الغوص وما أدراك ما الغوص، وأهوال الغوص، وشقاء الغوص، وتعرض الغاصة لآفات البحر مثل سمك القرش «الجرجور»، والدُول «قناديل البحر»، وعمق بعض الهيرات التي تحتاج من الغواص الكثير من التمرين للاحتفاظ بنَفَسه في رئتيه مدة تكفي دقيقة واحدة لتبة واحدة «التبة تعني في لغة الغوص الغطسة، والزمن الذي يحتاجه الغواص للوصول إلى قاع البحر بمساعدة «الحجر» المربوط في أحد حجليه بسرعة»، والتقاط المحار وجمعه في «الديين» المعلق في رقبته، ثم النبرة إلى السيب عن طريق الحبل الموصل بين الغيص وهو في قاع البحر والسيب الذي هو على ظهر السفينة، ليجذبه بسرعة متناهية ليطفو على سطح البحر، ويلتقط أنفاسه، وإذا توانى السيب أو غفل ولو لثوانٍ عن الاستجابة للإشارة التي أرسلها له الغيص عن طريق الحبل المذكور آنفاً، قد يحدث ما لا يحمد عقباه للغيص، عملية فيها مجازفة بالروح من أجل لقمة العيش، خاصة أن موسم الغوص مدته أربعة أشهر وعشرة أيام في حر الصيف اللاهب، وقد تحدث عواصف غير متوقعة، تحطم السفن وتبلع من عليها من فلذات أكباد النساء والرجال والأطفال الذين ينتظرون القفال، كما حدث في سنة الطبعة عام 1925، تلك الفجيعة التي سجلها التاريخ بدموع حَرى وألم ما بعده ألم ومرت سنة الطبعة بأهوالها، ونسي النواخذة والغاصة والسيوب تلك المأساة ولم تثنهم عن الاستعداد للموسم المقبل، إنها جسارة الرجال.
وهكذا توالت الأيام والشهور والسنون، وانتقل جيل إلى جوار ربه، وولد جيل جديد متمسك بمهنة الأجداد، وتوارثها الأبناء حتى اكتشاف البترول عام 1932 وكانت تلك فاتحة خير جديدة للرزق على اليابسة.
وحسب ما تروي سجلات التاريخ، إن غزو اللؤلؤ الياباني الصناعي للأسواق العالمية بسببه تراجعت مهنة الغوص إلى الوراء تراجعاً كبيراً، ولم تبقَ إلا ذكرياته وفنونه الجميلة التي نقلها الأجداد والآباء إلى الدور، ووصل هذا الفن إلى الأبناء ومارسوه ووثقوه في سجل التاريخ ومازال حياً بأنغامه وآلاته البدائية، محافظةً على التراث.
إن إحياء الموروث الشعبي وخاصة الغوص، الذي نفخ الروح فيه من جديد سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب، رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، يقوم على دليل أن الموروث الشعبي لن يندثر، وشكراً لسموه.
في مقال سابق تطرقت لهذا الموضوع واقترحت ألا يسمح لمن يريد ممارسة الغوص على المحار في الهيرات وبالطريقة القديمة، أن يجمع أكثر من عشر محارات فقط، وتحديد حجم المحارة الملتقطة، للمحافظة على هذه الثروة النادرة من الاندثار.
بث تلفزيون المملكة منذ أيام صوراً حية بعد السماح بممارسة هذه الهواية باستعمال وسائل وأدوات الغطس الحديثة، وشاهدت الكمية الكبيرة التي جمعت من قبل أصحاب كل قارب، وإذا زاد المعروض من اللؤلؤ ستقل قيمته اعتماداً على النظرية الاقتصادية، العرض والطلب، بالإضافة إلى أن استعمال الأسطوانات أو «السلندرات»، والمكوث في قاع البحر مدة تقارب الساعة وزيادة، مما يعني أن هذه الوسيلة الحديثة ليس فيها ذلك العناء والمخاطرة والمشقة والمجازفة التي يعانيها أصحاب هذه الصناعة قديماً، مقارنة مع قصر الوقت الذي يستغرقه هواة الغطس الآن والذي لا يزيد عن عشر ساعات، بالإضافة إلى المال الذي يصرفه النواخذة الذي يقدر بمئات الآلاف من الروبيات كل موسم، وأحياناً تكون الخسارة واضحة، ويتحملها النوخذة والغيص والسيب، والضرر الكبير يقع على الغاصة والسيوب الذين يعودون من بعد التعب ترهق كاهلهم الديون، من «تسقام» و»سلفية» و»خرجية» لأن الموسم «خارو»، وقد قاس أجدادنا وآباؤنا هذه الآلام بصمت، رحمهم الله تعالى. ثانياً، إن المحار الذي يتم اصطياده بعد الفلق يرمى، مع أن أكثر الدول التي لها سواحل بحرية شرقاً وغرباً تأكل «الخرط» أو الحيوان الهلامي الذي يعيش في صدف المحار، وكنا قديماً نأكله كما نأكل حيوان الكوز والحويت، والاقتراح هو استحداث طريقة تكنولوجية حديثة للكشف عن جوف المحارة، مثل أشعة أكس، تعرض فيه كل محارة قبل فلقها وقبل أن تموت، فإذا تبين أن فيها لؤلؤة تستحق الاحتفاظ بها وبيعها، وضعت إلى جانب، ويتم فلقها، وتلك التي يتبين أن فيها لؤلؤة صغيرة»سحتيتة» أو لا شيء فيها تعاد إلى البحر للموسم المقبل، وبهذا نكون حافظنا على هذه الثروة من النضوب، مع عدم الغوص في كل الهيرات في الموسم الواحد، بما يعني المراوحة لنعطي الفرصة كاملة للمحّار ليصنع لآلئ ذات قيمة سوقية، وليقوم بما خُلق له، وهو زينة -أي اللؤلؤ- للنساء دون الرجال.
