قد تكون المظاهر خداعة، هذا الشعار كان مميزاً لأحد إعلانات ماركة سيارات اقتصادية، كان الهدف منه -أي الشعار- إبراز عمليات التحديث التي أجريت على هيكل السيارة لتضاهي في فخامتها السيارات الأوروبية وبعض الآسيوية والأمريكية الشهيرة.
يبدأ الإعلان بعرض الهيكل المذهل للسيارة، دون عرض شعار الماركة، وتأخذك الكاميرا لتتجول داخلها، لترى الديكور الجميل والنظام الإلكتروني المذهل، ويخيل لك وأنت تتابع بأن النهاية ستكشف لك عن نوعية سيارة معروفة باهظة الثمن، لكن المفاجأة تكون بكشف الماركة، وأنها لسيارة اقتصادية في متناول اليد، صممت بطريقة ذكية لتجمع بين الشكل الجميل وبين التيسير والتسهيل على الناس اقتصادياً.
بإسقاط الفكرة على واقع حياتنا، هذه الحياة التي باتت في كثير من الأمور تعتمد على «المظاهر» والتي بعضها «خداع» لا يمت للواقع بصلة، بحيث ترى ما يريدون لك أن تراه، ترى الأمور الجميلة، ترى الشكل الخارجي، وتختفي عن عيونك المجردة كثير من الجوانب الداخلية والتفاصيل الدقيقة، والتي بمعرفتها قد يتغير مفهومك عن الجمال والكمال والفضائل وغيرها.
كنت أقول دائماً، بأن الفيلسوف أفلاطون خدعنا، بل قام بأعظم خدعة في تاريخ البشرية، حينما ابتكر مفهوم «المدينة الفاضلة»، وأنه يمكن إيجادها كطموح. طبعاً أفلاطون خلد في التاريخ بفكرته «يوتوبيا»، لكنه قدم لنا عالماً افتراضياً مستحيل التحقق، وإن كان للمدينة الغامضة التي قيل بأنها شيدت من قبل أناس خارج هذا الكوكب، وأنها غرقت لقاع المحيط الأطلسي دون بيان أثر لها، وأعني هنا «أتلانتس»، إن كان لهذه المدينة وجود، فإن المدينة الفاضلة لم ولن توجد أبداً.
لكنني أشير لها -أي «يوتوبيا»- هنا، بهدف نيتي الإعلان بأن أفلاطون كان محقاً، لأن المدينة الفاضلة اليوم يمكن أن تجد لها وجوداً متجسداً، لكن ليس على الأرض، بل في «العالم الافتراضي» الذي تصنعه وسائل التواصل الاجتماعي.
لنقف لحظة ونتأمل في محتوى وسائل التواصل، وسنصل لنتيجة تفيد بأن نسبة كبيرة مما تنشره الحسابات الشخصية لأناس لديهم متابعون كثر، وحتى غيرهم من مستخدمين، تتسم بالمثالية المتقدمة جداً، تكشف جوانب مشرقة وجميلة من الحياة، وأن هناك أنماط معيشة تحاكي ألف ليلة وليلة. رغم أن هذا الأسلوب في نشر المحتوى قد يسبب لأصحابه مشاكل اجتماعية، مثل صناعة متابعين مهووسين، أو متابعين مترصدين حاقدين أو متطفلين، أو متأثرين ومنبهرين لحد تبجيل الشخوص.
هذا واقع نراه في وسائل التواصل الاجتماعي، والبحث في هذا الجانب امتد ليصل لدراسات أكاديمية من مؤسسات تعليمية عريقة حول العالم، لأنها ظاهرة متفردة، فرضتها المرحلة الزمانية الحالية.
من الأساسيات التي يجب أن ندركها في هذا الجانب، أن المحتوى المقدم للناس، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقدم لك الحقيقة المجردة. اليوم إن كنت ناشطاً في مواقع التواصل الاجتماعي فإنك غالباً لن تقدم الصورة السلبية، بل الإيجابية فقط، ستقدم الشيء الذي يعجب الناس ويبهرهم، وهناك من يقدم المفيد والقيم، وقليل جداً من سيقدم لك الصورة الحقيقية المجردة والتي قد تفتح عليه باباً من الانتقاد.
