كم كان جميلاً ولافتاً للانتباه اهتمام الجمهور في مملكة البحرين بمئوية التعليم النظامي الحكومي، والتفاعل الإيجابي مع الفعاليات التي شهدتها المملكة بهذه المناسبة.
ومن مظاهر هذا الاهتمام والعناية ما أثير في بعض الكتابات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي من ملاحظات ونقاشات حول بدء التعليم النظامي، فبدا وكأنما هنالك تنازع بين رأيين: الأول يشير إلى أن أول تعليم نظامي كان مع مدرسة الإرسالية الأمريكية في 1899، في حين يرى القسم الأكبر من الجمهور أن البداية الفعلية للتعليم النظامي كانت مع تأسيس مدرسة الهداية الخليفية. والحقيقة أن هذا التنازع شكي وناجم عن لبس في استخدام مصطلح «النظامي».
فمصطلح النظامي لا يقصد به «الحكومي» وإنما التعليم المنظم القائم على دورة عمل مدرسية منتظمة ومناهج وحصص ومعلمين وتقييم واختبارات وغير ذلك من متطلبات التعليم النظامي العصري، وبهذا المعنى كانت مدرسة الإرسالية الأمريكية هي أول مدرسة تقترب من هذا التصنيف. حيث اعتمدت على نظام الحصص والجدول الأسبوعي والمعارف الحديثة. غير أنها في سنواتها الأولى بدأت العمل في شرفة الإرسالية بتعليم البنات المقيمات للعمل في منزل الإرسالية. واقتصرت عملية التدريس على جهد السيدة إيمي زويمر زوجة القس صموئيل زويمر رئيس الإرسالية الأمريكية، ولم تعتمد على المناهج وتطبيق الاختبارات والانتقال بين الصفوف. وفضلاً على ذلك فإنها لم تكن مدرسة حكومية ولا موجهة أصلاً للأهالي بوجه خاص، حيث كانت مدرسة تبشيرية بالدرجة الأولى.
أما النقلة المفصلية في تاريخ التعليم النظامي الحديث في البحرين فكانت مشروع تأسيس مدرسة الهداية الخليفية للبنين عام 1919، كأول مدرسة نظامية حكومية. وهي لم تكن مجرد مدرسة، بل هي مشروع تعليمي متكامل هو الأول من نوعه في منطقة الخليج. فقد قام على مبادرة أهلية حكومية مشتركة تعكس مدى وعي المجتمع والقيادة بالحاجة إلى تعليم عصري ينسجم مع هوية المجتمع وشخصيته واحتياجاته.
ويعد تأسيس الهداية مشروعاً تربوياً متكاملاً من حيث إنه المشروع التعليمي الأول في الخليج الذي تساهم فيه الدولة حيث تبرع حاكم البحرين بالأرض التي بنيت عليها المدرسة وبمبلغ مالي لبناء المدرسة. وقد أقر الأعيان المجتمعون انتخاب الأعضاء المديرين للمدرسة وتوزيع أدوارهم. وحددوا ميزانية المدرسة وسبل إنفاقها. ووضع مستشار التعليم حينها الأستاذ عبدالله صدقة دحلان نظاماً تسير عليه المدرسة مكوناً من عشرين مادة اعتبر أول نظام تعليمي مكتوب في منطقة الخليج. وتم استقدام مناهج تعليمية من الخارج ومعلمين من مختلف الأقطار العربية. وتميزت مدرسة الهداية منذ انطلاقتها بتفعيل مفهوم «النظام التعليمي» من توفير معلمين لمختلف التخصصات وتطبيق الاختبارات والامتحانات وإصدار الشهادات والانتقال بين الصفوف، وغيرها من مظاهر التعليم النظامي الحديث.
إن مشروع مدرسة الهداية الخليفية هو النواة المبكرة التي تفرع عنها التعليم الحكومي الحديث في البحرين فتأسست بعدها عدة مدارس للبنين في مناطق مختلفة من البلاد، ثم افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات تحت اسم مدرسة الهداية الخليفية. وما نتج عن ذلك التفرع من العمليات المتلاحقة والممنهجة لتقييم التعليم وتطويره والتوسع فيه وافتتاح المدرسة الصناعية ثم المدرسة الثانوية وإرسال البعثات الطلابية من البنين والبنات للدراسة في الخارج، وبدء تأسيس مؤسسات التعليم العالي.
ولذلك، فإننا حين نحتفل بمرور مائة عام على التعليم النظامي في البحرين، وتأسيس أول مدرسة نظامية حكومية في عام 1919، فإننا نحتفل بأول مشروع تعليمي وطني تشرف عليه الدولة ويعمق تشييد مؤسسات الدولة الحديثة في البحرين في ذلك التاريخ المبكر. كما إنه جسد تلاحم الشعب مع الأسرة الحاكمة في تأسيس صرح وطني حضاري أسهم في تغيير البنية الاجتماعية والثقافية للبحرين. فالأمم المتحضرة تحتفل بإنجازاتها الوطنية وتعمد إلى تطويرها وتعزيز مكانتها. ولا أدل على ذلك من صدور الأمر السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، بتأسيس جامعة الهداية الخليفية، إذ قامت وزارة التربية والتعليم بالتواصل مع عدد من الجامعات الدولية لتنفيذ برامج أكاديمية نادرة تخدم سوق العمل وتؤهل خريجين ذوي كفاءة عالية.
