ها قد فتحت المدارس أبوابها لتستقبل عاماً دراسياً جديداً، إنه العام الدراسي 2018 - 2019، قد يرى البعض إنه لا يتميز عن باقي الأعوام الدراسية، ففي كل الأعوام الدراسية تعلن فيها الأسر الطوارئ منذ الليلة الأولى من بدء الدراسة، في مشهد متكرر تجده في كل أسرة، فالأبوان يلحون على الأبناء للنوم المبكر والأبناء يقاومون فهم يريدون إكمال مشاهدة برامج «اليوتيوب»، أو الاستمرار في اللعب بالألعاب الإلكترونية، ونجد الآباء يجتهدون لتلبية طلبات الأبناء فيحرصون على شراء الملابس المدرسية والقرطاسية، والحقائب من أرقى المحلات التجارية، ومن أفضل الماركات العالمية، نزولاً عند رغبة أبنائهم، ففي أول يوم دراسي يبدأ سباق بين الطلبة لاقتناء أفضل الماركات وأغرب أنواع القرطاسية، والأزياء المدرسية. وعلى الرغم من تذمر الآباء من هذا الوضع، وعلى الرغم من أن هذا السباق يرهق ميزانية الأسرة إلا أن الآباء لا يجرؤون على عدم المشاركة فيه أو مقاومته خوفاً على تأثر نفسية أبنائهم فكل أسرة تخشى أن يشعر أبناؤها أنهم أقل من زملائهم، وبالتالي يؤثر على أدائهم الدراسي. عجبي!!! إلى هذا الحد وصل حرص الآباء على دفع أبنائهم للانخراط في التعليم ومواصلة تعليمهم!!!!
قد يكون هذا المشهد متكرراً في بداية كل عام، إلا أن هذا العام عام دراسي مختلف عن باقي الأعوام، ففي هذا العام يكون قد مر قرن من الزمان على بدء التعليم النظامي في البحرين، قرن من الزمان وأبناء البحرين يلتحقون بالمدارس وينتظمون في الدراسة. مائة عام انقضت حملت في ملامحها وطياتها هذا الحدث التنويري الذي أضاء الشعلة الأولى نحو انتشار التعليم والتنوير بمنطقة الخليج العربي إذ تحتفل البحرين بمرور مائة عام على إطلاق أول مدرسة نظامية بها، تحتفل بمئوية التعليم النظامي في البحرين، والذي انطلق في عام 1919 بإنشاء مدرسة الهداية الخليفية، إيذاناً بدخول مرحلة التحديث والتنوير، ولقد كان هذا المسار الذي قطعته البحرين منذ القرن الماضي مساراً حافلاً حيث تخرج العشرات من الأجيال، حتى أصبح الالتحاق بالتعليم جزءاً لا يتجزأ من حياة المواطن والمقيم البحريني.
