كان مسؤولو الحرس الثوري الإيراني وحتى وقت قريب يقولون «إذا هاجمتنا أمريكا أو إسرائيل فسنمحو إسرائيل من الوجود»، لكن التصريح الأخير لهم ناله شيء من التعديل حيث قالوا «إذا هاجمتنا الولايات المتحدة أو إسرائيل فسنمحو.. بعض المدن الإسرائيلية من وجه الأرض»، فهل هو تراجع والنظر إلى الأمور بواقعية أم اعتراف بأن النظام الإيراني لا يمتلك القدرات الكافية لإزالة إسرائيل وتدميرها؟ أم أنه «تخفيض» بمناسبة الاحتفال بمرور 40 سنة على اختطاف الثورة الإيرانية؟!

الحقيقة التي يعلمها النظام الإيراني جيداً هي أنه دون القدرة على الإقدام على مثل هذه الخطوة رغم أن شعار «مرق مرق أمريكا.. مرق مرق إسرائيل» لم يتوقف طوال الأربعين سنة الماضية وحتى في اليومين الماضيين عندما تم إخراج الناس من بيوتهم ليتظاهروا في الشوارع و»يعبروا عن فرحتهم بحكم الملالي» ورغم ما يصرح به عن إنتاج أسلحة جديدة وتطوير منظومة الصواريخ التي «يمكن أن تصل إلى أي هدف في أي مكان وتدمره في ثوانٍ»! والحقيقة التي يعلمها هذا النظام جيداً أيضاً هي أن الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان أن المناداة بموتهما وإبادتهما يدخل في باب تحصيل الحاصل وأنه من قبيل «لزوم الشيء أعلاه»، فالنظام الإيراني مكشوف لهما، فهما بعض أسباب وجوده وأسباب استمراره وهما من يمكنهما أن يدمرانه في أي وقت.

اللوم لا يقع على الحرس الثوري الإيراني فهو يدرك أن الأمر لا يعدو لعبة وأن التصريحات في هذا الخصوص خاوية ولا قيمة لها وأن شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل ليست إلا وسيلة لاستغلال العواطف وإشغال العامة لكسب ولائهم، اللوم يقع على الإيرانيين الذين يخرجون إلى الشوارع وهم يرفعون تلك الشعارات ويعتقدون أن النظام جاد في ما يقول وأن عملية الإبادة لن تستغرق سوى سويعات لو أن المرشد الأعلى أعطى إشارة البدء بها!

من الأمور التي تبينت للكثيرين أن النظام الإيراني لا تهمه القضية الفلسطينية لكنه يعمد إلى الاستفادة منها لشغل الإيرانيين بها وإيهامهم بأنهم سيتمكنون ذات يوم من تحرير فلسطين؟ لهذا فإنه لا يفوت مناسبة إلا ويدفع فيها المخدوعين إلى المناداة بموت أمريكا وإسرائيل، لكنه لا يفعل شيئاً لفلسطين، مثلما لا يفعل شيئاً ضد إسرائيل أو أمريكا.

النظام الإيراني همه أن يحمي نفسه، ومن وسائل ذلك استمراره في تنفيذ العمليات الإرهابية في كل مكان والعمل على جعل بعض دول المنطقة تحت سيطرته، وإلا فلم أسرع بإرسال وزير خارجيته إلى لبنان فور إعلان تشكيل الحكومة في هذا البلد الذي صار جل قراره بيد «حزب الله»؟ ولماذا عرض تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري وبذل جهده لإقناع لبنان بقبول السلاح الإيراني؟

الدعم الاقتصادي والعسكري الذي قدمه هذا النظام لسوريا كانت الغاية منه السيطرة على القرار السوري، والدعم الاقتصادي والعسكري الذي قدمه للعراق كانت هذه غايته أيضاً، وما حاول ولايزال يحاول فعله في البحرين يندرج في الإطار نفسه، وكذا فيما يخص اليمن. توفير أسلحة وأموال والقيام بعمليات إرهابية هو للسيطرة على قرارات دول المنطقة ويقوم به النظام الإيراني لحماية نفسه أملاً في الاستمرار، فهو يعرف أنه من دون هذا يزول سريعاً.

لا يمكن للنظام الإيراني أن يقنع غير محدودي العقل والتفكير بأنه يعمل على إنهاء وجود الولايات المتحدة وإسرائيل، والأكيد أنه ليس دون القدرة على فعل شيء من هذا القبيل فقط ولكن دون الجراءة على القيام بتجربة ولو صغيرة في هذا الخصوص فهو يعرف جيداً كيف هو الرد الأمريكي والإسرائيلي.

شعارات «مرق مرق» الفارغة ليست إلا «نشيداً» لايزال المهووسون بالنظام الإيراني يرددونه ببلاهة.