام والرخاء والكرامة لجميع البشر فوق كوكب سليم.
ورغم كل التقديرات والمؤشرات والحلول التي وضعت من خلال الخبراء لا يزال الفقر منتشراً رغم ما يتمتع به العالم من خيرات تنتشر من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه وأصبح الفقر وصمة عار على جبين الإنسانية التي ترتقي في سلم الحضارة والازدهار وتنعم بالتكنولوجيا والعلم فكلما تألقت دول وحققت كل وسائل الرفاهية ﺇلا وانحدرت دول أخرى إلى حضيض الإنسان البدائي فالفقر لعنة الواقع المعاصر تستاء منه الشعوب والمنظمات الدولية ويقض مضجع الأطفال والنساء فهل الفقر قضاء وقدر ينبغي الاستسلام والخضوع له وحمد الله على قضائه؟ أم هو نتيجة حتمية لتطاول أيدي المسرفين وﺇفساد المستكبرين في الأرض؟.