عندما تزيد نسبة المشكلات في المجتمع، وبالأخص حينما تتكرر نفس المشكلة، فإن الخلاصة بين يديك تتمثل في أن «الحلول» المستخدمة غير ناجحة إطلاقاً.المشكلة تزول بزوال أسبابها، هذا أساس لا يمكن تغييره، بمعنى أنه لا يمكنك حل أي مشكلة مع استمرار أسباب وقوعها، وقياساً على ذلك يمكن أن تكون مسببات المشكلة عوامل مادية باختلاف تصنيفاتها، أو تكون -وهو العرف السائد- تتمثل بوجود أشخاص في مواقع تصنع القرار، هم جزء من المشكلة، سواء كمسببات لها عبر السياسات المتبعة وأساليب العمل، أو لكونهم غير قادرين على حلها، أو قابلين باستمرارها.مشكلتنا في المجتمع العربي أننا حينما نعاني من وقوع أي مشكلة، فإننا نخطئ في أول الخطوات المعنية بأسلوب حل المشكلات، ألا وهي خطوة «الاعتراف بالمشكلة».كثير من المشاكل تتفاقم، وتداعياتها تكبر، وقد تصل لمستوى يؤثر على المجتمع والأفراد، في مقابل ذلك هناك ممن يعنيهم الأمر من جهات مسؤولة ومسؤولين يستمرون في محاولة تفادي المشكلة أو عدم الاعتراف بها، وكأنها لم تقع ولم تحصل، وأنها فقط مبالغات مجتمعية.هنا نبدأ مشواراً عصيباً من المعاناة جراء تفاقم المشكلة، واتساعها وعدم وقفها، تصبح كما القنبلة الانشطارية، شظاياها تنطلق في كل اتجاه، وتصبح عملية احتوائها شبه مستحيلة.المجتمعات المتقدمة تعتبر المشكلات التي تواجهها، مادة للتعلم، وحالات يمكن الاستفادة منها، وحتى الفشل في سياسة ما أو تطبيق استراتيجية معينة. هذه المجتمعات «لا تكابر» في التعامل معها، ولا تصر على الصحة المطلقة للظاهرة لأن الإقرار بالخطأ يعني ضعف المسؤول هذا أو ذاك، أو لأنها تطعن في قدراته وأهليته، بل على العكس تعتبر الفشل أول خطوة من خطوات النجاح.بعد الاعتراف بوجود المشكلة، وبعد الإقرار بالمسؤولية تجاه هذه المشكلة، تأتي الخطوة الأهم والتي تتمثل بعمليات البحث عن الأسباب التي أدت لوقوع هذه المشكلة، وهو ما يوصف بمحاولة معرفة «ماذا كان خاطئاً»، سواء في إجراءات أو عمليات تطبيق أو معالجات.بعد حالة التشخيص هذه، لا بد من بذل جهود للتفكير بشكل مفتوح لوضع حلول يمكن تطبيقها. البعض يقوم بها عبر جلسات واجتماعات بأسلوب «العصف الذهني»، وأن كل فكرة تورد مهما كانت بسيطة فإنها قد تساعد في عمليات التصحيح، وبعدها تؤخذ الحلول كل على حدة، لتخضع لعملية تقييم من ناحية تحديد إيجابياتها وسلبياتها، وإمكانية تحققها، والأهم، هل سيكون هذا الحل سبباً في إنهاء المشكلة بشكل حاسم ونهائي.عملية وضع الحلول هي أصعب المراحل، رغم أنها بشأن بعض المشكلات تكون عملية بسيطة جداً، إذا كان الحل سهل التحديد كونه الإجراء المنطقي المضاد للمشكلة، لكن الصعوبة تكمن في عملية القياس الافتراضي للحل، وهل سيؤدي للنتائج المرجوة.هنا ندخل مرحلة خطيرة جداً، للأسف نراها تحصل في بعض القطاعات، وهي تلك التي تترجمها الجملة الشهيرة بأن «استخدام نفس الحل مرتين، وانتظار نتائج مختلفة، هو نوع من الغباء»، إذ العلاج المجرب مرة ولم ينفع، هذا يتم استبعاده على الفور، وتبدأ عملية البحث عن علاج آخر.خلاصة القول هنا بأن عمليات «حل المشكلات» علم وفن في نفس الوقت، وهي خبرات لا يمتلكها الفرد سواء كان مسؤولاً أو موظفاً عادياً، إلا من خلال التدريب والتمرس، وأيضاً التعلم من التجارب، سواء أكانت تجارب آخرين، أو تجارب ذاتية شابتها حالات فشل.هناك دورات تدريبية عديدة تقدم معنية بـ«حل المشكلات»، لكن خوضها اختياري لمن يريد أن يقترب أكثر من هذا العلم، ويكتسب هذه المهارات. والدولة اليوم في إطار سعيها للتطوير والإصلاح والتصحيح، لا بد وأن تجعل هذه الأساليب بمثابة الأساسات التي يتم تأهيل المسؤولين وفقاً لها، لا بد وأن تكون هناك استراتيجيات لضبط العمل وتطوير القيادات التي تمتلك مسؤولية اتخاذ القرار، بحيث تكون قادرة على مواجهة أي مشكلة، وإدارتها بشكل صحيح بحيث تنجح في القضاء عليها، وتضمن ألا تتكرر مستقبلاً.