تقول خريطة جينات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنها اخترقت ثلاث قارات وثلاثة أديان، فقد تنقل أجداده من تركيا الإسلامية إلى أمريكا ثم بريطانيا حيث اختلط الدم المسيحي باليهودي، فهل يعني ذلك تحرره من قيود الشرق وتشربه بمصلية الغرب! لقد سقطت منذ القدم مقولة أرسطو في أن القيادة موهبة فطرية موروثة، وصرنا نقول إن العوامل الخارجية هي المؤثر الأول في صنع شخصية الفرد. لذا نملك حق الحكم على رئيس الوزراء الجديد بمعزل عن تاريخه الجيني، فأهم ما يميز جونسون هو عدم التزامه بالنظم المؤسسية والتقاليد البريطانية، وارتفاع قابلية التصرف بخشونة لديه، فهل قرأت طهران هذا التحرر كما ينبغي!
في علاقاتها الدولية تعد طهران خير من يطبق سياسة حافة الهاوية وتعرف أنها تستطيع مع البريطانيين تحقيق مكاسب جمة عن طريق تصعيد الأزمة حول اقتياد ناقلات النفط البريطانية وسجن موظفة إغاثة بريطانية، فهي تعرف بأنها إذا أحسنت دفع الأزمة، فسيكون هناك تبادل بشروط طهران. لكن طهران في قراراتها السياسية براغماتية حتى النخاع. فما هي المسارات المتوقعة للأزمة مع بريطانيا التصعيد أم الانصياع؟
قبل أن نعود مرة أخرى إلى طهران، سنبحر أولاً إلى أمريكا في ديسمبر 1979 حيث البلد كله مجلل بحزن وانكسار لم تخطئه عين شاب مثلي يتعرض للمضايقة يومياً اعتقاداً من الأمريكيين أنني من الطلبة الضباط الإيرانيين الذي أنزلوا من طائرات التدريب وراحوا يترجون صديقاتهم المكسيكيات للزواج، فعودتهم وهم من مدللي الشاه تعني الإعدام. وكانت شوارع أمريكا مليئة بصور مرشح معروف نسبياً هو رونالد ريغان، لكن التقييمات تقول إن منافسه وهو الرئيس جيمي كارتر يبقى خياراً أفضل من ممثل يلاعب القردة. ثم تكشفت قوة ريغان التفاوضية بمعرفته سر طهران وهو البراغماتية، فراح يبرم الصفقات بإطلاق سراح من في السفارة من رهائن بقوا لمدة 444 يوماً نظير تسليح الإيرانيين في حربهم ضد الطاغية صدام، أو الخيار الثالث وهو ضربة أمريكية لإيران ستجعل أعلام العراق ترفرف فوق طهران. ووافق الإيرانيون على العرض وأفرج عن الرهائن رسمياً بعد دقائق من أداء رونالد ريغان اليمين كرئيس أمريكي جديد.
أما في طهران فقد كان هناك صراع بين جماعة منتظري ومهدي هاشمي من جهة، وبين الخمينيين من جهة أخرى. حيث سربت الجماعة الأولى عبر موالين لها من العرب فضيحة إيران - كونترا وفيها أن طهران تشتري السلاح من إسرائيل بتخطيط من الشيطان الأكبر رونالد ريغان، مما قاد آية الله الخميني لمعاقبة المتسببين بإعدام هاشمي، وعرض أولئك العرب لرشاشات صدام وغاراته الكيماوية بفتوى تلزم الموجودين منهم على الأراضي الإيرانية بالقتال، فزج بهؤلاء العرب في الصفوف الأولى.
وضع بوريس جونسون 2019 يشبه وضع رونالد ريغان في 1980 ففي قضية المحتجزين هناك قضية موظفة الإغاثة نازنين راتكليف البريطانية التي تتنقل حالياً بين قسم الأمراض النفسية بالمستشفى إلى أحد سجون طهران، ومازال تعامل بوريس جونسون القاصر حيال قضيتها حديث الشارع البريطاني، كما أن هناك محتجزة أخرى هي ناقلة النفط البريطانية «ستينا إمبيرو». وبما أن تواطؤ طهران مع رونالد ريغان - لتأجيل إطلاق سراح 52 رهينة أمريكية لما بعد الانتخابات نظير صفقة سلاح- هو من أدبيات البراغماتية السياسية الإيرانية، وبما أن عقيدتهم العسكرية دفاعية ودورها إعاقة أي احتلال وفرض حل دبلوماسي في حال وجود أعمال عدائية، فهل نتوقع تفاهماً إيرانياً مع بوريس جونسون حول موظفة الإغاثة أم لتبادل الأسرى من السفن فقط؟!
