هل تساءلتم يوماً: لماذا أغلب الخطابات التي توجه للناس تكون مكتوبة؟! وقليل جداً جداً، يكون فيها الارتجال؟!
خلال دراستنا لمادة «الخطاب الدبلوماسي» في برنامج الماجستير، كانت المحاضرة البريطانية من جامعة أكسفوود «بيليانا سكوت» تشرح لنا «خطورة الكلمات»، وكيف أن الكلمة غير الموفقة، أو الكلمة الخطأ، قد تصنع أزمة، أو قد تخلق فوضى، أو تقود لموجة عارمة من الاستياء، رغم أن النوايا لدى قائلها قد تكون صادقة تماماً، ولا تكون لديه رغبة أساساً في إثارة الرأي العام.
لذلك أغلب الخطابات الرسمية تكتب بحرفية، وتُحسب فيها المضامين بدقة، لأنك تخاطب في الأساس شرائح متباينة، وهذه الشرائح لديها محركات لردود الفعل، من ضمنها كمثال الضغوط المعيشية، أو القناعات ذات الاتجاهات المختلفة، بالتالي «مخاطبة الجموع» علم بحد ذاته.
في المقابل المشكلة في «الارتجال»، هي عملية اقتناص الكلمات والأقوال في المواقف العفوية، وخاصة أن هذه الظاهرة منتشرة بقوة اليوم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، بالتالي عدم الانتباه وحساب ما ستحدثه الكلمات من تفاسير وفهم وإدراك، قد تصنع ردود فعل غير متوقعة.
لذلك ينصح دائماً بانتقاء الكلمات التي تتناسب مع الموقف، ينصح بالانتباه حينما يكون الحديث مرتجلاً، ينصح بأن تدرس الحالة الموجودة على الأرض من مزاج عام للناس، ومن ملابسات للقضايا المعنية، حتى لا تنفجر ألغام كامنة ليست في الحسبان، دون قصد غالباً، أو بقصد في حالات لها مقاصد معينة، مع الحرص على تقديم الحقيقة بشكلها المجرد لكن عبر طرح وسياق رصين.
عموماً، خلال الأيام الماضية سادت موجات من ردود الفعل المستاءة من حديث عفوي مرتجل لوزير الإسكان المهندس باسم الحمر بشأن الوحدات السكنية خلال زيارة ميدانية، نشرت مقاطع مصورة لها وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتزامن أيضاً انتشر مقطع فيديو لمداخلة لعضو مجلس الشورى «النائب السابق» الشيخ عادل المعاودة بشأن العمالة الأجنبية والمواطن.
في الموضوع الأول، يمكنني أن أحصي أكثر من 100 مقال كتبناه خلال مسيرتنا الصحافية نتناول فيه «ملف الإسكان» على امتداد حقب مختلفة لوزراء مسكوا مسؤولية هذا الموضوع الشائك والمعقد، كتبنا وانتقدنا تكدس قوائم الانتظار، وحجم الوحدات، وملاحظات واستياء الناس، ورفضنا اشتراطات الحصول على الخدمات التي «ميزت» بين المواطنين بحسب مداخيلهم وحرمت آلافاً من استحقاق الخدمة، وكل ما يخطر على بالكم في هذا الشأن.
لكن الإنصاف والعدالة مطلوبان، وليس دفاعاً عن الوزير باسم الحمر، لكن الواقع يفيد بأنه في وقت مسؤوليته تحركت ملفات الإسكان بشكل ملحوظ، وطبعاً هذا بتوجيهات ودعم جلالة الملك حفظه الله، لكن يحسب للوزير عمله وحرصه. لكن ما انتشر من تصريحات، إن كنا بالفعل سنبحث عن الإنصاف، فإننا لا نعتقد بأن هناك نية موجودة لإثارة غضب الناس أو الاستهزاء، بل واضح من تحليل المشاهد أن هناك محاولة لبيان الإيجابيات في الوحدات المنشأة، وهنا اختلف الناس مع مضمون كلام الوزير وطريقة الطرح وتم تلويم النائب والعضو البلدي المعني.
