أكثر الأشياء التي تقلق الإنسان، هي تلك المرتبطة بأبنائه، ومن هو مسؤول عنهم؟!

هذا القلق الدائم يبدأ معك منذ ولادتهم، نعم الفرحة موجودة دائماً بقدومهم للدنيا وبتواجدهم، وبرؤيتهم يكبرون أمام عينيك، وكيف أنهم يمثلون نسخة مصغرة عنك، لكن القلق الموجود دائماً مبعثه الحرص عليهم، والخوف عليهم من المصاعب، والسعي لتأمين مستقبل مشرق لهم، من خلاله تكون لهم حياة هانئة سعيدة.

يبدأ قلقك من البدايات، كيف تحافظ على صحتهم، كيف تبحث لهم عن روضة جيدة، ومدارس مثالية، توفر لهم التعليم الأفضل، فطموح الوالدين حتى لو بلغا مراحل متقدمة جداً، أن يكون مستقبل أبنائهم أفضل منهم، أن يكونوا ناجحين أكثر منهم.

الإنسان الوحيد الذي قد تؤثر رؤيته متفوقاً عليك، ويحقق نجاحات أكثر منك، ويتجنب أخطائك التي وقعت فيها طوال حياتك، هو ابنك أو ابنتك. وهذه هي طبيعة البشر السوية، وما خالفها يعد شذوذاً في هذه المشاعر الأصيلة.

التعليم عنصر أساسي في عملية تنشئة الأبناء، واليوم ملاحظ بأن الغالبية يفضلون إدخال أبنائهم المدارس الخاصة، لقناعة قد يطالها النقاش الطويلة، تتمثل بأن التعليم فيها أقوى، من ناحية اكتساب اللغة أولاً، وثانياً للبيئة التعليمية التي تحاول التجديد والتغيير دائماً. وهنا قد يضغط الوالدين على أنفسهما كثيراً من خلال دفع رسوم كبيرة سنوية، وأمور أخرى، لأجل أبنائهم.

مسيرة القلق هنا لا تتوقف، بل تزيد مع مرور الزمن، انتهاء الدراسة النظامية، والدخول لأجواء تأمين الدراسة الجامعية، ما بين الداخل والخارج، ما بين الحصول على بعثة أو منحة أو التكفل بتكاليف الدراسة بصورة شخصية، وهنا نتحدث عن أموال ضخمة أيضاً ستصرف.

لكن يأتي القلق الأكبر من بعد هذه الدائرة الطويلة والتي تمتد لقرابة 22 إلى 25 عاما، حينما يُطرح السؤال المهم: هل سيجد أبناءنا وظائف لهم في المستقبل؟!

ووسط جدلية المقارنة بين الوظيفة الحكومية والوظيفة في القطاع الخاص، وتفضيل الأولى «الحكومية» على اعتبار ضماناتها المهنية وديمومتها واستمرارها، حتى وإن كان عائدها أقل من الخاص الذي لا يخلو من مخاطر فجائية، تبرز ظاهرة شُح الوظائف، وقدرة قطاعات الدولة على استيعاب العدد الكبير من المتخرجين سنوياً من أبنائنا.

ما نراه أمامنا اليوم كالتالي: هناك توجه لإعادة هيكلة الحكومة، ما معناه تقليص لعدد الوظائف، ومما سمعناه أن التقاعد الاختياري يقابله إلغاء للوظائف المتقاعد شاغروها، ما يعني أن الطاقة التشغيلية الاستيعابية ستقل، بالتالي ما هي نسبة توظيف كل المتخرجين في قطاعات الدولة؟!

تساؤلات عديدة تطرح، وحلول مجتمعية تقدم، ولعل أبرزها الملف المثار اليوم بشأن عمليات «البحرنة» اللازمة والمطلوبة، إذ بالنظر لعدد الأجانب الذين يشغلون وظائف في القطاع الحكومي، يبرز السؤال الأهم: ألا يمكن إحلال البحرينيين في هذه الوظائف؟!

هناك أعداد كبيرة يعلن عنها، وهناك تبريرات تنشر بشأن بعض التخصصات وندرتها، لكن السؤال هنا ونحن نتحدث عن عملية تعليمية يفترض أنها متقدمة في البحرين، بالأخص في المسارات الجامعية التي يجب أن تركز على متطلبات سوق العمل، أليس لدينا خريجون يشغلون هذه الوظائف؟!

إن كان الجواب بـ«نعم»، فإن عملية الإحلال سهلة وممكنة، ومع قليل من التدريب يمكن منح الثقة للبحرينيين ليتم تمكينهم من وظائف الأجانب. لكن إن كان الجواب بـ«لا»، فإن لدينا مشكلة صريحة هنا في التخطيط للمستقبل، وأن هناك خلل في عملية استشراف المراحل القادمة، وهنا ينبغي حصر كافة الوظائف التي يشغلها الأجانب في قطاعات الدولة، بحيث تبرمج البعثات والمنح والمسارات الجامعية والتخصصات بناء عليها، وبحيث نعرف أن لدينا بعد 5 سنوات على أقل تقدير خريج بحريني يمكن أن يشغل هذا الموقع.

هل لدينا مثل هذا المسح الوظيفي الشامل؟! وهل لدينا برمجة قائمة بناء على ما هو موجود وما هو مطروح كتخصصات؟!

يمكنكم إزالة القلق عن نفوس أولياء الأمور على مستقبل أبنائهم، حينما يكون الاتجاه لـ«بحرنة» الوظائف قائماً على أساس إحلال ابن البلد محل الأجنبي في الوظائف المختلفة، لا اقتصار البحرنة على وظائف قد تخالف التخصصات أو تكون أقل من مستوى الوظائف الحكومية بالتركيز فقط على الخاص.

نريد أن نرى قطاعات الدولة كلها تتحرك بسواعد أبناء الوطن، وأن تتمثل بنظام يضمن الديمومة وتعاقب الأجيال، وكلها هذا لا يتحقق بالشعارات ولا بالأماني، يتحقق بوضع استراتيجية عمل صحيحة، لها مؤشرات قياس، ولها متابعات دقيقة، ولها مدى زمني، ولها هدف رئيس يضمن حصول أبناء البلد على وظائف في قطاعات البلد.