* بالعجمي الفصيح:
البراغماتية المصلحية السياسية عملة أزلية سبقت تداول التومان في طهران، فهل عرف بوريس جونسون طريقه لصرافي العملات في البازار الإيراني؟!
* كاتب وأكاديمي كويتي
في علاقاتها الدولية تعد طهران خير من يطبق سياسة حافة الهاوية وتعرف أنها تستطيع مع البريطانيين تحقيق مكاسب جمة عن طريق تصعيد الأزمة حول اقتياد ناقلات النفط البريطانية وسجن موظفة إغاثة بريطانية، فهي تعرف بأنها إذا أحسنت دفع الأزمة، فسيكون هناك تبادل بشروط طهران. لكن طهران في قراراتها السياسية براغماتية حتى النخاع. فما هي المسارات المتوقعة للأزمة مع بريطانيا التصعيد أم الانصياع؟
قبل أن نعود مرة أخرى إلى طهران، سنبحر أولاً إلى أمريكا في ديسمبر 1979 حيث البلد كله مجلل بحزن وانكسار لم تخطئه عين شاب مثلي يتعرض للمضايقة يومياً اعتقاداً من الأمريكيين أنني من الطلبة الضباط الإيرانيين الذي أنزلوا من طائرات التدريب وراحوا يترجون صديقاتهم المكسيكيات للزواج، فعودتهم وهم من مدللي الشاه تعني الإعدام. وكانت شوارع أمريكا مليئة بصور مرشح معروف نسبياً هو رونالد ريغان، لكن التقييمات تقول إن منافسه وهو الرئيس جيمي كارتر يبقى خياراً أفضل من ممثل يلاعب القردة. ثم تكشفت قوة ريغان التفاوضية بمعرفته سر طهران وهو البراغماتية، فراح يبرم الصفقات بإطلاق سراح من في السفارة من رهائن بقوا لمدة 444 يوماً نظير تسليح الإيرانيين في حربهم ضد الطاغية صدام، أو الخيار الثالث وهو ضربة أمريكية لإيران ستجعل أعلام العراق ترفرف فوق طهران. ووافق الإيرانيون على العرض وأفرج عن الرهائن رسمياً بعد دقائق من أداء رونالد ريغان اليمين كرئيس أمريكي جديد.
أما في طهران فقد كان هناك صراع بين جماعة منتظري ومهدي هاشمي من جهة، وبين الخمينيين من جهة أخرى. حيث سربت الجماعة الأولى عبر موالين لها من العرب فضيحة إيران - كونترا وفيها أن طهران تشتري السلاح من إسرائيل بتخطيط من الشيطان الأكبر رونالد ريغان، مما قاد آية الله الخميني لمعاقبة المتسببين بإعدام هاشمي، وعرض أولئك العرب لرشاشات صدام وغاراته الكيماوية بفتوى تلزم الموجودين منهم على الأراضي الإيرانية بالقتال، فزج بهؤلاء العرب في الصفوف الأولى.
وضع بوريس جونسون 2019 يشبه وضع رونالد ريغان في 1980 ففي قضية المحتجزين هناك قضية موظفة الإغاثة نازنين راتكليف البريطانية التي تتنقل حالياً بين قسم الأمراض النفسية بالمستشفى إلى أحد سجون طهران، ومازال تعامل بوريس جونسون القاصر حيال قضيتها حديث الشارع البريطاني، كما أن هناك محتجزة أخرى هي ناقلة النفط البريطانية «ستينا إمبيرو». وبما أن تواطؤ طهران مع رونالد ريغان - لتأجيل إطلاق سراح 52 رهينة أمريكية لما بعد الانتخابات نظير صفقة سلاح- هو من أدبيات البراغماتية السياسية الإيرانية، وبما أن عقيدتهم العسكرية دفاعية ودورها إعاقة أي احتلال وفرض حل دبلوماسي في حال وجود أعمال عدائية، فهل نتوقع تفاهماً إيرانياً مع بوريس جونسون حول موظفة الإغاثة أم لتبادل الأسرى من السفن فقط؟!
* بالعجمي الفصيح:
البراغماتية المصلحية السياسية عملة أزلية سبقت تداول التومان في طهران، فهل عرف بوريس جونسون طريقه لصرافي العملات في البازار الإيراني؟!
* كاتب وأكاديمي كويتي