لانخفاض سقف الحرية العربي، نمى إعلام مدافع، ينتظر الحدث ولا يصنعه، يسمونه إعلام المناسبات أو رد فعل للأحداث. ثم ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، ورفعت السقف لكن في العتمة، ولم ينسَ فرسانها تراث التفاعل مع المناسبات، ومن ذلك نشر أحدهم بيت الشاعر القروي رشيد سليم الخوري القائل:
لو كنت من أهل المكارم لم تكن
من جيب غيرك محسناً يا بلفرُ
متجاوباً مع حدث الأسبوع حين قام الرئيس ترامب في 21 مارس 2019 وغرد «حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بشكل كامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان»، هذا الربط بين ترامب والقروي دفعني لإعادة قراءة قصيدته اللاهبة «وعد بلفور» رداً على رسالة جيمس بلفور 2 نوفمبر1917 إلى روتشيلد بتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وتم اعتمادها في اتفاقية باريس سنة 1919. ولا بد من أن أشيد بقدرة العرب قبل قرن على متابعة الأحداث، لكنها متابعة من يعرف عمق البئر التي سيلقونه فيها، لكن لا يعرف سبيلاً لإيقافهم. المفارقة الأخرى هي أن الشاعر القروي كان مؤمنا بانتصار العرب منذ أن أطلّ وعد بلفور 1917. ومن سوء طالع الشاعر أنه عاش ما يقارب القرن 1887 ـ 1984 ولم يسترجع غفر الله له عن بيته:
لا يخدعنّ بنيك أنّا أمةٌ
صبرت، فليس بميّت من يصبرُ
وأستطيع تفهم صبره فقد كان الشاعر القروي مسكوناً بحب العرب والعروبة حتى إنه باع مصنع ربطات العنق الذي أقامه في البرازيل وعاد ليموت في بيروت الحرب الأهلية يتتبع أخبارها من بيته بالبربارة. وقد صدق في بيت واحد لم يكن يقصد به إلا صفة الصبر التي امتدت لقرن:
تتغير الأجرام في أفلاكها
وصفاتنا الغراء لا تتغيرُ
وقد حفلت القصيدة وهي لرجل مسيحي اشتهر بحب الرسول محمد بطريقة تثلج الصدر، حفلت بحب للعرب وحث لهم على استعادة أمجادهم، لكنه كان يعاني من قصور في الاستشراف العقلاني بدل جموح الشاعر العاطفي حيث لم تكن النتيجة إلا عكس ما تنبأ تماماً:
عد من تشاء بما تشاء فإنما
دعواه خاسرة ووعدك أخسرُ
فلقد نفوز ونحن أضعف أمة
وتؤوب مغلوباً وأنت الأقدرُ
أما دعوة الشاعر القروي لصلاح الدين الأيوبي، فهي ليست خارج سياقها الديني بل خارج سياقها السياسي أيضاً، فلم نعد في حرب مع الصليبيين، فشبابنا يرتدون قمصان الصلبان القشتالية وأسود وسيوف غرسها رجال حركة الاسترداد الإسبانية في صدور أهل غرناطة، بالإضافة إلى أن صلاح الدين لو عاد فسوف نحتار في أي معسكر سيقف، غريم تركيا حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» أوحليف أمريكا وحدات حماية الشعب الكردية، وكلاهما إرهابي في مقاييس دول الجوار:
يدعوك شعبك يا صلاح الدين قم
تأبى المروءة أن تنام ويسهروا
* بالعجمي الفصيح:
أهم ما في قصيدة «وعد بلفور» أبيات مثقلة بالعتب العاطفي، خففت شعورنا بالهوان، وكشفت أن العرب قبل قرن كانوا مثلنا يعانون من متلازمة ستوكهولم النفسية «Stockholm Syndrome» حيث يتعاطف الضحية مع عدوه كحالنا مع حليفنا الاستراتيجي:
هُنّا عليك لطيبة عربية
خِلناك مبتسماً وأنت مُكشّرُ
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج
لو كنت من أهل المكارم لم تكن
من جيب غيرك محسناً يا بلفرُ
متجاوباً مع حدث الأسبوع حين قام الرئيس ترامب في 21 مارس 2019 وغرد «حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بشكل كامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان»، هذا الربط بين ترامب والقروي دفعني لإعادة قراءة قصيدته اللاهبة «وعد بلفور» رداً على رسالة جيمس بلفور 2 نوفمبر1917 إلى روتشيلد بتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وتم اعتمادها في اتفاقية باريس سنة 1919. ولا بد من أن أشيد بقدرة العرب قبل قرن على متابعة الأحداث، لكنها متابعة من يعرف عمق البئر التي سيلقونه فيها، لكن لا يعرف سبيلاً لإيقافهم. المفارقة الأخرى هي أن الشاعر القروي كان مؤمنا بانتصار العرب منذ أن أطلّ وعد بلفور 1917. ومن سوء طالع الشاعر أنه عاش ما يقارب القرن 1887 ـ 1984 ولم يسترجع غفر الله له عن بيته:
لا يخدعنّ بنيك أنّا أمةٌ
صبرت، فليس بميّت من يصبرُ
وأستطيع تفهم صبره فقد كان الشاعر القروي مسكوناً بحب العرب والعروبة حتى إنه باع مصنع ربطات العنق الذي أقامه في البرازيل وعاد ليموت في بيروت الحرب الأهلية يتتبع أخبارها من بيته بالبربارة. وقد صدق في بيت واحد لم يكن يقصد به إلا صفة الصبر التي امتدت لقرن:
تتغير الأجرام في أفلاكها
وصفاتنا الغراء لا تتغيرُ
وقد حفلت القصيدة وهي لرجل مسيحي اشتهر بحب الرسول محمد بطريقة تثلج الصدر، حفلت بحب للعرب وحث لهم على استعادة أمجادهم، لكنه كان يعاني من قصور في الاستشراف العقلاني بدل جموح الشاعر العاطفي حيث لم تكن النتيجة إلا عكس ما تنبأ تماماً:
عد من تشاء بما تشاء فإنما
دعواه خاسرة ووعدك أخسرُ
فلقد نفوز ونحن أضعف أمة
وتؤوب مغلوباً وأنت الأقدرُ
أما دعوة الشاعر القروي لصلاح الدين الأيوبي، فهي ليست خارج سياقها الديني بل خارج سياقها السياسي أيضاً، فلم نعد في حرب مع الصليبيين، فشبابنا يرتدون قمصان الصلبان القشتالية وأسود وسيوف غرسها رجال حركة الاسترداد الإسبانية في صدور أهل غرناطة، بالإضافة إلى أن صلاح الدين لو عاد فسوف نحتار في أي معسكر سيقف، غريم تركيا حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» أوحليف أمريكا وحدات حماية الشعب الكردية، وكلاهما إرهابي في مقاييس دول الجوار:
يدعوك شعبك يا صلاح الدين قم
تأبى المروءة أن تنام ويسهروا
* بالعجمي الفصيح:
أهم ما في قصيدة «وعد بلفور» أبيات مثقلة بالعتب العاطفي، خففت شعورنا بالهوان، وكشفت أن العرب قبل قرن كانوا مثلنا يعانون من متلازمة ستوكهولم النفسية «Stockholm Syndrome» حيث يتعاطف الضحية مع عدوه كحالنا مع حليفنا الاستراتيجي:
هُنّا عليك لطيبة عربية
خِلناك مبتسماً وأنت مُكشّرُ
* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج