قبل عدة سنوات انتشرت دورات وبرامج ما سمي حينها «البرمجة اللغوية العصبية» «N.L.P». وهي جزء من برامج التنمية البشرية المعلبة والتجارية التي أفرزها زمن السرعة، وزمن التسليع والتسويق لكل شيء يمكنك أن تبيعه على الجمهور وتكسب منه مالاً. كان أصغر مدرب لهذه البرامج يتقاضى عن الدورة الكاملة مبلغ «150» ديناراً عن الفرد. وإذا ما تطوع لتقديمها في ساعتين فإنه يخفض السعر إلى «50» ديناراً للفرد. أما كبار مدربي البرمجة اللغوية العصبية، القادمين من خارج البحرين، فكان بعضهم يتقاضى عن دوراته التي تقام في فنادق فخمة وتستمر ثلاثة أيام «1500» دينار. أذكر أن إحداها كانت تحت عنوان «فنون التنويم المغناطيسي».
وقبل عدة أسابيع أشارت علي إحدى الزميلات الانضمام لأحد نوادي التدريب على الخطابة التي هي عضو بارز فيه. ولسبب لا علاقة له «بشوفة النفس» كنت لا أرى أثراً لعضويتها الفاعلة الطويلة في النادي على سلوكها أو شخصيتها. ولكنني اعتذرت بلطف لعدم حاجتي المُلحة لمهارات الخطابة. وغير أنها حاولت إقناعي بالفكرة، بأني لا أدرك المعنى الحقيقي للخطابة. فالأمر ليس مقتصراً على مهارات الإلقاء. حيث إن التدريب يبدأ من التمرين على «الكتابة» وما يسبقها من اقتناص الأفكار وترتيبها وتنظيمها. وقالت لي نصاً: سترين كيف أن كتابتك ستتحسن وستتطور. ستستفيدين من برامجنا وتدريبنا في هذا المجال أكثر مما استفدت من الماجستير والدكتوراه!!. شعرت بشيء من الغضب قاومته بابتسامه «بلهاء» واعتذرت لانشغالي.
فكرة برامج البرمجة اللغوية العصبية وما تفرع عنها من دورات ومعاهد تقوم على مبدأ واحد بسيط وخطير يلف المدربون حوله ويدورون أشواطاً طويلة ومتنوعة ومتعددة كل حسب أسلوبه وقدرته على الابتكار. المبدأ يقوم على تغيير نظرتك لذاتك، والتحرر من كل القيود السلبية. وتبني تصورات إيجابية عن قدراتك وإمكاناتك. ويتطلب الأمر «حفظ» مجموعة من العبارات الإيجابية وتملكها. الموضوع يشبه اعتقاد المريض بالشفاء من المرض عبر ابتلاع كبسولة دواء ستقوم هي بتغيير أسباب المرض في الجسم وتعديل مسار الصحة.
شملت مجالات التدريب «N.L.P» دورات حول تنظيم الوقت. وبناء الثقة في النفس، والعلاج بخط الزمن، والذكاء العاطفي، وأخيراً دورات الخطابة. ويروج القائمون على هذه البرامج إلى أن المهارات السابقة ضرورية للنجاح، وكفيلة بفتح الأبواب المغلقة أمام الصعود. بعض المدربين لا يتورع في القول إن انخراط المرء في هذه الدورات كفيل بتغيير مسار حياته كاملاً. ومازلت أذكر أحد أهم المدربين العرب المقيم في كندا حين قالها عبر شاشة إحدى الفضائيات: «عندنا في الغرب تراجع الاهتمام بالشهادات الأكاديمية، والإقبال الأكبر اتجه نحو شهادات دورات برامج التنمية البشرية»!!!. في تلك الفترة رأيت أشخاصاً يشتركون في دورة لتربطهم الدورة بدورة أخرى ثم ثانية وثالثة. البعض كان يرغب فعلاً في تحسين مهاراته. والبعض الآخر كان يريد أن يتم الدورات ليحصل على مرتبة مدرب. ثم تطورت السلسلة ليتم طرح برامج خاصة بـ»مدربي المدربين»!!