{{ article.visit_count }}
ومن مظاهر هذا الاهتمام والعناية ما أثير في بعض الكتابات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي من ملاحظات ونقاشات حول بدء التعليم النظامي، فبدا وكأنما هنالك تنازع بين رأيين: الأول يشير إلى أن أول تعليم نظامي كان مع مدرسة الإرسالية الأمريكية في 1899، في حين يرى القسم الأكبر من الجمهور أن البداية الفعلية للتعليم النظامي كانت مع تأسيس مدرسة الهداية الخليفية. والحقيقة أن هذا التنازع شكي وناجم عن لبس في استخدام مصطلح «النظامي».
فمصطلح النظامي لا يقصد به «الحكومي» وإنما التعليم المنظم القائم على دورة عمل مدرسية منتظمة ومناهج وحصص ومعلمين وتقييم واختبارات وغير ذلك من متطلبات التعليم النظامي العصري، وبهذا المعنى كانت مدرسة الإرسالية الأمريكية هي أول مدرسة تقترب من هذا التصنيف. حيث اعتمدت على نظام الحصص والجدول الأسبوعي والمعارف الحديثة. غير أنها في سنواتها الأولى بدأت العمل في شرفة الإرسالية بتعليم البنات المقيمات للعمل في منزل الإرسالية. واقتصرت عملية التدريس على جهد السيدة إيمي زويمر زوجة القس صموئيل زويمر رئيس الإرسالية الأمريكية، ولم تعتمد على المناهج وتطبيق الاختبارات والانتقال بين الصفوف. وفضلاً على ذلك فإنها لم تكن مدرسة حكومية ولا موجهة أصلاً للأهالي بوجه خاص، حيث كانت مدرسة تبشيرية بالدرجة الأولى.
أما النقلة المفصلية في تاريخ التعليم النظامي الحديث في البحرين فكانت مشروع تأسيس مدرسة الهداية الخليفية للبنين عام 1919، كأول مدرسة نظامية حكومية. وهي لم تكن مجرد مدرسة، بل هي مشروع تعليمي متكامل هو الأول من نوعه في منطقة الخليج. فقد قام على مبادرة أهلية حكومية مشتركة تعكس مدى وعي المجتمع والقيادة بالحاجة إلى تعليم عصري ينسجم مع هوية المجتمع وشخصيته واحتياجاته.
ويعد تأسيس الهداية مشروعاً تربوياً متكاملاً من حيث إنه المشروع التعليمي الأول في الخليج الذي تساهم فيه الدولة حيث تبرع حاكم البحرين بالأرض التي بنيت عليها المدرسة وبمبلغ مالي لبناء المدرسة. وقد أقر الأعيان المجتمعون انتخاب الأعضاء المديرين للمدرسة وتوزيع أدوارهم. وحددوا ميزانية المدرسة وسبل إنفاقها. ووضع مستشار التعليم حينها الأستاذ عبدالله صدقة دحلان نظاماً تسير عليه المدرسة مكوناً من عشرين مادة اعتبر أول نظام تعليمي مكتوب في منطقة الخليج. وتم استقدام مناهج تعليمية من الخارج ومعلمين من مختلف الأقطار العربية. وتميزت مدرسة الهداية منذ انطلاقتها بتفعيل مفهوم «النظام التعليمي» من توفير معلمين لمختلف التخصصات وتطبيق الاختبارات والامتحانات وإصدار الشهادات والانتقال بين الصفوف، وغيرها من مظاهر التعليم النظامي الحديث.
إن مشروع مدرسة الهداية الخليفية هو النواة المبكرة التي تفرع عنها التعليم الحكومي الحديث في البحرين فتأسست بعدها عدة مدارس للبنين في مناطق مختلفة من البلاد، ثم افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات تحت اسم مدرسة الهداية الخليفية. وما نتج عن ذلك التفرع من العمليات المتلاحقة والممنهجة لتقييم التعليم وتطويره والتوسع فيه وافتتاح المدرسة الصناعية ثم المدرسة الثانوية وإرسال البعثات الطلابية من البنين والبنات للدراسة في الخارج، وبدء تأسيس مؤسسات التعليم العالي.
ولذلك، فإننا حين نحتفل بمرور مائة عام على التعليم النظامي في البحرين، وتأسيس أول مدرسة نظامية حكومية في عام 1919، فإننا نحتفل بأول مشروع تعليمي وطني تشرف عليه الدولة ويعمق تشييد مؤسسات الدولة الحديثة في البحرين في ذلك التاريخ المبكر. كما إنه جسد تلاحم الشعب مع الأسرة الحاكمة في تأسيس صرح وطني حضاري أسهم في تغيير البنية الاجتماعية والثقافية للبحرين. فالأمم المتحضرة تحتفل بإنجازاتها الوطنية وتعمد إلى تطويرها وتعزيز مكانتها. ولا أدل على ذلك من صدور الأمر السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، بتأسيس جامعة الهداية الخليفية، إذ قامت وزارة التربية والتعليم بالتواصل مع عدد من الجامعات الدولية لتنفيذ برامج أكاديمية نادرة تخدم سوق العمل وتؤهل خريجين ذوي كفاءة عالية.