ولكن دعونا نقف وقفة تقييمية بهذه المناسبة، نعقد مقارنة بين إيمان وقناعة الطلبة في بدايات التعليم وإيمان وقناعة طلبة اليوم بأهمية التعليم. بالأمس لم يكن الأهالي يدفعون بأبنائهم للالتحاق بالتعليم، وخاصة الفتيات بل كانوا يدفعون بهم للمشاركة في العمل والإنتاج وزيادة دخل الأسرة، أما الفتيات فلا مناص من الزواج المبكر، ولا مفر من القيام بأدوار رئيسية في الأعمال المنزلية، ولا يعني التحاق الأبناء بالدراسة أن يجردهم الأهل من المسؤوليات الأسرية والاجتماعية فعليهم الجمع بين الدراسة وتلك المسؤوليات، ورغم هذه المسؤوليات كان الكثير من الأبناء يطمحون لمواصلة الدراسة، ويطلبون العلم حباً وشغفاً وإيماناً به، وكم كانوا يتحدون الصعاب فتراهم يجتهدون للتوفيق بين الدراسة والمسؤوليات التي تلقيها الأسرة على عاتقهم، لا سيما البنات منهم فالأعمال المنزلية كثيرة وشاقة، فتعلموا إدارة الوقت واستثمار كل دقيقة ليجدوا فرصة للمذاكرة، وكم سهروا الليالي للمذاكرة على ضوء شمعة أو ضوء مصباح كيروسين «الفنر»، وكم ذهبوا للمدارس مشياً على الأقدام لا يكترثون بأشعة الشمس الحارقة أو بطريق غير مرصوف فيتعثرون بالحصى والحجارة، فكلهم إصرار على مواصلة درب التعلم واكتساب المعارف فاتسعت آفاقهم ومداركهم وقدموا لوطنهم الكثير بعلمهم واجتهادهم. كبر أبناء ذاك الجيل وسط هذا التحدي فأصبحوا آباء، فآلوا على أنفسهم أن يسهلوا درب طلب العلم لأبنائهم وأن يذللوا لهم التحديات، فلا يجعلوا أبناءهم يعانون كما عانوا هم من قبل، ففرغوهم لطلب العلم وجردوهم من أيه مسؤوليات، وهيأوا لهم الجو الأسري المناسب للمذاكرة، ووفروا لهم وسائل المواصلات المرفهة، وحرصوا على توفير أفخر أنواع القرطاسية، كل هذا الجهد الذي يبذله الآباء رغبة منهم أن يحقق أبناءهم المزيد من الإنجاز والمزيد من العطاء. فماذا كان موقف الأبناء؟!!!
بدأ الأبناء يشعرون أن التعليم مفروض عليهم، فلا يستمتعون بطلبه، ولا يشعرون بأهميته، فيتذمرون ويتهربون منه ويتسربون من صفوف الدراسة ويؤدون واجباتهم الدراسية بلا إتقان ولا إبداع، حتى باتوا يعشقون الإجازات وما بها من لهو ومتعة، ويتذمرون من العودة للمدارس، فلا يشعرون بالشوق لمقعد الدراسة ولا لمعلميهم وصحبتهم ولم تعد أجواء المدرسة تستهويهم بالرغم من جهود القائمين على وزارة التربية والقائمين على المدارس لتحسين البيئة المدرسية وتوفير الوسائل التعليمية المشوقة، وتأمل معي وسائل التواصل الاجتماعي ليلة العودة للمدارس لتراها تعج برسائل ساخرة متذمرة من العودة لمقعد الدراسة، فطلب العلم أصبح أمراً مفروضاً ملزماً على الطلبة فخلت قلوبهم من حب العلم، فمالدراسة بالنسبة لهم إلا وسيلة للحصول على شهادة التي بها تتوفر الوظيفة ويتوفرمصدر الرزق، ونسي أبناء هذا الجيل المعادلة المهمة للتعليم وهي أن العلم يرتقي بالإنسان، يرتقي بفكره وبشخصيته فشتان بين المتعلم والجاهل. ولعمري أن أبناء هذا الجيل لا يؤمنون كآبائهم أن العلم يرفع بيتاً لا عماد له وأن الجهل يهدم بيت العز والشرف.
ولعلي في مناسبة ذكرى مرور قرن من الزمان على بدء التعليم النظامي في بلادنا الحبيبة، أهدي الآباء رسائل تستحق التأمل فأقول:
لا ترغموا أبناءكم على التعليم بل أقنعوهم به، وليشعروا أن الذهاب للمدرسة هو قرارهم.
لا تجعلوهم يظنون أن التعليم وسيلة لكسب الرزق فقط، بل هو وسيلة لبناء الإنسان ولإنقاذه من شقاء الجهل فدعوهم يدركوا خطورة الجهل ليعرفوا فضل العلم فلا يعرف قيمة الشي إلا بضده.وذكروهم أن طلب العلم عبادة يؤجرون عليه.
