يعتقد بعض المسؤولين أن تمويل الحياة الثقافية في البحرين يعتبر ترفاً فكرياً على أقل التقادير، وفي ظل الأزمة المالية يعتبر هؤلاء دعم الثقافة بالمال ضرباً من الجنون والعبث. في المقابل نحن نؤمن أن دعم الثقافة بمعناها الواسع يعني بالنسبة للوطن توفير الحماية الرصينة لشبابنا من الانجراف نحو التيارات الدينية والسياسية المتطرفة والمتزمِّتة، ففي حال اختفت مظاهر الثقافة من "بحريننا" فلن يكون أمام شبابنا من خيار آخر يملؤون به وقت فراغهم سوى الذهاب إلى حيث مناطق التعصب والتطرف والانزلاق في أتون الإرهاب.
إن دعم الثقافة ومشاريعها تعني للوطن الكثير، فهي الضمانة الأولى والحقيقية لحماية تاريخنا وفكرنا وحضارتنا وتراثنا ونهضتنا وشبابنا ومستقبلنا من الضياع والانجراف نحو منحدراتٍ لا تليق بسمعة الوطن. من لا يتقبل أو يقبل دعم الثقافة تحت حجج واهية أو شماعة تافهة كالأزمة المالية وغيرها فهو لا يدرك كيف تدار الأمور الثقافية عندنا. صحيح ربما نصرف الملايين لأجل المشاريع الثقافية وبرامجها لكن في نهاية المطاف ستضمن لنا هذه المشاريع حماية شبابنا من الذهاب جهة التطرف في زمن التطرف الشعوبي والدولي، لأننا لو لم نخصص من ميزانية الدولة لمشاريع الثقافة التي تحمي شبابنا فإننا سنخصص أضعافها لمعالجة تداعياتها عليهم وعلى الوطن ومكتسباته. بجردة حسابية سريعة يمكن أن نصرف من ميزانية الدولة آلاف الدنانير لإحياء حفلات ثقافية تستقطب شبابنا نحوها، لكننا بكل تأكيد سنصرف الملايين لإعادة تأهيل شبابنا لو ضاعوا في زحمة الإرهاب ونسيانهم في أماكن غير آمنة لو لم نوفر لهم بيئة خصبة للالتصاق بالثقافة التي تؤمن بالسلام والحب وتنمية الوعي الإنساني.
يجب أن يتغير وعي المسؤولين بأهمية دعم الثقافة من ميزانية الدولة وليس دائماً وأبداً من توفير رعاة لها من القطاع الخاص، فالمسؤول الأول الذي يجب عليه دعم الثقافة في البحرين هي الدولة وليست المؤسسات الخاصة. ربما يكون دعم المؤسسات الأهلية والشركات الوطنية والمصارف الخاصة والسفارات للبرامج الثقافية أمراً رائعاً وفي غاية الأهمية -ونحن بدورنا نشيد بهذه المسؤولية من طرف الرعاة للمشاريع الثقافية في البحرين- لكن في الأصل، يجب أن يكون الداعم الأول للثقافة وبطريقة سخيّة هي الدولة قبل أي جهة أخرى.
ادعموا الثقافة وهيئة الثقافة، فالأموال هناك لن تُسرق ولن تضيع ولن يؤسف عليها إذا كانت لبناء جيل مستنير وواعٍ يشق طريقه نحو المستقبل بالفكر والعلم والفنون والثقافة والأدب وبكل أدوات المعرفة الأخرى. ففي الدول المتقدمة يصرفون على الثقافة أكثر بكثير مما يصرفونه على بقية برامج الدولة لأنهم يؤمنون أن حماية الثقافة وبرامجها تأتي على سلم أولوياتهم لأهميتها الشديدة جداً لحماية أجيالهم من الضياع والسير نحو العبثية.