في يونيو 2019 ألقيت محاضرة في مقر قيادة الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين حضرها ما يزيد عن مائة ضابط أمريكي ومن دول قوات الواجب البحري المختلطة، وقد ركزت حينها على عدم جاهزية واشنطن و«الناتو» على الدخول في أعمال عسكرية لحماية أمن الخليج بناء على عدم الجاهزية السياسية أو ترتيب الأولويات أو بناء على استراتيجية احتواء الأزمات في عواصم صنع القرار. ثم دخلنا في مرحلة التصعيد سواء بالأعمال البحرية العسكرية كالتعرض للسفن أو اقتيادها أسيرة أو إسقاط الطائرات المسيرة، وقد لاحظنا دون التباس أن هناك مزاجاً غربياً ينحو نحو رفع سقف الخطأ المقبول من طهران أو تحاشي المواجهة العسكرية مع الحرس الثوري بمزاعم ترامبية عده مثقلة بتهافت الأعذار، وقد بررنا لذلك بأن الحصار الاقتصادي يسير كما يراد له ولا داعي للعمل العسكري، وسقنا اللوم على عدم الجاهزية السياسية لحسم الأمور مع طهران. لكن ما تكشف لنا من مؤشرات عدة يشي بأن عدم الجاهزية السياسية تخفي أيضاً عدم جاهزية عسكرية أمريكية بشكل صادم. لقد قبلنا أن تبقى إبراهام لنكون في بحر العرب لا داخل الخليج لأسباب سياسية، وحيدنا التفسيرات القائلة بضعف الحملة البحرية العسكرية الأمريكية، وقلنا أن واشنطن لو أرادات الحسم العسكري لحشدت طائراتها في قواعدها في الخليج، فهل تستطيع ذلك فعلاً؟!نشير أولاً أن الجاهزية القتالية الدائمة للقوات المسلحة تعني قدرتها على تنفيذ المهام في مختلف شروط الموقف القتالي، وقدرتها على الانتشار وبدء الأعمال الحربية في الأوقات المحددة وتنفيذ المهام المسندة إليها بنجاح. وبما أن سلاح الجو الأمريكي هو الذراع الطويل لواشنطن فقد تسرب ما يشير إلى عدم جاهزية هذا الذراع لمنازلة في الخليج ولا أفغانستان ولا البحر الأبيض المتوسط. ففي مسألة الجاهزية لسلاح الجو الأمريكي، نشر موقع إيرفورس تايمز في 26 يوليو تقريراً كتبه ستيفن لوزي Stephen Losey على الرابط: https://tinyurl.com/y4yfzbbt، وفيه أرقام تدعو للقلق من اعتمادنا على حليف تتراجع جاهزيته القتالية بشكل درامي، وتضمن التقرير بيانات حقيقة جاهزية سلاح الجو الأمريكي وهي الانحدار لمستمر الحاد منذ 2012. بفعل خطط أوباما وعدم قدرة ترامب على تطوير التركة، ومن ذلك الانحدار في الجاهزية القتالية أن بلغت معدل المقاتلات القادرة على الإقلاع وتنفيذ مهامها أقل من 70%. رغم انه من المعروف أن الجيوش لا تدخل معارك بجاهزية اقل من 50 %!! وفي تقرير لوزي Losey هناك 5413 طائرة -مجموع طائرات سلاح الجو الأمريكي- من مختلف الأنواع والمهام القتالية تتقلص جاهزيتها القتالية لتصل لنسبة 69.97% في سنة 2018 ويعني ذلك انخفاضاً بنسبة 8% عن معدلات عام 2012 الذي بدأ فيه تجاهل القوة العسكرية الأمريكية.* بالعجمي الفصيح:الارتباك الأمريكي في الخليج ليس مرده تدني الجاهزية السياسية أو تضارب الأولويات بقدر ما هو تدني في الجاهزية القتالية الأمريكية. وربما لذلك يغطي الرئيس ترامب على العجز العسكري بالصراخ.* كاتب وأكاديمي كويتي