* بدأت قصتك عندما قررت يوماً ما أن تشيد ذلك البنيان الجميل الذي يجمع كل من تحب، ويجمع تلك العصافير الجميلة التي ترى براءتها في كل أهازيجها العذبة.. لم تكن تريد أن تكون ثقيلاً عليهم.. ولا أن تكون ذلك "الوحش المخيف" الذي يكشر عن أنيابه في كل أوقات العمر.. ولا أن تكون ذلك المزعج الذي يلاحقهم في كل شؤونهم.. بل أردت أن تكون تلك الواحة الغناء الثرية بالسعادة وبأجمل ترانيم الحياة.. واحة تعزف فيها أجمل معزوفات السعادة والمحبة.. فتطير معهم بقلبك وروحك ودفء مشاعرك.. تطير معهم لأنك لا تريد أن تبقى وحيداً في ذلك الركن المخيف.. ولا أن تترك وحيداً بدون أن يسأل عنك أحد.. هي واحة قررت أن تجملها بأناملك.. بمشاعرك وأحاسيسك وجمال روحك.. كل عصفور فيها يمثل لك الكثير.. تحتضنه وتغذيه وتحافظ على نضارته.. فإن نكس رأسه يوماً أو افتقدت صوته الحنون، فإنك سرعان ما تضمه بين أناملك الرقيقة، وتمسح على رأسه حتى يحس بحنانك وقربك.. هو أنت هكذا.. لربما قد تبتعد عن قربك بعض العصافير.. لأنها قد تعتقد أنك تريد أن تبعدها عن فرحتها في الحياة، وتقيد من ذلك التحليق الجميل الذي اعتادت عليه في سماء القلوب.. ولم تعلم جيداً ما يحمله قلبك من حنان وطيبة يسع الناس كلهم.. هي قصة ليست كبقية القصص.. لأنها مكسوة بالحب والحنان والسعادة والتطلع إلى ما أعده المولى الكريم من خير عميم ونعيم مقيم في الفردوس الأعلى.. وستظل في كل حين تتفقد تلك العصافير وإن كبرت عن ذلك الزمان الأثير.. وإن ظلت تبتعد عن أناملك وعن ملامسة شعيرات رأسك التي تتمنى أن تلمسها حباً وشوقاً في قربها.. وإن مشت على نفس الوتيرة.. فستظل أنت كما أنت.. تتطلع بشوق إلى ما أعده المولى الكريم.. بانتظار جنة خالدة قطوفها دانية.. وبرضا المولى الكريم الذي لا يتحقق التوفيق إلا به.. ستظل أنشودة غناء تنشدها الأجيال التي بنيتها وشيدتها بروحك الدافئة ومشاعرك الجياشة.. لأنك كنت تنظر إليها بذلك المستقبل الجميل للأجيال.. ستظل تتنفس الخير في هذه الواحة.. وترجو البارئ الكريم أن يحفظ لك كل محبيك، ويحفظ تلك العصافير البريئة التي تطير في سماء الخير.. وترجو المولى أن يجعلها في قلوب كل الناس، وتنثر الحب في سماء السعادة.
* مازلت تعيش في تحدٍّ كبير للمحافظة على تلك القيم والمبادئ التي تعلمتها في حياتك، ونضجت بصورة كبيرة في نفسك عندما تقدم بك العمر.. هو تحدٍّ بالنسبة لحياتك ومسيرك الذي ارتضيت أن يكون كله لله تعالى وحده لا من أجل إرضاء البشر.. ولعمري أن أهم ركيزة تعينك على تجاوز هذا التحدي وغيره تتمثل في بناء الإيمان الشامخ الذي سار معك منذ الطفولة، وأضحى اليوم في وضع يحتاج فيه إلى العناية والرعاية المستمرة.. تحتاج اليوم إلى الارتقاء بالإيمان وبخاصة عندما تصل إلى مواطن معينة في حياتك.. فإن ابتغيت ذلك.. فاحرص على رؤية الصالحين ومصاحبتهم، وبخاصة أولئك الذين لا تسمع لهم ضجيجاً في الحياة سوى الترنم بآيات القرآن وأداء ركيعات مطمئنة في المسجد.. فلعل دعوة صالحة منهم تنجيك من هول الحساب.. ولا تغفل أن تذكر نفسك بالآخرة بكل ما يرقق قلبك حتى لا تفتر ويفوتك قطار الخير.
* ما أجمل الترنم بالأدعية التي نغفل عنها في مسير حياتنا.. ومن أجمل الأدعية التي حرص عليها النبي صلى الله عليه وسلم والتي تعد من أروع الأدعية وأهمها في حياة المرء.. سؤال المرء ربه العفو والعافية. ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اسألوا الله العفو والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية". وروى الترمذي عن العباس بن عبدالمطلب قال: قلت: يا رسول الله، علمني شيئاً أسأله الله عز وجل. قال: "سل الله العافية". فمكثت أياما ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله. فقال لي: "يا عباس يا عم رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والآخرة". وكان صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما لم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عورتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي".
* في بعض الأحيان تتمنى لو أرجعتك الأيام قليلاً إلى الوراء لتعيد صياغة ضوابط حياتك، وإعادة اتخاذ بعض القرارات، وتجنب بعض المواقف المرهقة التي أضعفت قواك وأهدرت من أوقاتك الكثير.. ولكن في الوقت ذاته تقول في قرارة نفسك.. هي الأيام لا تعطيك كل ما تحب، ولا تمنحك كل المثاليات التي تتمناها.. باستطاعتك الآن أن تمنح هذه اللحظة فرصة للاستزادة منها في كل ما يبقى أثره خالداً.. وأن تمنح أنفاسك فرصة تذكر فيها الله تعالى وتسبحه وتهلله وتدعوه بقلب مطمئن ساكن أن يجعل حياتها مليئة بكل ما يقربها إلى المولى الكريم، وأن يشرح صدرها وينعم عليها بالصحة والعافية والخير ويجعلها منارة شامخة تدل الناس الحيارى إلى مواقف الصلاح، وتذلل الصعاب أمام كل محتاج يرغب إلى من يمد إليه اليد الحانية تنتشله من مآزق الحياة.. اللهم اجعلنا دعاة للخير، نمشي في حاجة الناس، ونخدم وطننا الحبيب.
* أمسك بيدي بقوة ومنحني دفئاً مغموراً بالمحبة والسعادة.. وقال لي: "لا بد أن تكون قوياً في مجابهة تحديات وظروف الحياة ومفاجآتها.. وإلا فلن تستطيع أن تعيش بسكينة وسعادة واستقرار، ولن تقوى أن تواصل حياتك بنفس العطاء الذي تتمناه". بالفعل إن أجمل ما يعطى للمرء "سكينة النفس" التي تجعله قوياً في حياته، لا تهزه عراقيل الحياة.. اللهم ارزقنا السكينة والطمأنينة وفرحة لا تغادر قلوبنا، وابتسامة تجمل حياتنا بالخير.
ومضة أمل:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".