أمر بسيارتي يوم أمس في أحد المحافظات، فأجد بعض لوحات المترشحين للمجلس النيابي وقد سقطت على الأرض، بفعل الرياح القوية أو الأمطار. وهنا قلت إن «عوامل الطبيعة» أسقطت بعض الإعلانات بشعاراتها ووعودها، ويأتي الدور الآن على «العوامل البشرية» أي الناس، وهم شريحة الناخبين حتى يتعاملوا مع عدد ضخم من الشعارات والمترشحين، فإما يسقطون مرشحين أو ينجون آخرين.

الآن بدأنا موسم شعارات عديدة، ستجدونها تتزايد ولا تتوقف. ستجدون وعوداً بتحويل البحرين لجنة الله على الأرض، ووعوداً بإحداث انقلاب جذري في حياتكم كمواطنين. ستجدون وعوداً معنية بمحاربة الفساد، ولهجتها يفترض أن تجعل كل مفسد ترتعد فرائصه، وإلى آخر هذا الكم الجارف من الشعارات والوعود.

ليس في الشوارع فقط، بل ستجدون المترشحين وصورهم وشعاراتهم في كل مكان، ستجدون إعلاناتهم في صفحات الجرائد. ستجدونهم في هواتفكم النقالة، عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي. ستجدون إعلانات تصلكم رغماً عن كل محاولات الصد. سيصلون لكم يعني سيصلون. ستجدونهم في المساجد، وما أكثر المصلين هذه الأيام، وستجدونهم في المجالس، وفي كل مكان.

المترشحون بدؤوا موسم الشعارات والوعود، وأنت أيها الناخب عليك أن تبدأ موسم «تصفية» هذه الشعارات والوعود، والفرصة بيدك اليوم لتمنح كل مترشح «وقتاً صعباً»، لأنه يريد منك «صوتك الغالي عليه»، وأنت يفترض ألا تمنح صوتك إلا لمن يستحق. بالتالي عليك أن تكتشف بنفسك من يستحق؟!

عملية الحصول على أصوات الناخبين اليوم، تبدو أصعبَ بكثير من السابق، إذ كلما تمضي التجربة الديمقراطية قدماً تنضج، وـ يفترض ـ أن يتعلم الناس من أخطائهم، ويتعلموا ممن «ينضربون به» من مترشحين وعدوهم بوعود وردية ثم نسوهم، بالتالي يفترض منطقياً أن عملية منح الصوت أصعب من ذي قبل.

المترشح اليوم محتاج لصوتي، بالتالي جعله يحس بأن صوتي من السهل الحصول عليه مسألة ليست ذكية، وليست صائبة، بل من يستحق صوتك، هو من يستحق أن تمنحه ثقتك، وهذا يأتي من خلال مناقشته بشكل تفصيلي في برنامجي الانتخابي، في شعاراته التي يرفعها، في وعوده التي يقدمها، في أخباره التي ينشرها بشكل يومي، عبر الصحافة أو أية وسيلة نشر.

حينما يقدم لكل المترشح شعارات، عليك أن تسأله مباشرة عن «الآلية» التي سيتبعها لتحقيق هذا الشعار، وذاك الشعار، والشعار الذي يليه، لأن مربط الفرس ليس بعدد وحجم الشعارات التي يقدمها، بل بواقعية هذه الشعارات وهل يمكن له تحقيقها، وهل يمكنه الدفاع عنها لآخر رمق؟!

حتى الوعود التي تقدم، بصيغة سنفعل وسنقوم وسنقدم وسنعمل، إذ حرف «السين» الافتراضي هذا، بالبناء على ما يأتي بعده، هو حرف فيه «مشكلة كبرى»، لأن المعني بالقول عليه أن يجيبك يا ناخب وبالتفصيل الممل على السؤال الحاسم: كيف ستحقق هذه الوعود؟! وبعدها على السؤال الأخطر: ماذا وإن لم تحققها؟!

على صعيد الأخبار اليومية التي تنشر أيضاً، هذه التصريحات لا بد للناخب الذكي أن يجمعها عن المترشحين في منطقته، لا بد وأن يرصدها، وأن يناقشها مع المترشح ويواجهه بها، ويعرف هل هي «تصريحات استهلاكية» نشرها لسد مساحة خبرية، الهدف منها الترويج الإعلاني، أم أنه مؤمن بها وسيعمل على تحقيقها، وهنا نعود للنقطة السابقة: كيف ستحققها؟!

البعض قد يقول إننا «نصعب» العملية بشكل جنوني فيه ضرب من الاستحالة، لكنني أقول بأن عملية الترشح للمجلس النيابي بالأخص، هي أصعب اختبار ممكن أن يواجهه المترشح، لأن نتيجته الوصول لتمثيل الناس، والتحدث باسمهم، بالتالي بالفعل هو الاختبار الأصعب، لأنه مرتبط بمصير الناس، ومتعلق بتطلعاتهم وآمالهم. وعليه فإن من يريد الدخول للبرلمان يجب أن يكون شخصاً مؤهلاً وقادراً على تمثيل الناس.

هذا «التصعيب» واجب على الناخبين، لأن التجارب السابقة بينت لنا، كيف أن التساهل مع شعارات ووعود وأخبار وتصريحات المترشحين، كانت نتائجها مؤلمة، حينما أفرزت عدداً من النواب نسوا الناس، وركزوا على ذواتهم، بالتالي كانوا سبباً في ضعف أداء البرلمان، وبالتالي تضييع ثقة الناس بهذه المؤسسة التشريعية المهمة.

كن قاسياً يا ناخب، فليس كل مترشح يستحق أن يمثلك!