قال تعالى: «وقل ربي زدني علماً»، وقال سبحانه: «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً»، مقياس الشعوب المتحضرة المتقدمة، ليس بما تملك من مال، أو اتساع الرقعة الجغرافية، أو كثرة تعداد السكان، المقياس الحقيقي للتحضر والتقدم هو ما ناله ذلك الشعب من علم، ومساهمته في بناء وطنه وأبناء وطنه، وتسليحهم بسلاح المعرفة والتنوير، ليكون كل فرد عنصر إنتاج لا عنصر استهلاك، - من حق كل شعب أن يبني مجتمعه على الحب والتكاتف بين جميع أفراده، في جو يسوده السلام والوئام، والالتفاف حول القيادة الصالحة والساهرة على المصالح العليا للوطن والمواطنين، وحكامنا وحكومتنا نموذج، والشعب نعم العون لها عن طريق المجلس الوطني بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس الشورى والمجالس البلدية، ومن مبادئ الدستور والميثاق الوطني، والمشروع الإصلاحي الذي هندسه حضره صاحب الجلالة الملك المفدى للسمو بالوطن ورعاية مصالحه، وصونه من كل طامع.

فإذا رأيت وطناً ترتفع فيه منارات التعليم بجميع مستوياتها من الروضات إلى الجامعات، فاعلم أن أبناء الوطن المخلصين سيتبوؤن مناصب قيادية في صرحه، وهذه نتيجة الغرس الصالح.

إن الخطوات الحثيثة والمدروسة والسريعة التي سارت عليها رحلتنا من الكتاتيب «المطوع» إلى التعليم النظامي، تعد رحلة جبارة، وقطعناها في وقت قياسي، لذلك لم نتأخر عن الركب الحضاري، بل أصبحنا في صف الدول المتقدمة، ونساهم في الحضارة الإنسانية بإيجابية.

مائة عام مضت، وكأنها الأمس القريب، وجميل جداً أن الأجداد والآباء أورثوا عصارة أفكارهم إلى الأبناء، وهم نعم الأبناء، وعليهم توصيلها إلى الأجيال اللاحقة، ليستمر العطاء والبناء بنفس الإصرار والعزيمة الأولى.

فقط للتذكير، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، من مدرسة ابتدائية وحيدة، وباكورتها الهداية الخليفية للبنين بالمحرق عام 1919، تلتها مدرسة ابتدائية للبنات بالمحرق أيضاً عام 1928، والبداية في التعليم كان أهلياً، جزى الله أولئك الرجال خير الجزاء، ومن التعليم الأهلي، وهي منصة الانطلاق إلى التعليم الحكومي، إذ أصرت الحكومة آنذاك أن تكون هي المسؤولة عن التعليم بجميع مراحله، وما يحتاجه من مال وأراضٍ لتحقيق هذا الهدف السامي، فكانت حكوماتنا المتعاقبة، تفي بتحمل هذه الأمانة، بل وتزيد، خاصة وأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين والثورة المعلوماتية، وما تحتاج إليه من ميزانيات ضخمة، لا بمئات الآلاف من الدنانير، بل بمئات الملايين من الدنانير.

هذه المسيرة المباركة انبثقت منذ عهد حاكم البحرين عيسى بن علي آل خليفة رحمه الله تعالى وشغل كرسي إدارة التعليم أولاً الوزير الشيخ عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة، وكما قال الشاعر:

نحن أمة إذا مات منا سيد

قام سيد قؤول لما قال الكرام فعول

إذ جاء من بعده سعادة الأستاذ أحمد العمران ثم الشيخ عبدالعزيز آل خليفة ومن هم من بعده، حتى وصلت هذه الأمانة الثقيلة إلى صاحب السعادة الدكتور ماجد النعيمي، الذي أعطى هذا الحمل الثقيل كل طاقاته وأوقاته، وتحمل همومه، وكان زاده الأمل السعيد الذي ينتظر الأجيال حاضراً ومستقبلاً، وفي عهده نالت تجربتنا التعليمية إشادات على المستوى الخليجي والعربي والعالمي، وآخرها حصول البحرين على المركز الأول عربياً، والثالث بمنطقة الشرق الأوسط في التعليم لعام 2019، وفقاً للتقرير الصادر من مجموعة بوسطن الاستشارية بشأن التنمية. كل التهنئة إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وإلى كافة شعب البحرين الوفي الذي ساند هذه المسيرة التعليمية التي نفتخر بها، ونعتز بقيادة الدكتور ماجد النعيمي وجميع هيئة التعليم لما يقدمونه من جهد مخلص وحرص دقيق لجودة العملية التعليمية والتعلمية والتربوية لأبنائنا الطلبة.

* مؤسس نادي اللؤلؤ، وعضو بلدي سابق، وناشط اجتماعي