* مؤسس نادي اللؤلؤ، وعضو بلدي سابق، وناشط اجتماعي
وهكذا توالت الأيام والشهور والسنون، وانتقل جيل إلى جوار ربه، وولد جيل جديد متمسك بمهنة الأجداد، وتوارثها الأبناء حتى اكتشاف البترول عام 1932 وكانت تلك فاتحة خير جديدة للرزق على اليابسة.
وحسب ما تروي سجلات التاريخ، إن غزو اللؤلؤ الياباني الصناعي للأسواق العالمية بسببه تراجعت مهنة الغوص إلى الوراء تراجعاً كبيراً، ولم تبقَ إلا ذكرياته وفنونه الجميلة التي نقلها الأجداد والآباء إلى الدور، ووصل هذا الفن إلى الأبناء ومارسوه ووثقوه في سجل التاريخ ومازال حياً بأنغامه وآلاته البدائية، محافظةً على التراث.
إن إحياء الموروث الشعبي وخاصة الغوص، الذي نفخ الروح فيه من جديد سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب، رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، يقوم على دليل أن الموروث الشعبي لن يندثر، وشكراً لسموه.
في مقال سابق تطرقت لهذا الموضوع واقترحت ألا يسمح لمن يريد ممارسة الغوص على المحار في الهيرات وبالطريقة القديمة، أن يجمع أكثر من عشر محارات فقط، وتحديد حجم المحارة الملتقطة، للمحافظة على هذه الثروة النادرة من الاندثار.
بث تلفزيون المملكة منذ أيام صوراً حية بعد السماح بممارسة هذه الهواية باستعمال وسائل وأدوات الغطس الحديثة، وشاهدت الكمية الكبيرة التي جمعت من قبل أصحاب كل قارب، وإذا زاد المعروض من اللؤلؤ ستقل قيمته اعتماداً على النظرية الاقتصادية، العرض والطلب، بالإضافة إلى أن استعمال الأسطوانات أو «السلندرات»، والمكوث في قاع البحر مدة تقارب الساعة وزيادة، مما يعني أن هذه الوسيلة الحديثة ليس فيها ذلك العناء والمخاطرة والمشقة والمجازفة التي يعانيها أصحاب هذه الصناعة قديماً، مقارنة مع قصر الوقت الذي يستغرقه هواة الغطس الآن والذي لا يزيد عن عشر ساعات، بالإضافة إلى المال الذي يصرفه النواخذة الذي يقدر بمئات الآلاف من الروبيات كل موسم، وأحياناً تكون الخسارة واضحة، ويتحملها النوخذة والغيص والسيب، والضرر الكبير يقع على الغاصة والسيوب الذين يعودون من بعد التعب ترهق كاهلهم الديون، من «تسقام» و»سلفية» و»خرجية» لأن الموسم «خارو»، وقد قاس أجدادنا وآباؤنا هذه الآلام بصمت، رحمهم الله تعالى. ثانياً، إن المحار الذي يتم اصطياده بعد الفلق يرمى، مع أن أكثر الدول التي لها سواحل بحرية شرقاً وغرباً تأكل «الخرط» أو الحيوان الهلامي الذي يعيش في صدف المحار، وكنا قديماً نأكله كما نأكل حيوان الكوز والحويت، والاقتراح هو استحداث طريقة تكنولوجية حديثة للكشف عن جوف المحارة، مثل أشعة أكس، تعرض فيه كل محارة قبل فلقها وقبل أن تموت، فإذا تبين أن فيها لؤلؤة تستحق الاحتفاظ بها وبيعها، وضعت إلى جانب، ويتم فلقها، وتلك التي يتبين أن فيها لؤلؤة صغيرة»سحتيتة» أو لا شيء فيها تعاد إلى البحر للموسم المقبل، وبهذا نكون حافظنا على هذه الثروة من النضوب، مع عدم الغوص في كل الهيرات في الموسم الواحد، بما يعني المراوحة لنعطي الفرصة كاملة للمحّار ليصنع لآلئ ذات قيمة سوقية، وليقوم بما خُلق له، وهو زينة -أي اللؤلؤ- للنساء دون الرجال.
* مؤسس نادي اللؤلؤ، وعضو بلدي سابق، وناشط اجتماعي