يروي لي أحد الأصدقاء أنه كان مبهوراً بشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، كان معجباً بطرح جميل يقدم، وكلمات مثالية، ونصائح قيمة، حتى صنع صورة نمطية جميلة وراقية للشخص، خلقت لديه الإعجاب، بل وبات يروج له بين معارفه. لكن كما هو حال الجملة في الإعلان «قد تكون المظاهر خداعة»، أقول دائماً أنه أحياناً تظل معرفة الشخص من بعد، أفضل من معرفته عن قرب، لأن الاقتراب غالباً قد يصدمك، لأنه يكشف التفاصيل والجوانب الخفية. وبالفعل كان لصديقي فرصة الالتقاء مصادفة بالشخص الذي أعجب به وانبهر به على أرض الواقع، ليتفاجأ بمعاملة جافة، وشخصية متعالية، وسلوك صادم. لقد كشف له هذا الشخص المثالي والرائع خلف الشاشة، عن شخص يحتقر الآخرين ويقلل من شأنهم على أرض الواقع.
وهناك أمثلة عدة على شخصيات تقدم لك مشاهد مزيفة، وأنماط حياة مفبركة عبر مواقع التواصل، ويسقط الناس في فخ التصديق والتأثر والانبهار، وربما التقليد الأعمى.
الإعلام ووسائل التواصل التي تمثل الطفرة الحالية في هذا المجال، يمكنها بسهولة التحكم في مزاج الشارع، وقد تسهم في صناعة اتجاهات معينة، بعضها مخطط له، وبعضها عفوي لكنه يؤسس لعملية تضليل مجتمعية كبيرة.
لسنا ضد من يستخدم وسائل التواصل، إذ كثيرون إيجابيون و«حقيقيون» فيما يقدمونه من طرح وأفكار ونقل للواقع، لكن في المقابل هناك من يقدم الصور الزائفة، والأخطر من يغرقك بالفضائل والأمثال والحكم وينصحك كيف تعيش حياتك، بينما الواقع يفيد بأن هذا آخر من يتكلم، إذ من يعيش «التناقضات» ويتلبس «الشخصيات المزدوجة» ذات «المعايير المزدوجة» هم صناع الوهم الذي يخدر ويضلل الناس.
لذا النصيحة هنا، رغم الموجة القوية الجارفة لوسائل التواصل الاجتماعي، والمحتوى الضخم الذي يزيد كل ثانية، أنت وحدك من يمكنه اختيار وتقييم ما تأخذه وما تتأثر به من هذا «البوفيه» العملاق، خذ المفيد، لكن لا تنجرف كثيراً وراء بعض الشخصيات لدرجة الانبهار المطلق، لأن الواقع قد يكون صادماً جداً.
شكراً فقط لـ«الحقيقيين» على وسائل التواصل، الذين يمتلكون نسخة مطابقة لهم تماماً على أرض الواقع، في التصرفات والمبادئ والأخلاق وتقديرهم للناس.
يبدأ الإعلان بعرض الهيكل المذهل للسيارة، دون عرض شعار الماركة، وتأخذك الكاميرا لتتجول داخلها، لترى الديكور الجميل والنظام الإلكتروني المذهل، ويخيل لك وأنت تتابع بأن النهاية ستكشف لك عن نوعية سيارة معروفة باهظة الثمن، لكن المفاجأة تكون بكشف الماركة، وأنها لسيارة اقتصادية في متناول اليد، صممت بطريقة ذكية لتجمع بين الشكل الجميل وبين التيسير والتسهيل على الناس اقتصادياً.
بإسقاط الفكرة على واقع حياتنا، هذه الحياة التي باتت في كثير من الأمور تعتمد على «المظاهر» والتي بعضها «خداع» لا يمت للواقع بصلة، بحيث ترى ما يريدون لك أن تراه، ترى الأمور الجميلة، ترى الشكل الخارجي، وتختفي عن عيونك المجردة كثير من الجوانب الداخلية والتفاصيل الدقيقة، والتي بمعرفتها قد يتغير مفهومك عن الجمال والكمال والفضائل وغيرها.
كنت أقول دائماً، بأن الفيلسوف أفلاطون خدعنا، بل قام بأعظم خدعة في تاريخ البشرية، حينما ابتكر مفهوم «المدينة الفاضلة»، وأنه يمكن إيجادها كطموح. طبعاً أفلاطون خلد في التاريخ بفكرته «يوتوبيا»، لكنه قدم لنا عالماً افتراضياً مستحيل التحقق، وإن كان للمدينة الغامضة التي قيل بأنها شيدت من قبل أناس خارج هذا الكوكب، وأنها غرقت لقاع المحيط الأطلسي دون بيان أثر لها، وأعني هنا «أتلانتس»، إن كان لهذه المدينة وجود، فإن المدينة الفاضلة لم ولن توجد أبداً.
لكنني أشير لها -أي «يوتوبيا»- هنا، بهدف نيتي الإعلان بأن أفلاطون كان محقاً، لأن المدينة الفاضلة اليوم يمكن أن تجد لها وجوداً متجسداً، لكن ليس على الأرض، بل في «العالم الافتراضي» الذي تصنعه وسائل التواصل الاجتماعي.