ولقد خفت وهج دورات «N.L.P» في السنوات الحالية. وهناك الكثيرون بالطبع استفادوا منها في ضبط بعض جوانب حياتهم الشخصية والمهنية. ولكن قليلون جداً الذين، بالفعل، انقلبت حياتهم وتغيرت مصائرهم بفضل تلك الدورات. فالإشكالية الحقيقية في تلك البرامج أنها تدرب المرء على تبنى أفكار إيجابية عن نفسه، وتعلمه إمكانية صياغة شخصية جديدة لذاته. ولكن.. من فراغ. فلا يمكن أن تكون إنساناً جديداً وجيداً لمجرد أنك تظن ذلك في نفسك دون الاجتهاد في الدراسة والعمل، ودون السهر والتعب والمشقة، ومواجهة المشكلات والتحديات، كل حسب تخصصه واختصاصه ومجال عمله!! مشكلة تلك الدورات أنها مجردة وعامة، على عكس الدورات المهنية التي تربط برامجها التطويرية والتدريبية بمجال العمل والتخصص مباشرة، وعلى عكس الدورات النفسية التي تربط برنامجها التدريبي بالمشكلة النفسية التي يعاني منها المريض مباشرة. إذ في الحالتين الأخيرتين سيتمكن العقل البشري الواعي واللاوعي الذي كثيراً ما يتغنى مدربو «N.L.P» بقدراته الجبارة. سيتمكن سريعاً في حال الدورات المتخصصة والموجهة من الانخراط في البرمجة المطلوبة وسيتعرف بوضوح على مكمن القصور ويعالجه ويطوره.
الرابح الأكبر من تلك الدورات كان المدربون ومعاهد التدريب التي جنت أموالاً طائلة غيرت فعلاً مسيرة حياة أصحابها. أعرف أحدهم صار ثرياً. ترك مهنة التدريس البسيطة وصار مديراً لأحد المعاهد التدريبية. وصار يتنقل من بلد لآخر بغرض التدريب وكانت الفضائيات والصحف تكثر من استضافته، وافتتح فروعاً لمعهده في عدة دول!!
كلنا يرغب في تغيير حياته وتحقيق أحلامه. والتغيير يبدأ من تغيير الذات فعلاً. ولابد أن تكون إيجابياً ومتسامحاً ومتفائلاً ومنفتحاً. وأن تحب الحياة والناس وتقبل بالأقدار وتخوض كل التحديات بشجاعة وأمل ويقين بالنجاح. هذه عبارات سيتعلمها كل من ينخرط في دورات «N.L.P». ولكن لا يمكن أن تكون الفكرة وحدها هي صانعة النجاح، بدون فهم حقيقي للحياة والظروف المحيطة. بدون عمل، وذكاء نوعي، بدون مثابرة ومتابعة، واجتهاد. عدا ذلك فإن الموضوع لا يتعدى المتاجرة بالوهم وبيع السمك في الماء.
وقبل عدة أسابيع أشارت علي إحدى الزميلات الانضمام لأحد نوادي التدريب على الخطابة التي هي عضو بارز فيه. ولسبب لا علاقة له «بشوفة النفس» كنت لا أرى أثراً لعضويتها الفاعلة الطويلة في النادي على سلوكها أو شخصيتها. ولكنني اعتذرت بلطف لعدم حاجتي المُلحة لمهارات الخطابة. وغير أنها حاولت إقناعي بالفكرة، بأني لا أدرك المعنى الحقيقي للخطابة. فالأمر ليس مقتصراً على مهارات الإلقاء. حيث إن التدريب يبدأ من التمرين على «الكتابة» وما يسبقها من اقتناص الأفكار وترتيبها وتنظيمها. وقالت لي نصاً: سترين كيف أن كتابتك ستتحسن وستتطور. ستستفيدين من برامجنا وتدريبنا في هذا المجال أكثر مما استفدت من الماجستير والدكتوراه!!. شعرت بشيء من الغضب قاومته بابتسامه «بلهاء» واعتذرت لانشغالي.
فكرة برامج البرمجة اللغوية العصبية وما تفرع عنها من دورات ومعاهد تقوم على مبدأ واحد بسيط وخطير يلف المدربون حوله ويدورون أشواطاً طويلة ومتنوعة ومتعددة كل حسب أسلوبه وقدرته على الابتكار. المبدأ يقوم على تغيير نظرتك لذاتك، والتحرر من كل القيود السلبية. وتبني تصورات إيجابية عن قدراتك وإمكاناتك. ويتطلب الأمر «حفظ» مجموعة من العبارات الإيجابية وتملكها. الموضوع يشبه اعتقاد المريض بالشفاء من المرض عبر ابتلاع كبسولة دواء ستقوم هي بتغيير أسباب المرض في الجسم وتعديل مسار الصحة.
