الفيديو الذي أثار الضجة أثار الرعب والقلق أيضاً لا خوفاً مما قد يجري في مدرسة مدينة حمد الإعدادية فحسب بل خوفاً أن تكون تلك القصة تجري في مدينة حمد بأسرها لا في المدرسة فقط، والخوف بأن هذا ما يجري في بقية المدارس.

لهذا فزع الناس من أن يكون وضع أبنائنا في المدارس الحكومية مماثلاً لتلك الحكاية، مخدرات ودعارة وهتك عرض!! فزع الناس بسبب طريقة عرض القصة فلم يتضح إن كانت حالة فردية أم حالة عامة، ثم زاد قلق الناس لعدم وضوح الإجراءات الرسمية التي تتبع في مثل هكذا حالات!!!!! فوجود حالات انحراف سلوكي بين الطلبة موجود في كل الدول والمجتمعات، الفارق أن المجتمعات تطمئن من سلامة الإجراءات المعالجة، وخارج سياق الفيديو تسبب تردد الرواية الرسمية بزيادة قلق الناس.

إنما ما زاد الطين بلة أن التسجيل وهو الذي يهدف للإصلاح ونفاذ القانون، لم يبالِ بالتشهير بالأسماء مما يعد جريمة بحد ذاتها يعاقب عليها القانون، ولا يستقيم هذا الفعل مع الرغبة الإصلاحية التي هي من المفروض الهدف من التسجيل من الأساس.

ثم زاده ذلك التلميح بأن هناك أشخاصاً فوق القانون بطريقة صورت الأمر بأن ذكر تلك الأسماء سيترتب عليه خطر ما، وتلك تهمة خطيرة إن لم يكن هناك ما يثبتها فيكون التسجيل وأصحابه متهمين في هذه الحالة بالادعاء بأن هناك متنفذين فوق القانون يروجون المخدرات وأن المؤسسات الرسمية تتستر عليهم.

الخلاصة أنها مصيبة في الحالتين مصيبة أن ثبت التستر من الجهات الرسمية على متنفذين، ومصيبة أن يكون من بيننا تربويون يتهمون مؤسسات إنفاذ القانون زوراً في وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر محزن في كلتا الحالتين ومثير للقلق.

من حق الناس أن تعرف حقيقة ما حدث وتطمئن، وتعرف حقيقة الوضع الأمني في المدينة التي وقعت فيها الحادثة، بالإحصائيات وبالأرقام فإن كانت معدلات الجريمة والجنح وضبطيات المخدرات مرتفعة في مدينة حمد فإن القصة التي ذكرت ما هي إلا انعكاس للمحيط الخارجي ورأس لجبل الجليد، والمشكلة في هذه الحالة لن تكون حصراً في المدارس ويحتاج الأمر إلى معالجة جذرية.وإن كانت المعدلات منخفضة فإننا أمام حالة فردية تمت معالجتها إعلامياً بشكل مبالغ فيه، والأهم تمت معالجتها رسمياً بشكل قاصر وخاطئ في المدرسة وعلينا إعادة النظر في إجراءاتنا، فلا يمكن أن تعالج مثل هذه الحالات بتحقيق منفصل تقوم به الوزارة وينتهي بالفصل، فالمشكلة هنا تدخل فيها أطراف عديدة كان لا بد من إخطارها.

المعالجة في النهاية لا يجب أن تقف عند لجنة الوزراء التي شكلها مشكوراً سمو رئيس الوزراء المتابع دوماً لما يجري في الشارع، بل تحتاج إلى عمل ميداني جماعي لأطراف العلاقة في مدينة حمد، يحتاج الأمر بعد الانتهاء من التحقيق إلى الأمر بمائدة مستديرة تضم مدراء المدارس في مدينة حمد لأنهم الأقرب للطلبة ومدير مركز الشرطة والنائب البلدي ومحافظ الشمالية والمركز الصحي ومدراء الأندية والمراكز الشبابية ومعهم ممثلون عن الأهالي كي يجمعوا أولاً هذا الشتات المؤسسي فيما بينهم ليتمكنوا من التنسيق لحصر تلك المشاكل وتبعاتها وللإحاطة بجميع أطرافها، إذ اتضح غياب التنسيق فيما بينها من خلال تلك الحادثة، وتعمل على إعادة النظر بالإجراءات المتبعة في هكذا حالات، فتلك ليست مسؤولية وزارة التربية وحدها، أين الداخلية والنيابة؟ وتتضح هنا أهمية «محاكم العدالة للأطفال» ذلك المشروع بقانون المقدم للنواب، والذي يختص بالنظر في قضايا الأطفال بشكل يضمن حقوقهم وخصوصيتهم.

ودائماً ما تحضرني قصة عمدة نيويورك «جولياني» وكيف حول المدينة من مدينة جرائم وعنف وعقارات مهجورة أصبحت أوكاراً، وكيف حولها في سنوات معدودة من مدينة هجرها أهلها ونزل سعر العقار فيها إلى مدينة مزدهرة انخفضت فيها معدلات الجرائم وارتفع فيها سعر العقار. له نظرية أصبحت تدرس أطلق عليها نظرية «النافذة المكسورة» يقول إن الحل بدأ بإصلاح النوافذ المكسورة في العمارات المهجورة وإصلاح أبوابها وغلقها جيداً. فهو يرى أن النافذة المكسورة في أي عقار تشير إلى أن القانون غير موجود وغائب وإصلاحها يأتي على رأس أولوياته، لم يضع خفض جرائم القتل من أولوياته، بل وضع خفض المخالفات والجنح أولاً، وبالتعاون مع المدارس وشرطة المرور والبلديات، ركز على التفاصيل الصغيرة ووضع خارطة المدينة في غرفة الاجتماعات ويومياً يقدم الجميع إيجازاً لكل حادثة صغيرة وأين وقعت، أصبحت الصورة أوضح وتم ربط القصص وتحديد أساس المشكلة، وتلقائياً انخفض معدل الجريمة فالحل يبدأ من تحت أي من القصص الصغيرة.

نحن بحاجة إلى أن نعالج مشكلة مدينة حمد ككل لا معالجة هذه الحكاية فقط، عل حلها يعد قصة نجاح نستشهد بها ونطبقها على مناطق أخرى وهذا ممكن وليس ببعيد، فليس الحل دائماً في قتل الناطور.

وقد تكون اللجنة التي شكلها سمو رئيس الوزراء للتحقيق في هذه الحادثة فاتحة لا نقف عندها فحسب بل نفكر فيما يليها.