الزمان لا يعود، لكن حاضرة المحرق بدأت تعود. وضعت جهداً كبيراً في فهم وقراءة التاريخ الذي تميزت به جزيرة المحرق، وقراءة طيف واسع من الدارسات العربية والأجنبية عن أبعاد حاضرة المحرق والموقع الحضاري منذ بداية قرن أو حتى قبل 1900، والذي قاده شيوخ وأدباء ومفكرو وتربويو ورجالات المحرق الأوائل،... ومازلت أبحث عن إجابة حول هذا الموضوع، وأبحث عن فهم أبعاد موقع المحرق الحضاري منذ التأسيس الأول على يد شيوخ وأدباء ومفكري البحرين، فضلاً عمن جاؤوا من خارجها والذين وطئت أقدامهم جزائر البحرين عامة، لكن وجود ضالتهم بين أزقة وبيوت المحرق. السؤال الذي لايزال يدور في ذهني هو، لماذا المحرق هي التي تصدرت، دون منازع حاضرة خليجنا العربي الأصيل حيث انطلقت منها مشاريع حضارية كبيرة بالرغم من ضيق أزقتها وصغر حجمها الجغرافي.
قبل بداية القرن، 1900، كانت المحرق حاضرة لعلوم الدين والحساب والفلك وعلوم الفرائض والفقه المالكي الأصيل في زمانها، وطريقاً نافذاً بين شيوخ المالكية في الأحساء والبحرين ومصر. حيث منها قدمت وشيدت العوائل المحرقية مدارس أنفقت عليها الغالي والنفيس، من أجل تعليم -وبشكل مجاني- أبناء البحرين عامة الفقه المالكي الذي هو الفقه الأصيل للبحرين.
المحرق، حاضرة مدن الخليج العربي، فهي موطن التعليم الأول الذي فاض وهز ضفاف الخليج بأكمله، فالعجب كل العجب أن يكون بداية التعليم النظامي في الخليج من قلب المحرق بشكل إدارة خيرية لمجانية التعليم قادها رجال من المحرق ومن البحرين، فدفعوا أيضاً الغالي والنفيس من أجل إضاءة الشعلة الأولى للتعليم بشكل مشروع حضاري مكتمل الأركان، وبشخوص عربية أصلية، فكانت المحرق مغناطيساً وجذباً لعدد ممن حافظ على هوية الفكر العربي، إذ إن حركة التعليم التي انطلقت من المحرق، لم تكن عفوية الأهداف والرؤى، فالتعليم في المحرق سبق المدرسة المباركة في الكويت لنظاميته ومجانيته ونظام الإدارة الرصين الذي وضع أسسه الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، حينها بمباركة ملكها الفطن حينها الشيخ عيسى بن علي آل خليفة.
المحرق موقع الفكر والأدب والعلوم، بل وموطن رجال جاؤوا وعاشوا على جزائر اللؤلؤ، إذ لم تكن المحرق جزيرة معزولة على الخريطة العريضة العربية الحضارية، بل كانت موقع تلاقٍ وتناقح وربط لمفكرين وأدباء عاشوا ومشوا بين أزقتها وطرقاتها الضيقة واستأنسوا بطبيعة هذه الجزيرة. زارها المؤرخ الرحال أمين الريحاني، فأعجب بشعرائها في النادي الأدبي، جاءها خالد الرشيد ومحمد الفرج الدوسري من الكويت، فقدموا عصارة كتاباتهم، جاءها حافظ وهبة والشيخ العتيقي وإشرافه على الهداية، وعبدالله صدقة دحلان وعمر الحوراني والكواكبي وكبار الكتاب والزعماء مثل الثعالبي والفرات، والعلامة النبهاني، وحتى غير العرب من الذين أنشؤوا كليات تعليم خلال الأربعينات،... المحرق كرمت أمير الشعراء لإمارة الشعر، من بين أربع دول فقط، فذهب أدباؤها لإلقاء أجمل القصائد أمام أمير الشعراء أحمد شوقي،... المحرق احتضنت عدداً من النوادي والصالونات الثقافية العلمية، دون حصر، منها بيت الأديب الشيخ إبراهيم بن محمد في قلب المحرق، والنادي الأدبي الأول والثاني ونادي البحرين الثقافي، ونادي البحرين الأول هو الذي ضم خيرة رجالات المحرق والبحرين الأوائل، في ظاهرة تمحور نادرة. من المحرق، منها انطلقت فكرة الطباعة الأولى في الخليج عبر عبدالله الزايد من المحرق وبيت عبدالله الزايد خير شاهد، إذ إن الطباعة كانت تنفذ في البحرين، بالرغم من أن عبدالعزيز الرشيد طبع أول مجلة -وهي مجلة الكويت- في الكويت عام 1928، فسبقت طباعة عبدالله الزايد لجريدة البحرين، لكن كان عبدالعزيز الرشيد يطبع مجلة الكويت من خارج الكويت، لكن عبدالله الزايد طبع صحيفة البحرين في داخل البحرين، وهي أول ظاهرة على مستوى الخليج العربي.