شملت مجالات التدريب «N.L.P» دورات حول تنظيم الوقت. وبناء الثقة في النفس، والعلاج بخط الزمن، والذكاء العاطفي، وأخيراً دورات الخطابة. ويروج القائمون على هذه البرامج إلى أن المهارات السابقة ضرورية للنجاح، وكفيلة بفتح الأبواب المغلقة أمام الصعود. بعض المدربين لا يتورع في القول إن انخراط المرء في هذه الدورات كفيل بتغيير مسار حياته كاملاً. ومازلت أذكر أحد أهم المدربين العرب المقيم في كندا حين قالها عبر شاشة إحدى الفضائيات: «عندنا في الغرب تراجع الاهتمام بالشهادات الأكاديمية، والإقبال الأكبر اتجه نحو شهادات دورات برامج التنمية البشرية»!!!. في تلك الفترة رأيت أشخاصاً يشتركون في دورة لتربطهم الدورة بدورة أخرى ثم ثانية وثالثة. البعض كان يرغب فعلاً في تحسين مهاراته. والبعض الآخر كان يريد أن يتم الدورات ليحصل على مرتبة مدرب. ثم تطورت السلسلة ليتم طرح برامج خاصة بـ»مدربي المدربين»!!
ولقد خفت وهج دورات «N.L.P» في السنوات الحالية. وهناك الكثيرون بالطبع استفادوا منها في ضبط بعض جوانب حياتهم الشخصية والمهنية. ولكن قليلون جداً الذين، بالفعل، انقلبت حياتهم وتغيرت مصائرهم بفضل تلك الدورات. فالإشكالية الحقيقية في تلك البرامج أنها تدرب المرء على تبنى أفكار إيجابية عن نفسه، وتعلمه إمكانية صياغة شخصية جديدة لذاته. ولكن.. من فراغ. فلا يمكن أن تكون إنساناً جديداً وجيداً لمجرد أنك تظن ذلك في نفسك دون الاجتهاد في الدراسة والعمل، ودون السهر والتعب والمشقة، ومواجهة المشكلات والتحديات، كل حسب تخصصه واختصاصه ومجال عمله!! مشكلة تلك الدورات أنها مجردة وعامة، على عكس الدورات المهنية التي تربط برامجها التطويرية والتدريبية بمجال العمل والتخصص مباشرة، وعلى عكس الدورات النفسية التي تربط برنامجها التدريبي بالمشكلة النفسية التي يعاني منها المريض مباشرة. إذ في الحالتين الأخيرتين سيتمكن العقل البشري الواعي واللاوعي الذي كثيراً ما يتغنى مدربو «N.L.P» بقدراته الجبارة. سيتمكن سريعاً في حال الدورات المتخصصة والموجهة من الانخراط في البرمجة المطلوبة وسيتعرف بوضوح على مكمن القصور ويعالجه ويطوره.
الرابح الأكبر من تلك الدورات كان المدربون ومعاهد التدريب التي جنت أموالاً طائلة غيرت فعلاً مسيرة حياة أصحابها. أعرف أحدهم صار ثرياً. ترك مهنة التدريس البسيطة وصار مديراً لأحد المعاهد التدريبية. وصار يتنقل من بلد لآخر بغرض التدريب وكانت الفضائيات والصحف تكثر من استضافته، وافتتح فروعاً لمعهده في عدة دول!!
كلنا يرغب في تغيير حياته وتحقيق أحلامه. والتغيير يبدأ من تغيير الذات فعلاً. ولابد أن تكون إيجابياً ومتسامحاً ومتفائلاً ومنفتحاً. وأن تحب الحياة والناس وتقبل بالأقدار وتخوض كل التحديات بشجاعة وأمل ويقين بالنجاح. هذه عبارات سيتعلمها كل من ينخرط في دورات «N.L.P». ولكن لا يمكن أن تكون الفكرة وحدها هي صانعة النجاح، بدون فهم حقيقي للحياة والظروف المحيطة. بدون عمل، وذكاء نوعي، بدون مثابرة ومتابعة، واجتهاد. عدا ذلك فإن الموضوع لا يتعدى المتاجرة بالوهم وبيع السمك في الماء.