لا يمكن في عصر المعلومة أن تسيطر على أحد من أجل عدم الوصول إليها، سواء كان هذا "الأحد" ابنك أو ابنتك أو حتى أنت. فقوة المعلومات وتدفقها كسيل جارف من هاتفك الذكي أو أي لوح رقمي آخر ينبيك صعوبة السيطرة على حريق المعلومات وسيلانها. هذا الأمر يشكل خطراً في بعض الأحايين على حركة الأسرة وقواعد التربية فيها كما يشكل خطراً على بعض الدول التي ربما تتأذى من وصول بعض المعلومات الأمنية والإستراتيجية إلى جهات غير مريحة.

حين نتكلم عن التربية فالأمر أصعب مما نتصور في ظل توافر المعلومة، فلا يقول الأبوين بأنهما يستطيعان تربية الأبناء دون تأثير الأجهزة الذكية على واقعهم، بل في كثير من الأوقات يكون التأثير أكبر بكثير من نصيحة عابرة لأم تريد التبضع مع صديقاتها أو توجيه سريع من أب يريد اللحاق على مباراة كرة قدم. فالكثير من الشباب الصغار الذين ينتمون إلى جهات سياسية إرهابية انطلقوا في تشكيل وعيهم وهويتهم بهذا الفكر المتطرف منذ بداياتهم عبر مواقع إلكترونية لا غير. حتى التفاهة التي يعيشها الكثير من أبناء جيلنا والتصاقهم غير المبرر بالمشاهير السذج منشؤها معلومات إلكترونية قد فخمتهم وعظمتهم دون أدنى سبب.

في هاتين المقابلتين، بين دخول شبابنا على خط الإرهاب وبناتنا على خط التفاهة هناك عامل مشترك هو التهاء المربين عن أبنائهم بإلهائهم عبر أجهزة ذكية جردتهم من طفولتهم ومعارفهم الرصينة إلى حيث الخرافة والتخلف والضياع والسطحية ومروراً بالتطرف، ولأن كل المعلومات باتت متاحة للجميع سيكون من الصعب السيطرة الكاملة على هذا الوضع إلا بأمرين اثنين، الأمر الأول، وجود قوانين صارمة تتعلق باستخدام هذه المعلومات بشكل خاطئ وخطير كما هو الحال في القضايا التي تتعلق بالإرهاب والانتماء للجماعات المتطرفة، والأمر الثاني، أن تلتفت الأسر البحرينية إلى أبنائها بعض الشيء لتعرف "على أقلها" أين يعيشون صغارهم في هذا العالم الافتراضي. فالبنات يهرولن وراء المشهورات، والشباب يحاولون التمسك والدخول إلى الدين من الباب "الغلط"، وفي كل الأحوال يفتقد هؤلاء الصغار إلى التفاتة حنونة ومتابعة وإرشاد منظم وجاد من الآباء الذين هم بدورهم يعيشون غيبوبة حقيقية في عالم أجهزتهم التي ألهتهم عن التربية. إنها الإشكالية المعقدة التي تحتاج إلى وقفة جادة من الأسرة والمجتمع والدولة والمدرسة والجامعة ومن مؤسسات المجتمع المدني.

نحن اليوم نطالب الأسر البحرينية أن تقوم بدورها التربوي بشكل صحيح، وعدم رمي صغارها في أحضان مربية أجنبية أو في حضن عالم افتراضي لا يرحم، فكل جريمة أو خطأ يقوم بهما صغارنا نحن نتحمل الجزء الأكبر فيهما لأننا في الأصل لم نكلف أنفسنا عناء التربية، هذا خلاصة الموضوع.