المحرق احتضنت قلعة حالة بوماهر، فهي سر عجيب في التشييد وفق دراسات أجنبية، ورصانة البنية وحاضرة في حالة فريدة على شط المحرق. المحرق أيضاً احتضنت مشاريع عمرانية حين عز تشييد المشاريع الكبرى حينها، جسر الشيخ حمد وهو الجسر المعماري الأعجوبة المتحرك، والذي هو تحفة هندسية في زمانه، وشاهد على تطور وإصرار رجال المحرق في جلب مواد بناء الجسر والحصى البحري من مواقع بحرية بعيدة، ورصها بطريقة هندسية عجيبة. المحرق أيضاً احتضنت المهبط الجوي الأول، إذ بعد أن غاصت عجلات هنديبيج الطائرة العابرة في مسرى ماء في المنامة، وبعد أن تعذر هبوط الطائرات في مواقع أخرى في البحرين، فكانت المحرق موقعاً استراتيجياً بين الغرب والشرق... والذي لايزال حاضراً حتى هذا اليوم. كم من كتابات تشير إلى مساهمة رجال المحرق في تشييد المهبط الجوي في المحرق.
المحرق موطن لتلاقي أهل المحرق بالبحر، فهي علاقة أزلية لا تنتهي منذ عصور، منها خرجت سفن و«جوالبيت» الصيد والبحث عن اللؤلؤ البحريني الأصيل من «هيرات» الخليج البعيدة، فلا عجب أن تسجل المحرق العدد الأكبر من سفن التجارة وسفن الغواصة واستخراج اللؤلؤ المكنون من البحار العميقة والتجارة.
المحرق تفيض بالبيوت التراثية القديمة الشامخة، التي كانت بعضها بيوت حكام وشيوخ البحرين بشكل معماري جميل، فلا تمر على طريق في المحرق إلا وله حكاية وقصة، لا تمل وأنت تستمع لها، فقد كانت طريقاً ومأوى لمفكرين كبار جاؤوا إلى المحرق لمشاركة البحرين في عدد من اللقاءات الفكرية.
خيراً فعلت الجهات الرسمية في البحرين في وضع الخطط والرؤى لإعادة الحياة لمشروع المحرق الحضاري، إعادة حاضرة المحرق... قبل فرار الزمن وذهاب عقارب الساعة، فقد جاءت فترات من الزمن كاد -بكل أسف- أن يذوب مشروع المحرق الحضاري الكبير في طرق النسيان. الآن تتم إعادة إبراز حضارة المحرق بشكلها الحقيقي، وإعطاء الموقع الحضاري في المحرق بحجمه الحقيقي.
قبل بداية القرن، 1900، كانت المحرق حاضرة لعلوم الدين والحساب والفلك وعلوم الفرائض والفقه المالكي الأصيل في زمانها، وطريقاً نافذاً بين شيوخ المالكية في الأحساء والبحرين ومصر. حيث منها قدمت وشيدت العوائل المحرقية مدارس أنفقت عليها الغالي والنفيس، من أجل تعليم -وبشكل مجاني- أبناء البحرين عامة الفقه المالكي الذي هو الفقه الأصيل للبحرين.
المحرق، حاضرة مدن الخليج العربي، فهي موطن التعليم الأول الذي فاض وهز ضفاف الخليج بأكمله، فالعجب كل العجب أن يكون بداية التعليم النظامي في الخليج من قلب المحرق بشكل إدارة خيرية لمجانية التعليم قادها رجال من المحرق ومن البحرين، فدفعوا أيضاً الغالي والنفيس من أجل إضاءة الشعلة الأولى للتعليم بشكل مشروع حضاري مكتمل الأركان، وبشخوص عربية أصلية، فكانت المحرق مغناطيساً وجذباً لعدد ممن حافظ على هوية الفكر العربي، إذ إن حركة التعليم التي انطلقت من المحرق، لم تكن عفوية الأهداف والرؤى، فالتعليم في المحرق سبق المدرسة المباركة في الكويت لنظاميته ومجانيته ونظام الإدارة الرصين الذي وضع أسسه الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، حينها بمباركة ملكها الفطن حينها الشيخ عيسى بن علي آل خليفة.