لا ترغموا أبناءكم على الدراسة الأكاديمية، فكثيراً من الأبناء لهم ميول مهنية حرفية يبدعون فيها، فلا تجعلوهم يجلسون على مقعد الدراسة كسجين يعد الدقائق والثواني ليتخلص من قيد السجان.
ورسالة أخيرة أقولها للآباء: إن فاقد الشيء لا يعطيه، فاستمتعوا أنتم بالتعلم واطلبوه إلى اللحد كي تغرسوا في نفوس أبنائكم الإيمان بأهمية التعلم.
وأخيراً ندعو الله أن يوفق الجميع في مواصلة السير في طريق التعليم في هذا القرن الجديد لنكمل بسواعدنا بناء صرح شامخ شيده الآباء والأجداد.
وكل عام دراسي وبحريننا بخير.
قد يكون هذا المشهد متكرراً في بداية كل عام، إلا أن هذا العام عام دراسي مختلف عن باقي الأعوام، ففي هذا العام يكون قد مر قرن من الزمان على بدء التعليم النظامي في البحرين، قرن من الزمان وأبناء البحرين يلتحقون بالمدارس وينتظمون في الدراسة. مائة عام انقضت حملت في ملامحها وطياتها هذا الحدث التنويري الذي أضاء الشعلة الأولى نحو انتشار التعليم والتنوير بمنطقة الخليج العربي إذ تحتفل البحرين بمرور مائة عام على إطلاق أول مدرسة نظامية بها، تحتفل بمئوية التعليم النظامي في البحرين، والذي انطلق في عام 1919 بإنشاء مدرسة الهداية الخليفية، إيذاناً بدخول مرحلة التحديث والتنوير، ولقد كان هذا المسار الذي قطعته البحرين منذ القرن الماضي مساراً حافلاً حيث تخرج العشرات من الأجيال، حتى أصبح الالتحاق بالتعليم جزءاً لا يتجزأ من حياة المواطن والمقيم البحريني.
ولكن دعونا نقف وقفة تقييمية بهذه المناسبة، نعقد مقارنة بين إيمان وقناعة الطلبة في بدايات التعليم وإيمان وقناعة طلبة اليوم بأهمية التعليم. بالأمس لم يكن الأهالي يدفعون بأبنائهم للالتحاق بالتعليم، وخاصة الفتيات بل كانوا يدفعون بهم للمشاركة في العمل والإنتاج وزيادة دخل الأسرة، أما الفتيات فلا مناص من الزواج المبكر، ولا مفر من القيام بأدوار رئيسية في الأعمال المنزلية، ولا يعني التحاق الأبناء بالدراسة أن يجردهم الأهل من المسؤوليات الأسرية والاجتماعية فعليهم الجمع بين الدراسة وتلك المسؤوليات، ورغم هذه المسؤوليات كان الكثير من الأبناء يطمحون لمواصلة الدراسة، ويطلبون العلم حباً وشغفاً وإيماناً به، وكم كانوا يتحدون الصعاب فتراهم يجتهدون للتوفيق بين الدراسة والمسؤوليات التي تلقيها الأسرة على عاتقهم، لا سيما البنات منهم فالأعمال المنزلية كثيرة وشاقة، فتعلموا إدارة الوقت واستثمار كل دقيقة ليجدوا فرصة للمذاكرة، وكم سهروا الليالي للمذاكرة على ضوء شمعة أو ضوء مصباح كيروسين «الفنر»، وكم ذهبوا للمدارس مشياً على الأقدام لا يكترثون بأشعة الشمس الحارقة أو بطريق غير مرصوف فيتعثرون بالحصى والحجارة، فكلهم إصرار على مواصلة درب التعلم واكتساب المعارف فاتسعت آفاقهم ومداركهم وقدموا لوطنهم الكثير بعلمهم واجتهادهم. كبر أبناء ذاك الجيل وسط هذا التحدي فأصبحوا آباء، فآلوا على أنفسهم أن يسهلوا درب طلب العلم لأبنائهم وأن يذللوا لهم التحديات، فلا يجعلوا أبناءهم يعانون كما عانوا هم من قبل، ففرغوهم لطلب العلم وجردوهم من أيه مسؤوليات، وهيأوا لهم الجو الأسري المناسب للمذاكرة، ووفروا لهم وسائل المواصلات المرفهة، وحرصوا على توفير أفخر أنواع القرطاسية، كل هذا الجهد الذي يبذله الآباء رغبة منهم أن يحقق أبناءهم المزيد من الإنجاز والمزيد من العطاء. فماذا كان موقف الأبناء؟!!!
