اقترن ظهور مفهوم المواطنة بظهور مفهوم الدولة المدنية ككيان سياسي يحكمه الدستور والقوانين لتنظيم العلاقات بين مؤسسات الدولة والفرد ومبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ولإعطاء كل ذي حق حقه لذلك لم تعد المواطنة تعني ذلك المفهوم التقليدي الذي ينحصر في مفهوم الواجبات والحقوق التي تسند للمواطن وما يصاحبه من شعور بالانتماء الوطني لديه و الولاء للوطن إنما المواطنة هي أشمل من كل ذلك فهي كالعقد الاجتماعي الذي قال به عالم الاجتماع الفرنسي « جان جاك روسو» في كتابه «العقد الاجتماعي « والذي أخذت منه معظم الدول الغربية دساتيرها الحديثة الذي ينظر للمواطنة كعقد اجتماعي بين طرفين وهما الفرد والدولة ولكل منهما حقوق والتزامات وعلية واجبات يجب أن يؤديها كل طرف للآخر. في المقال الماضي طرحت مفهوم المواطنة في الدول الديمقراطية وأنه لم يعد مفهوم المواطنة بذلك المفهوم الإستاتيكي .. وفي مقال اليوم سأتحدث عن المواطنة في مملكة البحرين، فقد جاءت مؤخراً الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة التي قام بتدشينها الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة وزير الداخلية ورئيس لجنة متابعة تنفيذ الخطة مؤخراً تجسيداً للرؤية الملكية السامية التي تعلي من قيم الولاء والانتماء للوطن ولكي تشكل رافداً من روافد المشروع الإصلاحي ورؤية البحرين 2030 وذلك يعبر عن النظرة الثاقبة التي يتصف بها عاهل البلاد المفدى حيث أن جميع هذه المبادرات تلتقي لتحقيق هدف وأحد وهو تطوير العنصر الأساسي المتمثل في المورد البشري لكي يصبح الإنسان البحريني ركيزة أساسية للتنمية المستدامة وإذا ما رجعنا إلى الوراء قليلاً نجد أن مملكة البحرين شهدت تحولات عميقة وأحداثاً خطيره تستلزم أولاً تكريس مبدأ المشاركة المجتمعية الذي لا يقصى أو يهمش أي فرد أو فئة أوجماعة أو طائفة في المجتمع ومن ناحية أخرى يفعل دور المؤسسات الدستورية وخاصة مجلسي النواب والشورى اللذين أسند إليهما المواطن البحريني من خلال عملية الانتخابات النيابية والبلدية آماله وتطلعاته المستقبلية وكذلك بمشاركة من المؤسسات الأهلية كالجمعيات والنوادي الرياضية والثقافية حتى نضمن جميعاً الحفاظ على هوية الوطن وثقافته واستقلاله في هذا القرن الحادي والعشرین الذي يشهد الثورة المعلوماتية والتقنية وثورة الاتصالات وذلك يتطلب منا بناء قواعد للواقع الجديد في زمن العولمة حيث إن أي مجتمع في العالم لا يطور نفسه لتحقيق أهدافه سوف يتغير بطريقة أو بأخرى من جهات أخرى من خلال هذه الثورة المعلوماتية والتقنية والتي قد يحمل بعضها أفكار واتجاهات قد يكون منها ما يعارض ثقافة المجتمع الأصلية وهي الثقافة العربية الإسلامية.كذلك من التحديات المهمة التي تواجهنا هو التحدي التربوي والتعليمي الذي يحتاج مواجهته إلى عملية تطوير مستمر في فلسفة ونظم التعليم والمناهج الدراسية التي تضمن لنا أكساب المتعلم المهارات والقدرات التي تمكنه من الانخراط في الواقع الجديد بروح من المبادرة والإبداع وممارسة التفكير النقدي ومهارات التواصل الاجتماعي وننمي القيم المهارية والإنسانية التي تسهل لنا الاندماج مع المجتمعات الأخرى أن مثل هذه القيم الأخلاقية كالتسامح والوسطية الدينية والاعتدال والعدالة الاجتماعية أصبحت من الضرورة لبناء مجتمع بعيد عن موجة التطرف الديني والفكري الذي قاد بعض المجتمعات إلى حافة الهاوية وما موجات الإرهاب بشتى أنواعه الفكري والديني والسياسي ما جاءت إلا بسبب عوامل ترجع إلى وجود بيئات ملوثة فكرياً وعقائدياً وهي التي قامت برعاية الإرهاب واحتضانه وتصديره لدول العالم لتحقيق مأربها الخاصة .لذا المؤسسات التربوية أصبحت مطالبة بتزويد الناشئة بهذه القيم الأخلاقية كالتسامح والمحبة وتنمية القدرات العقلية وخاصة مؤسسات التعليم العالي التي تساعد المتعلم على الاكتمال جوانب النضج الفكري والاجتماعي والنفسي لديه .عرفت مملكة البحرين المواطنة منذ سنوات بعيده لأنها كانت ولا تزال فيها بيئة غنية بالمؤثرات حيث ظهر التعليم منذ مائة سنة وموقعها الجغرافي كجزيرة في وسط الخليج العربي جعلها منطقة ترانزيت وأتت إليها الجنسيات من كل مكان وتأقلمت مع بعضها البعض وذلك أنعكس على سلوك شعب البحرين الذي ينشد السلام والتسامح الديني والفكري فكانت مجتمع منفتح على العالم ولذلك لا غرابة أن تكون مملكة البحرين هي أول من عرفت المواطنة والسلام ومبدأ التسامح والعدالة ولذلك جاء إنشاء مركز التسامح والمحبة الذي أمر بإنشائه عاهل البلاد المفدي لكي يضع مملكة البحرين في مسارها الصحيح وحفظ الله مملكة البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل مكروه.