وسط كل الحديث في قضية الشهادات «المزورة»، والتفاصيل العديدة التي وردت، تبرز كلمة واحدة هي مثار الجدل، ألا وهي «التزوير».

وفق المصطلح القانوني المبني على التعريف اللغوي، فإن التزوير هو «تحريف متعمد للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يثبتها صكٌّ أو مخطوط يشكل مستنداً بدافع إحداث ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي».

وقياساً على ذلك، كل شيء يتم «تعمد» تحريفه عن حقيقته يعد تزويراً للواقع، وفيه ضرر يقع ولو كان صغيراً، ويتعاظم ليكون ضرراً كبيراً.

الآن لو تحدثنا بواقعية وتفصيل أكثر، إذ حينما نتحدث عن «التزوير»، هل هو مصطلح «جامد» بمعني أنه معني بحالة واحدة بعينها، كحال الوثائق والمستندات والشهادات وغيرها؟! أم أنه يمكن أن ينسحب على أمور أخرى؟!

إجابة السؤال الأخير قد تدخلنا في تشعبات لا تنتهي، لأن «التزوير» اليوم أصبح فناً «ذميماً» يمارس في كثير من جوانب حياتنا، وللأسف بات إقرانه بـ«الفن» كأحد فنون التعاملات، لا بصفته الأصلية، كونه «جريمة» أو سوء سلوك أو تصرف غير سوي.

أحيانا تتعامل مع أشخاص، قد تعجب بهم من التعامل الأول، ولكن حينما يمضي بك الوقت في التعامل معهم، وتقترب منهم أكثر، وتقترب بشكل شديد من تصرفاتهم وأفعالهم ناهيك عن أفكارهم، فإنك تنصدم هنا، لأنك تكتشف بأن هذا الشخص «مزور» أو ما يمكن أن نطلق عليه «شخص مزيف».

هؤلاء الأشخاص، تجد أفعالهم مزورة إذا ما قورنت بتصريحاتهم وأقوالهم ووعودهم، ولعل أقرب الأمثلة التي تطرق الذهن تتمثل ببعض النواب أو ببعض المترشحين للانتخابات، فبعد الوعود الجميلة، وبعد الوصول للهدف، تكتشف بأن الوعود كانت زائفة، أي «مزورة».

هناك حالات أخطر، تلك التي ترتبط مثلاً بقطاعات معينة في الدولة، هي مطالبة بأن تنجز وتحقق كثيراً من الأهداف التي تخدم المجتمع والناس، لكن لأسباب عديدة «تنحرف» بوصلة العملة، ولا تتحقق الأهداف، بل نحصد إخفاقات متتالية، وتكون هناك انتقادات مجتمعية، فيكون «الهروب» من مواجهة المشاكل والاعتراف بالأخطاء متمثلاً بابتكار أمور تحاول أن تبرز جوانب إيجابية تدحض الفشل المثبت، وللأسف بعضها قد لا يكون حقيقيا، قد يبرز إعلامياً ويقدم على أنه إنجاز، لكن الواقع يقول بأن هذا كله سيناريو «مزور» لحالة غير واقعية.

حتى على مستوى الحراك المجتمعي، سواء ما يتعلق بمؤسسات مجتمع مدني تعمل بأساليب تسعى من خلالها للوصول لأهداف خفية، تخفيها ولا تعلنها لأنها غير سوية، وتتعارض مع أسس ثابتة في المجتمع، مثل الوطنية والولاء، وتعلن أمورا أخرى بدلاً عنها، وتضعها في المقدمة باعتبارها الأساس الذي تعمل لأجله وتسعى إليه، مثلما حصل في محاولة الانقلاب، حينما قدمت شعارات ومطالب مجتمعية يتوافق عليها غالبية الناس لأنها تلامس مشاكل وهموم يعانون منها، لكن هذا كان «تزويراً» صريحاً للحقيقية، لأن الحقيقة كانت حينما سقطت الأقنعة، وتبدلت المطالب المعيشية بمساع انقلابية تريد الاستحواذ على الحكم وإسقاط النظام.

حتى على مستوى المنابر الدينية، وسنقول بعضها، إذ من خلال ملاحظات المجتمع، يمكنك أن تكتشف شخصيات تقدم أنفسها بصورة جميلة مطرزة وسط جموع الناس، وتعطيك من فضائل النصائح وغيرها، لكن بالنظر لشخصية بعض هؤلاء الأفراد أو القيادات الدينية، تكتشف حقيقة كثيرين، وأنهم يفعلون ما لا يقولون، ويؤمنون بما لا يعلنون، وكيف أن بعض رجال الدين الذين يدعون الزهد مثلاً، هم في الحقيقة أغنياء وحققوا ثرواتهم بطرق غير مشروعة، بالتالي لدينا مثال لرجل دين «مزور».

الأمثلة كثيرة ويطول المقام هنا، لكن الفيصل في المسألة يتمثل بأن «الحسم» في مثل هذه الأمور، هي ما يجعل «المنطقة الضبابية» تزيد مساحتها، وتصل لوضع يمكنها من خلاله تغليف المجتمع كله، بالتالي يضيع الحد الفاصل بين الحق والباطل، تضيع أنت كفرد حينما تسعى لمعرفة أن تكون الحقيقة وأين يكون «التزوير».

نريد لمجتمعنا وبلادنا التقدم والازدهار دوما، وحتى تظل عجلة التطوير والإصلاح تتقدم للأمام بقوة، لابد من محاربة كل صور «التزوير»، وإبدالها بأعمال وسلوكيات تقدم للناس وفق أعلى صورة من صور «الصدق» و«الشفافية». أقلها لنحافظ على مجتمعنا من خطر «التزوير الشامل» في شتى المجالات.