أنقل لكم اليوم قصة تقول بأن أحد زعماء المافيا اكتشف بأن المحاسب لديه كان يختلس من أمواله عبر السنين، حتى وصل مجموع ما اختلسه مبلغ عشرة ملايين دولار!
المحاسب كان أصماً أبكماً يتم التواصل معه عن طريق لغة الإشارة فقط، وهذا كان السبب الأوحد لاختياره في هذا المنصب الحساس، فالمحاسب الأصم لن يسمع شيئاً قد يشهد به أمام المحاكم.
عندما قرر الزعيم أن يواجهه بما اكتشفه عنه، أخذ معه خبيراً في لغة الإشارة، وقال له: قم بسؤاله أين العشرة ملايين دولار التي اختلسها؟! سأله الخبير عن طريق لغة الإشارة، فأجابه المحاسب بذات اللغة أنه لا يعرف عن ماذا يتحدث الزعيم.
قال الخبير للزعيم: إنه يقول بأنه لا يعرف عن ماذا تتحدث يا سيدي.
أشهر الزعيم مسدسه وألصقه بجبهة المحاسب وقال للخبير: اسأله مرة أخرى.
سأله الخبير ثانية بلغة الإشارة: سوف يقتلك إن لم تخبره عن مكان النقود.
أجاب المحاسب بلغة الإشارة: حسناً، النقود تجدها في حقيبة سوداء مدفونة خلف مستودع السيارات الموجود في الحي الخلفي.
سأل الزعيم خبير اللغة: ماذا قال لك؟!
أجاب الخبير: إنه يقول إنك جبان ومجرد حشرة، ولا تملك الشجاعة لإطلاق النار عليه!
حينها أطلق الزعيم النار على المحاسب، وانتهى الأمر لصالح خبير لغة الإشارة!
خلاصة القصة كما يوردها راويها تقول: إنه من الخطأ الفادح أن تضع ثقتك كلها في شخص ما، لعلك تكتشف بعد حين أن تلك الثقة لم تكن في محلها، تلك ما تسمى بـ «الثقة العمياء»، فيكون السقوط مدوياً، والخسارة فادحة!
أما تعليقي الشخصي على هذه القصة ومجرياتها وتداعياتها وما يستفاد منها، فأبدأه بتساؤل أجزم بأنه تبادر إلى أذهانكم على الفور، إذ كم من الأشخاص لدينا ممن منحوا الثقة العمياء، وفي النهاية كانت النتيجة مثلما فعل الخبير، بأن قام بتضليل المسؤول، وراح ضحية لهذا التضليل أفراد آخرين، وبموازاة ذلك كانت هناك خسائر فادحة مادياً ومعنوياً وإدارياً .. إلخ؟!
المشكلة التي تواجهنا اليوم هي وجود مثل هؤلاء الانتهازيين، والذين لا يمتلكون أدنى مستويات المبادئ والأخلاقيات، وبالتالي يعملون بلا ضمير، وبلا أمانة، فإن تحصلت لهم الفرصة للكذب على المسؤول الكبير، أو تضليله من خلال معلومات مغلوطة، أو حرف للحقائق، أو تزوير للوقائع، فإنهم لا يترددون لحظة عن ممارسة كل هذه الأساليب الدنيئة والسيئة.
الثقة غالية، لا يجب أن تمنح بسهولة لأي كان، إلا بعد إجراء بحث عميق عنه، وعن شخصيته، وعن تاريخه، وأيضاً إخضاعه لاختيارات غير مباشرة، تكشف لنا صفاته والأهم «مدى قابليته للفساد والإفساد» أو تكشف لنا في المقابل عن «مستوى نزاهته والتزامه بالمبادئ».
لسنا في مدينة فاضلة، ولنا الظاهر في كثير من الحالات، لكن البحث والتقصي، وتقييم الواقع العملي يكشف لنا عن تزايد لمثل هذه النوعيات من البشر، والدليل وجود قصص وأمثلة عديدة في قطاعات متنوعة، وجود فساد إداري ومالي يقف وراءه أفراد، بعضهم يتم تضليله، وبعضهم متقصد في التنفيذ، ولدينا تقارير للرقابة المالية والإدارية، المخالفات الموثقة فيها لم تحصل بسبب أنظمة عملية موضوعه، بل بسبب العنصر البشري الذي يحدد إما تسيير الأمور بشكلها الصحيح والمثالي، أو تسييرها بشكل استغلالي وفاسد.
الأخطر من ذلك حينما يكون المسؤول الأول نزيهاً ونظيفاً وصاحب مبادئ ويعمل لأجل المصلحة العامة وأهداف الدولة السامية، لكن من يكونون تحته يلعبون نفس الدور الذي لعبه «الخبير» في القصة، هناك تحصل الكارثة، لأن الحقيقة تكون غائبة بل «مقتولة»، والكذب والتدليس والنفاق يحل محلها في كل المواقف.
لذا النصيحة للمسؤولين بأن احذروا من هؤلاء، هم من لأجل مصالحهم الشخصية قد يحولونكم لضحايا المناصب، وهم من قد يشوهون صورتكم مجتمعياً، وهم من قد ينهون مشواركم الإداري، لأن المسؤول في النهاية هو المتحمل للمسؤولية أولاً وأخيراً.
