مازال كثير من الناس يعبرون عن استيائهم بشأن أداء مجلس النواب، ليس في الفصل التشريعي الأخير فقط، بل في مجمل الفصول السابقة، ورغم ذلك، نجد اليوم تهافتاً كبيراً على إعلان الترشح لخوض الانتخابات النيابية والبلدية، ولربما نصل لكسر رقم قياسي بالنسبة لعدد المترشحين!

كمعادلة، فيها تناقض صارخ، لكن كواقع، يتضح بشكل أكيد، بأن وجود البرلمان في بلد ديمقراطي مثل البحرين أمر من المسلمات، ولا يمكن التنازل عنه، لأنه ببساطة شديدة يعتبر «إنجازاً» من إنجازات المشروع الإصلاحي، ويبقى «الفيصل» هو كيفية إدارة هذه الإنجازات بالطريقة الصحيحة والمثلى لتحقيق الأهداف المرجوة.

عموماً، هناك من يطرح قناعة تتمثل بأن التجربة البرلمانية وصلت لمستوى متقدم من «النضوج» في أوساط الناخبين، وأننا اليوم نقف على ضفة تختلف تماماً عما كنا نقف عليه في عام 2002.

الشاهد على هذا النضوج، بأن تفاعل المجتمع، وردود فعله، وانتقاداته العديدة، تكشف بأن عمليات «تسويق» الشعارات والوعود غير الواقعية، لم تعد تجدي نفعاً، فإن كانت المهمة سهلة جداً لكثيرين في انتخابات 2002، فإنها اليوم تعتبر أكثر صعوبة وتعقيداً عن ذي قبل، إذ بعض النواب باتوا مثل «الحاوي» الذي انتهت أسحاره وحيله لـ«إيهام» الناخبين بـ«ألاعيبه» و«خفة يده» أو بالأحرى «عذوبة لسانه».

اليوم الناخب يراقب كل صغيرة وكبيرة تصدر عن النواب السابقين أو المترشحين الجدد، يمحصها، ويدقق فيها، ولا يمكن أن يتغاضى عن دقائق الأمور، بالتالي وجدت ردات فعل قوية على كثير من التصريحات، واليوم الناس تسل «سيوف النقد» على نواب سابقين «فجأة» استيقظوا من السبات، ليتحدثوا في هموم وشؤون مجتمعية، كانوا قادرين على حلها حين كانوا في المجلس، لكنهم لم يفعلوا.

ندرك تماماً في جانب آخر، بأن الحديث عن الانتخابات والدعوة للمشاركة فيها باعتبارها مسؤولية وطنية، شعارات ستكثر في الفترة القادمة، ومعها سنجد ردات فعل مختلفة من الناس، منهم من سيتعامل بسلبية لها مبرراتها وعلى رأسها الإحباط، ومنهم من سيقول بأن التجربة تحتاج لثقة أكبر بها، وأن الكيان والمنظومة «البرلمان» لا يجب أن يظلم بأداء غير مرضٍ من الأدوات «النواب»، وهنا من يرى بأننا وصلنا لمرحلة فيها نضج نسبي تجعلنا نحسن من اختياراتنا.

هذا الجدل والصراع مع الذات والقناعات يعيشها الناخب اليوم، لكن في جانب آخر، من يترشحون للبرلمان وهم كثر، بعض منهم، إن لم يكن عدد كبير قد يكون هدفه الأسمى المنصب و«البرستيج» وتحسين وضعه والمزايا والمكاسب، هؤلاء المترشحون هم من يملكون صلاحية تغيير الصورة النمطية للمؤسسة التشريعية إن وصلوا وتحولوا لنواب ومشرعين وممثلين للناس.

حتى لو وصلنا لمرحلة «نضج»، فإنك ستجد من بين أعداد النواب من همه الأول نفسه وليس الوطن وليس الناس، ستجد في المقابل من همه إرضاء ربه وضميره ويعمل لأجل المصلحة العامة. لن تجد عدداً مكتملاً لمن نسميهم «المتمصلحين» لذواتهم، ولن تجد عدداً مكتملاً لمن نسميهم «المخلصين» أجل الهدف الذي وجد لأجله البرلمان.

هناك مسؤولية ثنائية، على الناخب الذي عليه ألا يقبل ببيع صوته لمن لا يستحق من «المتمصلحين»، عليه أن يختار الأفضل بناء على سيرته وتاريخه ووطنيته، وعلى المترشح نفسه إن وصل وأصبح نائباً، بألا «يتغير» وألا يؤثر فيه المنصب، وأن يكون عمله لأجل الوطن والمواطن أولاً قبل أن يكون عملاً يعود عليه بالنفع.

هل «نضجت» تجربتنا فعلاً؟! لا يمكن الإجابة فعلياً، فالتجربة الديمقراطية في بريطانيا مثلاً، أخذت أكثر من 500 عام لتصل للشكل الذي نراه عليها اليوم.