الاختلاف أمر طبيعي، فهناك الكثير من العوامل التي تجعل هذا مختلفاً عن ذاك وتجعل ذاك ينظر إلى الأمور بمنظار ومن زاوية مختلفة عن هذا، وعليه فإن مناقشة هذا وذاك لكل أمر يدخل في الطبيعي، ويدخل في الطبيعي كذلك عدم توصل كليهما إلى اقتناع برأي الآخر.

في هذه الأيام تحديداً تكثر مناقشات البعض حول أمور ذات علاقة بعاشوراء وخصوصاً تلك التي تتضمن مبالغات أو أن البعض يراها كذلك، لكن هذه المناقشات ليس فقط لا تؤدي إلى اقتناع هذا بوجهة نظر ذاك ولا توصل إلى أي نتيجة ولكنها قد تؤدي إلى تعميق الخلاف بينهما، والسبب هو أن هذه الموضوعات حساسة وهي تزداد حساسية في أيام عاشوراء. لهذا فإن الأفضل هو الابتعاد قدر الإمكان عن مناقشة مثل هذه الموضوعات، فهي تؤثر سلباً على الوحدة الوطنية وتفتح أبواباً لا ينبغي أن تفتح ربما حتى في خارج موسم عاشوراء.

سبب آخر يدفع إلى دعوة العامة إلى عدم الخوض في هكذا موضوعات هو أنهم على غير اطلاع بالتفاصيل ويستدعي خوضهم فيها قراءة الكثير من الكتب المتخصصة للعديد من المتبحرين في العلم من مختلف المذاهب، وهذا غير متاح لهم، وبالتالي فإنهم غير مؤهلين لمناقشة هذه الموضوعات ولا يورثون منها إلا الزعل والاختلاف الذي يكون في الغالب شديداً كون الموضوع له علاقة بالدين والمعتقد.

فتح مثل هذه الموضوعات سهل يسير لكن إغلاقها أمر في غاية الصعوبة ومكلف مجتمعياً، لهذا فإن الأفضل بل الواجب عدم فتحها وعدم التطرق لها حتى من بعيد فهي قد تفتح الباب أمام الفتنة وتعمق العميق من الخلاف.

اليوم وبسبب التطور التكنولوجي تتوفر الكثير من الفيديوهات التي تنتقد هذا الجانب أو ذاك وبعضها يسخر من هذا السلوك أو ذاك. البعض يتبادلها على سبيل النكتة أو الالتزام بالمجموعات المشترك فيها، لكنها يمكن أن تكون شرارة تؤذي الجميع وتؤذي المجتمع والوطن، لهذا فإن تبادل هذا النوع من الفيديوهات ينبغي أن يكون محدوداً في هذه الفترة والأفضل هو التوقف عن تبادلها، فقد يفهم المرسل إليه الرسالة بشك خاطئ ويدخل في خلاف يصعب وقفه مع المرسل، وقد يتسع فيشمل آخرين، ويشمل المجتمع كله، فيؤثر ذلك على الوحدة الوطنية التي نحن في أمس الحاجة إليها ودعا إليها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بوضوح.

نقطة مهمة ينبغي أن نضعها جميعاً في الاعتبار هي أن تاريخنا في جزء كبير منه يعتمد على الروايات ولهذا فإنها مختلفة، وهذا يعني أن نسبة الخطأ فيها واردة وكذلك المبالغات ويعني أن بعضها قد يكون مما جادت به قريحة البعض أو تم تأليفه لأسباب سياسية ونتيجة صراعات حدثت في فترات معينة تفصلنا عنها قرون عدة. لا يمكن الركون إلى رواية ما إن لم تكن متواترة وأكد عليها مجموعة من الرواة الثقات، ولا يمكن الركون حتى إلى هذه إن لم نقبل بإخضاعها إلى البحث والدرس والاختبار، فهناك العقل الذي يقبل أو يرفض تلك الروايات، وهناك العقل الذي يمكنه التمييز بين الصح والخطأ والمعقول واللامعقول.

ليست كل الروايات التاريخية مبالغ فيها أو موضوعة، ولكن أيضاً ليست كلها صحيحة ودقيقة، ولأن الحكم عليها من قبل العامة أمر صعب عليهم، لذا فإن المنطق يقضي بابتعادهم عن الحديث فيها ومناقشتها. يكفي أنهم لا يملكون أدوات الحكم عليها ولا أدوات المناقشة، فلا يأتيهم من ذلك سوى الأذى، ولا يأتي المجتمع والوطن منه سوى المزيد من الابتعاد عن الوحدة الوطنية.

حساسية عاشوراء تفرض على الجميع ذلك التوجه العاقل.