{{ article.visit_count }}
المحاسب كان أصماً أبكماً يتم التواصل معه عن طريق لغة الإشارة فقط، وهذا كان السبب الأوحد لاختياره في هذا المنصب الحساس، فالمحاسب الأصم لن يسمع شيئاً قد يشهد به أمام المحاكم.
عندما قرر الزعيم أن يواجهه بما اكتشفه عنه، أخذ معه خبيراً في لغة الإشارة، وقال له: قم بسؤاله أين العشرة ملايين دولار التي اختلسها؟! سأله الخبير عن طريق لغة الإشارة، فأجابه المحاسب بذات اللغة أنه لا يعرف عن ماذا يتحدث الزعيم.
قال الخبير للزعيم: إنه يقول بأنه لا يعرف عن ماذا تتحدث يا سيدي.
أشهر الزعيم مسدسه وألصقه بجبهة المحاسب وقال للخبير: اسأله مرة أخرى.
سأله الخبير ثانية بلغة الإشارة: سوف يقتلك إن لم تخبره عن مكان النقود.
أجاب المحاسب بلغة الإشارة: حسناً، النقود تجدها في حقيبة سوداء مدفونة خلف مستودع السيارات الموجود في الحي الخلفي.
سأل الزعيم خبير اللغة: ماذا قال لك؟!
أجاب الخبير: إنه يقول إنك جبان ومجرد حشرة، ولا تملك الشجاعة لإطلاق النار عليه!
حينها أطلق الزعيم النار على المحاسب، وانتهى الأمر لصالح خبير لغة الإشارة!
خلاصة القصة كما يوردها راويها تقول: إنه من الخطأ الفادح أن تضع ثقتك كلها في شخص ما، لعلك تكتشف بعد حين أن تلك الثقة لم تكن في محلها، تلك ما تسمى بـ «الثقة العمياء»، فيكون السقوط مدوياً، والخسارة فادحة!
أما تعليقي الشخصي على هذه القصة ومجرياتها وتداعياتها وما يستفاد منها، فأبدأه بتساؤل أجزم بأنه تبادر إلى أذهانكم على الفور، إذ كم من الأشخاص لدينا ممن منحوا الثقة العمياء، وفي النهاية كانت النتيجة مثلما فعل الخبير، بأن قام بتضليل المسؤول، وراح ضحية لهذا التضليل أفراد آخرين، وبموازاة ذلك كانت هناك خسائر فادحة مادياً ومعنوياً وإدارياً .. إلخ؟!
المشكلة التي تواجهنا اليوم هي وجود مثل هؤلاء الانتهازيين، والذين لا يمتلكون أدنى مستويات المبادئ والأخلاقيات، وبالتالي يعملون بلا ضمير، وبلا أمانة، فإن تحصلت لهم الفرصة للكذب على المسؤول الكبير، أو تضليله من خلال معلومات مغلوطة، أو حرف للحقائق، أو تزوير للوقائع، فإنهم لا يترددون لحظة عن ممارسة كل هذه الأساليب الدنيئة والسيئة.
الثقة غالية، لا يجب أن تمنح بسهولة لأي كان، إلا بعد إجراء بحث عميق عنه، وعن شخصيته، وعن تاريخه، وأيضاً إخضاعه لاختيارات غير مباشرة، تكشف لنا صفاته والأهم «مدى قابليته للفساد والإفساد» أو تكشف لنا في المقابل عن «مستوى نزاهته والتزامه بالمبادئ».
لسنا في مدينة فاضلة، ولنا الظاهر في كثير من الحالات، لكن البحث والتقصي، وتقييم الواقع العملي يكشف لنا عن تزايد لمثل هذه النوعيات من البشر، والدليل وجود قصص وأمثلة عديدة في قطاعات متنوعة، وجود فساد إداري ومالي يقف وراءه أفراد، بعضهم يتم تضليله، وبعضهم متقصد في التنفيذ، ولدينا تقارير للرقابة المالية والإدارية، المخالفات الموثقة فيها لم تحصل بسبب أنظمة عملية موضوعه، بل بسبب العنصر البشري الذي يحدد إما تسيير الأمور بشكلها الصحيح والمثالي، أو تسييرها بشكل استغلالي وفاسد.
الأخطر من ذلك حينما يكون المسؤول الأول نزيهاً ونظيفاً وصاحب مبادئ ويعمل لأجل المصلحة العامة وأهداف الدولة السامية، لكن من يكونون تحته يلعبون نفس الدور الذي لعبه «الخبير» في القصة، هناك تحصل الكارثة، لأن الحقيقة تكون غائبة بل «مقتولة»، والكذب والتدليس والنفاق يحل محلها في كل المواقف.
لذا النصيحة للمسؤولين بأن احذروا من هؤلاء، هم من لأجل مصالحهم الشخصية قد يحولونكم لضحايا المناصب، وهم من قد يشوهون صورتكم مجتمعياً، وهم من قد ينهون مشواركم الإداري، لأن المسؤول في النهاية هو المتحمل للمسؤولية أولاً وأخيراً.