المحرق موقع الفكر والأدب والعلوم، بل وموطن رجال جاؤوا وعاشوا على جزائر اللؤلؤ، إذ لم تكن المحرق جزيرة معزولة على الخريطة العريضة العربية الحضارية، بل كانت موقع تلاقٍ وتناقح وربط لمفكرين وأدباء عاشوا ومشوا بين أزقتها وطرقاتها الضيقة واستأنسوا بطبيعة هذه الجزيرة. زارها المؤرخ الرحال أمين الريحاني، فأعجب بشعرائها في النادي الأدبي، جاءها خالد الرشيد ومحمد الفرج الدوسري من الكويت، فقدموا عصارة كتاباتهم، جاءها حافظ وهبة والشيخ العتيقي وإشرافه على الهداية، وعبدالله صدقة دحلان وعمر الحوراني والكواكبي وكبار الكتاب والزعماء مثل الثعالبي والفرات، والعلامة النبهاني، وحتى غير العرب من الذين أنشؤوا كليات تعليم خلال الأربعينات،... المحرق كرمت أمير الشعراء لإمارة الشعر، من بين أربع دول فقط، فذهب أدباؤها لإلقاء أجمل القصائد أمام أمير الشعراء أحمد شوقي،... المحرق احتضنت عدداً من النوادي والصالونات الثقافية العلمية، دون حصر، منها بيت الأديب الشيخ إبراهيم بن محمد في قلب المحرق، والنادي الأدبي الأول والثاني ونادي البحرين الثقافي، ونادي البحرين الأول هو الذي ضم خيرة رجالات المحرق والبحرين الأوائل، في ظاهرة تمحور نادرة. من المحرق، منها انطلقت فكرة الطباعة الأولى في الخليج عبر عبدالله الزايد من المحرق وبيت عبدالله الزايد خير شاهد، إذ إن الطباعة كانت تنفذ في البحرين، بالرغم من أن عبدالعزيز الرشيد طبع أول مجلة -وهي مجلة الكويت- في الكويت عام 1928، فسبقت طباعة عبدالله الزايد لجريدة البحرين، لكن كان عبدالعزيز الرشيد يطبع مجلة الكويت من خارج الكويت، لكن عبدالله الزايد طبع صحيفة البحرين في داخل البحرين، وهي أول ظاهرة على مستوى الخليج العربي.
المحرق احتضنت قلعة حالة بوماهر، فهي سر عجيب في التشييد وفق دراسات أجنبية، ورصانة البنية وحاضرة في حالة فريدة على شط المحرق. المحرق أيضاً احتضنت مشاريع عمرانية حين عز تشييد المشاريع الكبرى حينها، جسر الشيخ حمد وهو الجسر المعماري الأعجوبة المتحرك، والذي هو تحفة هندسية في زمانه، وشاهد على تطور وإصرار رجال المحرق في جلب مواد بناء الجسر والحصى البحري من مواقع بحرية بعيدة، ورصها بطريقة هندسية عجيبة. المحرق أيضاً احتضنت المهبط الجوي الأول، إذ بعد أن غاصت عجلات هنديبيج الطائرة العابرة في مسرى ماء في المنامة، وبعد أن تعذر هبوط الطائرات في مواقع أخرى في البحرين، فكانت المحرق موقعاً استراتيجياً بين الغرب والشرق... والذي لايزال حاضراً حتى هذا اليوم. كم من كتابات تشير إلى مساهمة رجال المحرق في تشييد المهبط الجوي في المحرق.
المحرق موطن لتلاقي أهل المحرق بالبحر، فهي علاقة أزلية لا تنتهي منذ عصور، منها خرجت سفن و«جوالبيت» الصيد والبحث عن اللؤلؤ البحريني الأصيل من «هيرات» الخليج البعيدة، فلا عجب أن تسجل المحرق العدد الأكبر من سفن التجارة وسفن الغواصة واستخراج اللؤلؤ المكنون من البحار العميقة والتجارة.
المحرق تفيض بالبيوت التراثية القديمة الشامخة، التي كانت بعضها بيوت حكام وشيوخ البحرين بشكل معماري جميل، فلا تمر على طريق في المحرق إلا وله حكاية وقصة، لا تمل وأنت تستمع لها، فقد كانت طريقاً ومأوى لمفكرين كبار جاؤوا إلى المحرق لمشاركة البحرين في عدد من اللقاءات الفكرية.
خيراً فعلت الجهات الرسمية في البحرين في وضع الخطط والرؤى لإعادة الحياة لمشروع المحرق الحضاري، إعادة حاضرة المحرق... قبل فرار الزمن وذهاب عقارب الساعة، فقد جاءت فترات من الزمن كاد -بكل أسف- أن يذوب مشروع المحرق الحضاري الكبير في طرق النسيان. الآن تتم إعادة إبراز حضارة المحرق بشكلها الحقيقي، وإعطاء الموقع الحضاري في المحرق بحجمه الحقيقي.