بدأ الأبناء يشعرون أن التعليم مفروض عليهم، فلا يستمتعون بطلبه، ولا يشعرون بأهميته، فيتذمرون ويتهربون منه ويتسربون من صفوف الدراسة ويؤدون واجباتهم الدراسية بلا إتقان ولا إبداع، حتى باتوا يعشقون الإجازات وما بها من لهو ومتعة، ويتذمرون من العودة للمدارس، فلا يشعرون بالشوق لمقعد الدراسة ولا لمعلميهم وصحبتهم ولم تعد أجواء المدرسة تستهويهم بالرغم من جهود القائمين على وزارة التربية والقائمين على المدارس لتحسين البيئة المدرسية وتوفير الوسائل التعليمية المشوقة، وتأمل معي وسائل التواصل الاجتماعي ليلة العودة للمدارس لتراها تعج برسائل ساخرة متذمرة من العودة لمقعد الدراسة، فطلب العلم أصبح أمراً مفروضاً ملزماً على الطلبة فخلت قلوبهم من حب العلم، فمالدراسة بالنسبة لهم إلا وسيلة للحصول على شهادة التي بها تتوفر الوظيفة ويتوفرمصدر الرزق، ونسي أبناء هذا الجيل المعادلة المهمة للتعليم وهي أن العلم يرتقي بالإنسان، يرتقي بفكره وبشخصيته فشتان بين المتعلم والجاهل. ولعمري أن أبناء هذا الجيل لا يؤمنون كآبائهم أن العلم يرفع بيتاً لا عماد له وأن الجهل يهدم بيت العز والشرف.
ولعلي في مناسبة ذكرى مرور قرن من الزمان على بدء التعليم النظامي في بلادنا الحبيبة، أهدي الآباء رسائل تستحق التأمل فأقول:
لا ترغموا أبناءكم على التعليم بل أقنعوهم به، وليشعروا أن الذهاب للمدرسة هو قرارهم.
لا تجعلوهم يظنون أن التعليم وسيلة لكسب الرزق فقط، بل هو وسيلة لبناء الإنسان ولإنقاذه من شقاء الجهل فدعوهم يدركوا خطورة الجهل ليعرفوا فضل العلم فلا يعرف قيمة الشي إلا بضده.وذكروهم أن طلب العلم عبادة يؤجرون عليه.
لا ترغموا أبناءكم على الدراسة الأكاديمية، فكثيراً من الأبناء لهم ميول مهنية حرفية يبدعون فيها، فلا تجعلوهم يجلسون على مقعد الدراسة كسجين يعد الدقائق والثواني ليتخلص من قيد السجان.
ورسالة أخيرة أقولها للآباء: إن فاقد الشيء لا يعطيه، فاستمتعوا أنتم بالتعلم واطلبوه إلى اللحد كي تغرسوا في نفوس أبنائكم الإيمان بأهمية التعلم.
وأخيراً ندعو الله أن يوفق الجميع في مواصلة السير في طريق التعليم في هذا القرن الجديد لنكمل بسواعدنا بناء صرح شامخ شيده الآباء والأجداد.
وكل عام دراسي وبحريننا بخير.