هنا متوقع وجود ردود فعل كبيرة، وهذا أمر طبيعي لأننا نتحدث عن ملف شائك يحمل هموماً لآلاف المواطنين، وما هو ملاحظ في السنوات الأخيرة بأن مجتمعنا يلجأ دائماً لطرح قضاياه والتعبير عن همومه بأسلوب «ساخر» . لكن هنا نقطة هامة أعتقد من المهم إدراكها، بأن النقد واجب ومكفول، لكنه لا يجب أن يتحول لمادة للإساءة والتهكم والتقليل من عمل الأشخاص بالأخص المجتهدين. لذلك نكرر القول بأن مضامين الكلام المرتجل لا بد من أن تحسب حتى لا تلامس مشاعر الناس وتفجر الاستياء فيهم، وكان من الأفضل لو بررت المسألة بشح الأراضي، والرغبة في استيفاء أكبر قدر ممكن من الطلبات بما هو متاح، وأن المواطن يستحق الأفضل دائماً، وهي مبررات حقيقية وواقعية. الحادثة الأخرى، والتي نرى فيها بأن الشيخ عادل المعاودة أثار مشاعر غاضبة لدى الناس بطريقة تتضح من خلالها أنه لم يحاسب فيها لتداعيات كلمته المرتجلة، إذ كيف صعب القبول من نائب سابق وشوري حالي نعرف مواقفه الوطنية، بأن يقول «الأجنبي يجب أن يقدم علي كمواطن»؟!
الجملة بحد ذاتها وفي تركيبتها تجعل أي مواطن يغضب ويستاء، ورغم أن الشيخ عادل حاول تدارك التصريح عبر توضيح مصور في اليوم التالي، إلا أن ما قيل في جلسة الشورى صعب أن يمحى، لأن مضمونه غير مقبول لدى الناس، رغم أنه بين مقصده بالحديث من جانب إنساني، للحالات التي تتعرض للإساءات وهضم الحقوق.
الفكرة فيما نقوله هنا، بأن الخطاب الإعلامي الموجه للمجتمع «خطير جداً»، ولا يجب التساهل معه، فكلمة ليست في سياقها، ولا تعكس نوايا صاحبها، قد تنسف جهوداً تبذل، وقد تسيء لشخصيات محترمة لها جهودها وعملها.
{{ article.visit_count }}
خلال دراستنا لمادة «الخطاب الدبلوماسي» في برنامج الماجستير، كانت المحاضرة البريطانية من جامعة أكسفوود «بيليانا سكوت» تشرح لنا «خطورة الكلمات»، وكيف أن الكلمة غير الموفقة، أو الكلمة الخطأ، قد تصنع أزمة، أو قد تخلق فوضى، أو تقود لموجة عارمة من الاستياء، رغم أن النوايا لدى قائلها قد تكون صادقة تماماً، ولا تكون لديه رغبة أساساً في إثارة الرأي العام.
لذلك أغلب الخطابات الرسمية تكتب بحرفية، وتُحسب فيها المضامين بدقة، لأنك تخاطب في الأساس شرائح متباينة، وهذه الشرائح لديها محركات لردود الفعل، من ضمنها كمثال الضغوط المعيشية، أو القناعات ذات الاتجاهات المختلفة، بالتالي «مخاطبة الجموع» علم بحد ذاته.
في المقابل المشكلة في «الارتجال»، هي عملية اقتناص الكلمات والأقوال في المواقف العفوية، وخاصة أن هذه الظاهرة منتشرة بقوة اليوم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، بالتالي عدم الانتباه وحساب ما ستحدثه الكلمات من تفاسير وفهم وإدراك، قد تصنع ردود فعل غير متوقعة.
لذلك ينصح دائماً بانتقاء الكلمات التي تتناسب مع الموقف، ينصح بالانتباه حينما يكون الحديث مرتجلاً، ينصح بأن تدرس الحالة الموجودة على الأرض من مزاج عام للناس، ومن ملابسات للقضايا المعنية، حتى لا تنفجر ألغام كامنة ليست في الحسبان، دون قصد غالباً، أو بقصد في حالات لها مقاصد معينة، مع الحرص على تقديم الحقيقة بشكلها المجرد لكن عبر طرح وسياق رصين.
