إن أكثر الشعوب الراقية، هي ليست بالضرورة الشعوب المنتجة وحسب، وإنما الشعوب المتعلِّمة والمستفِيدة من تجارب غيرها من الشعوب والأمم الأخرى. ففي زماننا هذا لا معنى للسخرية من الشعوب الفقيرة والبعيدة والتي كانت يوماً من الأيام وبسبب ظروفها من الشعوب النَّامية، لكنها أصبحت اليوم من الشعوب المهمة والكبيرة بفضل صبرها واستفادتها القصوى من تجارب الشعوب والدول المتقدمة.

الهند، هذه الدولة الآسيوية العميقة هي مثال حي لفكرة «الشعب» الذي يستفيد من خبرات الشعوب الأخرى ويتعلم من تراكم خبراته المعرفية والتاريخية حتى بات ينافس اليوم غالبية شعوب الدول العظمى من ناحية التطور والتقدم العلمي والمعرفي.

قبل أيام معدودات فقط، أطلقت الهند 29 قمراً صناعياً إلى الفضاء دفعة واحدة، وأوضحت منظمة البحوث الفضائية الهندية أن علمية إطلاق الأقمار باتت أول عملية إطلاق فضائي لها، يتمكن الناس من مشاهدتها بشكل حي من المركز الفضائي. ولتشجيع الناس على مشاهدة عمليات إطلاق الصواريخ في المستقبل، ستقوم ببناء منصات خاصة تتسع لنحو 5000 شخص.

هذه هي الدولة التي عادة ما يسخر بعضنا منها ومن شعبها، حتى أصبحت ردحاً من الزمان مضرباً للأمثال والنكات الخاصة بالأغبياء والسّذج. بل إن بعضنا بدأ يصدِّق أن الشعب الهندي من الشعوب الغبية والمغفلة.

بعد زمن من النكت السخيفة الموجهة ضد الهنود، وبينما كان البعض يضحك عليهم وإذا نجدهم في مقدمة الرَّكب، بينما من كان يضحك أصبح في القاع المزدحم وفي ذيل قائمة الدول المتأخرة.

الفكرة تقول، بأنه يجب علينا أن نتعلم من كافة الشعوب في المجالات التي تثري حياتنا ومعارفنا وقدراتنا العلمية، وألا نحتقر أي شعب من الشعوب في مرحلة من مراحله، بل يجب علينا أن ننشغل ببناء أنفسنا قبل الانشغال بعيوب وضعف قدرات غيرنا لأسباب خارج إرادتهم في غالب الأحيان.

كل الأرقام الحالية ترشدنا أن القوي هو من يملك الفضاء والاختراعات والصواريخ العلمية وليس الذي يصوغ النكت الساخرة ضد شعوب فاقته بمراحل كبيرة. فنحن أبناء مدرسة الحياة وليس أبناء قواعد الفراغ، هذا ما يجب أن يتعلمه الجميع من الهند العظمى في كل مراحلها، مذ كانت جسراً مهماً لطريق الحرير وحتى يوم أن غزت السماء.