لو يصل للإعلام الغربي، وخاصة في الدول التي قطعت شوطاً طويلاً في الممارسة الديمقراطية، وبرلماناتها المنتخبة مضت عليها عقود بل بعضها قرون، بأننا في البحرين، تتعالى لدينا بعض الأصوات المجتمعية للمطالبة بـ«إلغاء البرلمان»، فإن هذا الإعلام، سيفتح ملفاً مثيراً للبحث والتقصي، ومعرفة السبب الذي يقود بعض أفراد في المجتمع للمطالبة بإلغاء المجلس الذي يمثل صوتهم!

لن تجد في أي دولة تمتلك برلمانا، مطالبات تصدر بأن يتم إلغاؤه، بل ستجد أن المطالبات المجتمعية هي مركزة أكثر في خطاباتها إلى البرلمان وممثلي الشعب، بدل مخاطبة الحكومة، ستجد أن المطالبات بتقوية البرلمان أكثر، وستجد أن الانتخابات التي تقام فيها من التحالفات والسجالات الكثير، لأن هناك إيماناً بأن البرلمان يمثل إرادة الناس.

لا يحتاج الإعلام الغربي للبحث والتقصي عن الأسباب، لأننا سنجيبه بكل وضوح وبساطة، إذ ما يجعل بعض الناس تطالب بإلغاء البرلمان، وبعضهم يركز على مصروفاته وأن الأولى توجيهها من قبل الحكومة على أمور أخرى تفيد الناس، وأن هناك بعضا يقول بأن إدارة الحكومة للشؤون الشعبية وإدارة الملفات أفضل من البرلمان، ما يجعلهم يقولون ذلك، هو البرلمان نفسه، وتحديداً أداء النواب الواصلين إليه.

لا يوجد برلمان ضعيف، وهنا أتحدث عن منظومة البرلمان ككيان، لو درتم العالم كله، لن تجدوا برلماناً ضعيفاً، إلا حينما تجدون أداءً نيابياً ضعيفاً، أو أداء لا يرتقي لمستوى تطلعات الناس، أو أداء لا يمكنه مواجهة كثير من الملفات الحكومية التي تقدمها الأجهزة الرسمية.

النواب ومن يمثلون الناس، ومن يفترض بهم أن يكونوا نبضاً للناخبين، هم من يحكمون على البرلمان ككيان بالضعف أو القوة، حينما يكون البرلمان بالفعل نداً للحكومة في مناقشة الملفات وتمحيصها، وفحص المشاريع وإقرارها، ويكون له قوة ملموسة ومحسوسة فيما يتعلق بكل شيء يمس الناس والمجتمع، هنا يكون البرلمان قويا، وهنا لن تجد الناس تنتقص منه، أو تطالب بإلغائه، بل ستجد الناس متمسكة به، تتوجه إليه باعتباره المنصة التي توصل صوتها.

هل نلوم الناس على هذا الانطباع، وهل نعتب عليهم لو صدرت عنهم مثل ردات الفعل القوية هذه؟! أبداً لا يمكن ذلك، بل اللوم على نماذج من النواب لم تقدم الأداء المطلوب منها، ولم تلتزم بشعاراتها ووعودها الانتخابية، أنواع من النواب خذلوا الناس بامتياز، في المقابل كان للحكومة نقاط تفوق عديدة، كثير منها وقف إلى جانب الناس، وحقق لهم مكاسب وفوائد، بل في ملفات، وجدنا الحكومة أحن على المواطن من البرلمان نفسه، خاصة فيما يتعلق بما يمس حياتهم ومعيشتهم ورزقهم.

بالتالي، أنا مؤمن تماماً بأن المطالبة بإلغاء البرلمان، بعد قرابة عقدين من الممارسة الديمقراطية مطالبة فيها مبالغة، ومطلب غير منطقي، بل المطالبة يجب أن تكون بإلغاء وجود النواب الذين يضعفون هذه التجربة، وممن يخذلون الناس، المطالبة تكون للناس بألا ينتخبوا من سبق وخذلهم، وألا ينتخبوا من يخرج عليهم بشعارات مستحيل تحقيقها، ألا ينتخبوا من يستخف بهم ويحاول أن يغويهم، ألا ينتخبوا من لم يعرفوا الناس وهمومهم إلا الآن حينما حانت لحظة الحاجة لأصواتهم بغية الوصول للمجلس ومكاسبه.

أنت يا ناخب عليك مسؤولية تجاه تقوية برلمانك، وأنت يا نائب عليك المسؤولية بعدها بأن تجعل هذا البرلمان قويا، أو تظلمه بأدائك الضعيف، فينتقده الناس، ويعتبرونه «فرعوناً عليهم، لا عوناً لهم».