عموماً، خلال الأيام الماضية سادت موجات من ردود الفعل المستاءة من حديث عفوي مرتجل لوزير الإسكان المهندس باسم الحمر بشأن الوحدات السكنية خلال زيارة ميدانية، نشرت مقاطع مصورة لها وانتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتزامن أيضاً انتشر مقطع فيديو لمداخلة لعضو مجلس الشورى «النائب السابق» الشيخ عادل المعاودة بشأن العمالة الأجنبية والمواطن.
في الموضوع الأول، يمكنني أن أحصي أكثر من 100 مقال كتبناه خلال مسيرتنا الصحافية نتناول فيه «ملف الإسكان» على امتداد حقب مختلفة لوزراء مسكوا مسؤولية هذا الموضوع الشائك والمعقد، كتبنا وانتقدنا تكدس قوائم الانتظار، وحجم الوحدات، وملاحظات واستياء الناس، ورفضنا اشتراطات الحصول على الخدمات التي «ميزت» بين المواطنين بحسب مداخيلهم وحرمت آلافاً من استحقاق الخدمة، وكل ما يخطر على بالكم في هذا الشأن.
لكن الإنصاف والعدالة مطلوبان، وليس دفاعاً عن الوزير باسم الحمر، لكن الواقع يفيد بأنه في وقت مسؤوليته تحركت ملفات الإسكان بشكل ملحوظ، وطبعاً هذا بتوجيهات ودعم جلالة الملك حفظه الله، لكن يحسب للوزير عمله وحرصه. لكن ما انتشر من تصريحات، إن كنا بالفعل سنبحث عن الإنصاف، فإننا لا نعتقد بأن هناك نية موجودة لإثارة غضب الناس أو الاستهزاء، بل واضح من تحليل المشاهد أن هناك محاولة لبيان الإيجابيات في الوحدات المنشأة، وهنا اختلف الناس مع مضمون كلام الوزير وطريقة الطرح وتم تلويم النائب والعضو البلدي المعني.
هنا متوقع وجود ردود فعل كبيرة، وهذا أمر طبيعي لأننا نتحدث عن ملف شائك يحمل هموماً لآلاف المواطنين، وما هو ملاحظ في السنوات الأخيرة بأن مجتمعنا يلجأ دائماً لطرح قضاياه والتعبير عن همومه بأسلوب «ساخر» . لكن هنا نقطة هامة أعتقد من المهم إدراكها، بأن النقد واجب ومكفول، لكنه لا يجب أن يتحول لمادة للإساءة والتهكم والتقليل من عمل الأشخاص بالأخص المجتهدين. لذلك نكرر القول بأن مضامين الكلام المرتجل لا بد من أن تحسب حتى لا تلامس مشاعر الناس وتفجر الاستياء فيهم، وكان من الأفضل لو بررت المسألة بشح الأراضي، والرغبة في استيفاء أكبر قدر ممكن من الطلبات بما هو متاح، وأن المواطن يستحق الأفضل دائماً، وهي مبررات حقيقية وواقعية. الحادثة الأخرى، والتي نرى فيها بأن الشيخ عادل المعاودة أثار مشاعر غاضبة لدى الناس بطريقة تتضح من خلالها أنه لم يحاسب فيها لتداعيات كلمته المرتجلة، إذ كيف صعب القبول من نائب سابق وشوري حالي نعرف مواقفه الوطنية، بأن يقول «الأجنبي يجب أن يقدم علي كمواطن»؟!
الجملة بحد ذاتها وفي تركيبتها تجعل أي مواطن يغضب ويستاء، ورغم أن الشيخ عادل حاول تدارك التصريح عبر توضيح مصور في اليوم التالي، إلا أن ما قيل في جلسة الشورى صعب أن يمحى، لأن مضمونه غير مقبول لدى الناس، رغم أنه بين مقصده بالحديث من جانب إنساني، للحالات التي تتعرض للإساءات وهضم الحقوق.
الفكرة فيما نقوله هنا، بأن الخطاب الإعلامي الموجه للمجتمع «خطير جداً»، ولا يجب التساهل معه، فكلمة ليست في سياقها، ولا تعكس نوايا صاحبها، قد تنسف جهوداً تبذل، وقد تسيء لشخصيات محترمة لها جهودها وعملها.