اجتاح إعصار «العولمة» كافة مجالات الحياة في عصرنا الحاضر ولم يتخلف عن ذلك النشاط الاقتصادي ومنه بالطبع النشاط المصرفى وأصبح لا يمر يوم إلا ونسمع عن موجة من الاندماجات الجديدة بين مصارف مختلفة كانت في يوم من الأيام مارداً قائماً بذاته وأصبحت بعد انتشار عصر العولمه قزماً صغيراً لا يمكنه أن يعيش إلا إذا شارك مارداً آخر ليشكلا في النهايـــــة مؤسسات وبنوكاً عملاقة تستطيع أن تفرض وجودها وكلمتها على الساحة الاقتصادية ومن هنا أصبح موضوع دمج المصارف موضوعاً عالمياً وعربياً مهماً لعدة أسباب من أهمها أن التوسع الكبير في التجارة الدولية والتبادل الاقتصادي بين بلدان العالم يستدعي وجود مصارف ذات قاعدة رأسمالية ضخمة لتقوم بتقديم الخدمات المصرفية اللازمة بكفاءة وفعالية. ويعرف الدمج بأنه اتفاق بين مصرفين أو اكثر على ضم كافة مواردهما واتحادهما في وحدة واحدة بحيث يصبح الناتج كياناً واحداً له شخصية اعتبارية مستقلة عن المصارف التي اندمجت وفقدت بالتالي شخصيتها الاعتبارية المستقلة ونظراً إلى الصعوبات التي يمر بها التعاون والتنسيق الاقتصادي المصرفي فإن المجال الذي نراه في الدمج في الدول العربية أصبح من الناحية العملية محصوراً داخل البلد الواحد ولا يمتد لأكثر من بلد عربي واحد.على سبيل المثال من الصعب أن يتم الدمج بين مصرف مصري ومصرف تونسي مثلاً أو مصرف خليجي نظراً لاختلاف الخلفيات القانونية لكل بلد بالإضافة إلى ذلك فإن مرور العالم بعصر التكتلات الاقتصادية العملاقة يستدعي ضمن أشياء أخرى بنوكاً ذات موارد مالية كبيرة واستعدادات تقنية متطورة وخصوصاً بعد أن تحررت البنوك من مفهومها التقليدي وأصبحت بنوكاً شاملة تقوم بكافة الأعمال من تمويل وتجارة ومساهمة وإنشاء وإدارة واستشارات واستثمار وغيرها من الأعمال المتعددة التي أصبحت تميـزالبنوك العملاقة في عصرنا الحديث والتذبذبات الاقتصادية التي تحدث على فترات مختلفة والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى مجابهة مشاكل قد تستعصي على البنوك ذات الموارد المالية المحدودة نظراً لحجمها المتواضع مقارنة بالبنوك العملاقة التي تكونت من الاندماجات هذه الظروف قد تدفع البنوك الصغيرة إلى ضرورة التفكير في الاندماج لخلق قاعدة رأسمالية كبيرة تستطيع مجابهة العواصف الاقتصادية والظروف الاستثنائية.. ومثال على ذلك حرب تحرير الكويت التي كانت بمثابة هزة للمصـارف العربية بصورة عامة إذ أدت السحوبات المفاجئة والسريعة إلى هروب رساميل ضخمة من المنطقة إلى الخارج في غضون أيام تعد على الأصابع ولولا النهج السليم الذى اتبعته السلطات النقدية والإشرافية لشهد النظام المصرفى كارثة مروعة لا يعلم مداها إلا الله وليس سراً أن بعض البنوك كانت في وضع مالي صعب جداً يقترب من الإفلاس لعدم قدرتـه على مجابهة حركة السحوبات التي حدثت للرساميل العربية وهجرتها للخارج هرباً من الظروف السياسية المضطربــة آنذاك لولا تدخل السلطات الإشرافية المختصة والتي عالجت هذه المواقف بكل جرأة وحكمة اقتضتها الظروف. وقد أثبتت تجربة حرب الخليج أنه ليس بوسع الوحدات الصغيرة من المصارف الصمود أمام أزمات مالية مماثلة وأن هذه الوحدات لو اندمجت لشكلت كياناً عملاقاً قادراً على مجابهة مثل هذه الأزمات بقدرة أكبر وأشمل مما أحدث إيجابيات وسلبيات الدمج.ومن شأن الدمج أن يحقق اقتصاديات الحجم الكبير وهو امر يحقق تخفيضا كبيرا وملموسا فى النفقات نظرا لزيادة الانتاج وانخفاض وحدة التكلفة تبعا لذلك. لذلك كان ويظل من الايسر عربيا على الاقل ان يتم الدمج بين مصرفين داخل البلد الواحد على الاقل كمرحلة اولى ثم يفكر بعد ذلك فى الدمج مع بلدان اخرى. ولكن ما هى الاسباب التى تدعو للدمج؟ فالتقنيات المذهلة التى مرت بها الصناعة المصرفية الدولية فى السنوات الماضية جعلت من المحتم والضرورى ان يكون هناك وحدات مصرفية ذات امكانيات وموارد مالية وافرة بوسعها الاستثمار فى تلك التقنيات حتى تستطيـع مواكبة اخر المستحدثات فى تكنولوجيا المصارف وهو الامر الذى لن يتاتى لمصرفا بمفرده وخصوصا فى المنطقــــة العربية التى لا تزال احجام المصارف بها صغيرة او متوسطة، فمواجهة التحديات الاقتصادية الكبيرة والتى ياتى فى طليعتها التكتلات الاقتصادية العملاقة كالاتحاد الاوربى واتحاد دول شمال أمريكا للتجارة الحرة «النافتا» والتكتل الآسيوى الباسيفيكي الاقتصادي «APEC» والتكتل المتوسطي بين الدول الأوربية المطلة على البحر الأبيض المتوسط يضاف الى ذلك ظهور منطقة التجارة العالمية W.T.O وريثة الجات هذه الآليات جميعها تجعل من غير المعتدل ابقاء وحدات مصرفية صغيرة تكاد تخدم متطلبات اقتصادها المحلية بصعوبة ولا تستطيع القيام بالخدمات المصرفية العالمية التي يتطلبها الاقتصاد وهي مهام تقوم بها المصارف الاجنبـية الممتدة في جميع انحاء البلدان العربية فكبر حجم المؤسسة المصرفية يساعد على دخول الاسواق العالمية بشكل اقوى ويمكنها من المنافسة. كما انه يساعدها على التوسع وإنشاء شبكة كبيرة من الفروع الأمر الذي يساعدها على ربط العديد من اقتصاديات الدول مع مركزها الرئيسي وبالتالي مع اقتصاد بلادها تكون الأسواق المصرفية الخليجية دخلت مرحلة مهمة من عمليات الدمجمع احتمال إعادة تشكيل دور هذه الصناعة وقدرتها على تنفيذ أعمال الوساطة على نحو كبير، فالاندماجات المصرفية الخليجية ستؤدي إلى قدرتها على تلبية طلبات تمويل الاستثمارات الضخمة وتقليل الضغط التنافسي للتمويل وكذلك على الودائع خاصةً وأن هناك العديد من المجالات التي قد تتطلب من السلطات المعنية إجراء دراسة استقصائية وتقديم علاج له وهناك مجالان يبرزان في سياق الدمج المصرفي: أولاً، قد تكون هناك خطورة في أن تقوم المصارف المملوكة للدولة بدمج قدرتها التفضيلية للحصول على التمويل نتيجة لمساندة الحكومة الصريحة أو الضمنية لها، وربما يضعف هذا الأمر المنافسة العادلة ما قد يؤدي إلى تحقيق منافع أقل للعملاء والشركات. ومن ثم، فإنه من الضروري إنفاذ مبدأ الحياد التنافسي بشكل عام، على سبيل المثال عن طريق حيادية الديون وسياسات المشتريات التنافسية وإجراءاتها.ثانياً، قد لا تتمكن أنظمة قوانين المنافسة الحالية في المنطقة من ضمان ألا تؤثر عمليات الاندماج تأثيراً سلبياً في المنافسة وتعفى المصارف المملوكة للدولة من تطبيق قانون المنافسة العامة. وليس لدى الجهات الرقابية للقطاع المالي هدف يتمثل في ضمان المنافسة إضافة إلى التكليف التقليدي بضمان الاستقرار المالي، فالمصارف العربية أصبحت في أمس الحاجة إلى الاندماج والتكتل كما أنها في أمس الحاجة إلى إجراء تغييرات هيكلية شاملة كي تستطيع أن تواجه التحديات المصرفية المتربصة بها ولا يمكن أن يتأتى لها ذلك إلا إذا وعت جيداً لما يحدث حولها في عالم المصارف من اندماجات وتكتلات تؤدي إلى نشأة كيانات مصرفية عملاقة تكتسح في طريقها كلماهو صغير وضعيف ولازالت مقومات الاندماج داخل السوق الخليجيه المصرفية موجودة ومتوفرة، ولكن تبقى النيات والإرادة والتعالـي على المصالح الآنية في سبيل المستقبل الأفضل هي المفاتيح الحقيقية لكي تبرز كيانات مصرفية عربية إلى الوجود.* محلل في الشؤون الاقتصادية والعلوم السياسية
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90