لنقف لحظة ونتأمل في محتوى وسائل التواصل، وسنصل لنتيجة تفيد بأن نسبة كبيرة مما تنشره الحسابات الشخصية لأناس لديهم متابعون كثر، وحتى غيرهم من مستخدمين، تتسم بالمثالية المتقدمة جداً، تكشف جوانب مشرقة وجميلة من الحياة، وأن هناك أنماط معيشة تحاكي ألف ليلة وليلة. رغم أن هذا الأسلوب في نشر المحتوى قد يسبب لأصحابه مشاكل اجتماعية، مثل صناعة متابعين مهووسين، أو متابعين مترصدين حاقدين أو متطفلين، أو متأثرين ومنبهرين لحد تبجيل الشخوص.
هذا واقع نراه في وسائل التواصل الاجتماعي، والبحث في هذا الجانب امتد ليصل لدراسات أكاديمية من مؤسسات تعليمية عريقة حول العالم، لأنها ظاهرة متفردة، فرضتها المرحلة الزمانية الحالية.
من الأساسيات التي يجب أن ندركها في هذا الجانب، أن المحتوى المقدم للناس، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقدم لك الحقيقة المجردة. اليوم إن كنت ناشطاً في مواقع التواصل الاجتماعي فإنك غالباً لن تقدم الصورة السلبية، بل الإيجابية فقط، ستقدم الشيء الذي يعجب الناس ويبهرهم، وهناك من يقدم المفيد والقيم، وقليل جداً من سيقدم لك الصورة الحقيقية المجردة والتي قد تفتح عليه باباً من الانتقاد.
يروي لي أحد الأصدقاء أنه كان مبهوراً بشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، كان معجباً بطرح جميل يقدم، وكلمات مثالية، ونصائح قيمة، حتى صنع صورة نمطية جميلة وراقية للشخص، خلقت لديه الإعجاب، بل وبات يروج له بين معارفه. لكن كما هو حال الجملة في الإعلان «قد تكون المظاهر خداعة»، أقول دائماً أنه أحياناً تظل معرفة الشخص من بعد، أفضل من معرفته عن قرب، لأن الاقتراب غالباً قد يصدمك، لأنه يكشف التفاصيل والجوانب الخفية. وبالفعل كان لصديقي فرصة الالتقاء مصادفة بالشخص الذي أعجب به وانبهر به على أرض الواقع، ليتفاجأ بمعاملة جافة، وشخصية متعالية، وسلوك صادم. لقد كشف له هذا الشخص المثالي والرائع خلف الشاشة، عن شخص يحتقر الآخرين ويقلل من شأنهم على أرض الواقع.
وهناك أمثلة عدة على شخصيات تقدم لك مشاهد مزيفة، وأنماط حياة مفبركة عبر مواقع التواصل، ويسقط الناس في فخ التصديق والتأثر والانبهار، وربما التقليد الأعمى.
الإعلام ووسائل التواصل التي تمثل الطفرة الحالية في هذا المجال، يمكنها بسهولة التحكم في مزاج الشارع، وقد تسهم في صناعة اتجاهات معينة، بعضها مخطط له، وبعضها عفوي لكنه يؤسس لعملية تضليل مجتمعية كبيرة.
لسنا ضد من يستخدم وسائل التواصل، إذ كثيرون إيجابيون و«حقيقيون» فيما يقدمونه من طرح وأفكار ونقل للواقع، لكن في المقابل هناك من يقدم الصور الزائفة، والأخطر من يغرقك بالفضائل والأمثال والحكم وينصحك كيف تعيش حياتك، بينما الواقع يفيد بأن هذا آخر من يتكلم، إذ من يعيش «التناقضات» ويتلبس «الشخصيات المزدوجة» ذات «المعايير المزدوجة» هم صناع الوهم الذي يخدر ويضلل الناس.
لذا النصيحة هنا، رغم الموجة القوية الجارفة لوسائل التواصل الاجتماعي، والمحتوى الضخم الذي يزيد كل ثانية، أنت وحدك من يمكنه اختيار وتقييم ما تأخذه وما تتأثر به من هذا «البوفيه» العملاق، خذ المفيد، لكن لا تنجرف كثيراً وراء بعض الشخصيات لدرجة الانبهار المطلق، لأن الواقع قد يكون صادماً جداً.
شكراً فقط لـ«الحقيقيين» على وسائل التواصل، الذين يمتلكون نسخة مطابقة لهم تماماً على أرض الواقع، في التصرفات والمبادئ والأخلاق وتقديرهم للناس.