أستذكر جيداً ومع مطلع سبعينات القرن الماضي، حين يأخذني والدي الراحل، بمعية صاحبه الذي كان يملك سيارة «أمريكية» قديمة في تلكم الحقبة، إلى شارع البديع لأجل الاستجمام. الشارع -شارع البديع- منذ بدايته وحتى نهايته كان عبارة عن مجموعة من المزارع والنخيل. فلم يك وقتها أي منزل أو متجر أو حتى حجر يطل على شارع البديع سوى الخضرة لا غير.
في الجهة الأخرى من المنطقة الوسطى في البحرين، كان الحزام الأخضر هو ما يميز امتداد النخيل من جهة عذاري حتى منطقة الجسرة، أمَّا المنطقة الجنوبية والغربية فكانتا أرض سواد بالكامل، بل حتى المنامة العاصمة كانت مليئة بالأشجار والنخيل، كذلك المحرق العريقة. سترة وضواحيها كانت عبارة عن غابات من نخيل وأشجار ممتدة من داخل البيوت حتى أطراف البحر. اليوم لا شيء مما ذكرنا بقي على ما هو عليه، وأصبحت المنطقة الخضراء وأحزمتها المقتولة فعلاً ماضياً.
بفعل التوسع العمراني -على الرغم من أهميته- تم القضاء على الشريط الأخضر والحاضنة الحقيقية لما تبقى من المزارع الممتدة على طول البحرين وعرضها، وحلت البنايات القبيحة والمتاجر المملة محل تلكم الخضرة التي كانت تدخل البهجة على النفس، حتى وصلنا لمرحلة بتنا نترحم على عصر أخضر لم تسلم منه نخلة ولا شجرة ولا ثمرة. بُنِي هذا الخسف البيئي على أنقاض الإسمنت الكريه جداً، وما علينا اليوم سوى أن نندب حظنا على ما فرطنا في اللون الأخضر.
على إثر هذا الانتهاك للمساحات الخضراء في البحرين، أرسلت هيئة البحرين للثقافة والآثار نداء مهماً للحفاظ على ما تبقى من التراث الزراعي لمملكة البحرين، وحذرت عبر نداء لها «بأن المناطق الزراعية الساحلية الشمالية والغربية لمملكة البحرين، وبالأخص تلك الممتدة بالموازاة مع موقع قلعة البحرين المسجل على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، تواجه خطر الاندثار مع انتشار عمليات التوسّع العمراني في تلك المناطق، حيث اختفت بشكل شبه كامل العديد من المزارع والمساحات الخضراء ما بين عامي 2012 و2019. وإن تلك المناطق تحظى بأهمية تراثية وثقافية عالية، وذلك لأنها تعد شهادة حيّة على التقاليد الزراعية وأنظمة إدارة المياه والري، التي عرفتها الحضارات المختلفة التي مرّت على البحرين منذ عصر دلمون قبل أكثر من 4000 عام وحتى اليوم، ومنذ القرن الثالث قبل الميلاد، شكلت الأراضي الزراعية نموذجاً مثالياً للمناظر الطبيعية في المنطقة، هذا عوضاً عن كون البحرين مركزاً للأنشطة التجارية في العصور القديمة وارتباط هذه الأنشطة بالعديد من الممارسات الزراعية التقليدية، والتي يمكن التعرف عليها في بساتين النخيل والمزارع التقليدية المنتشرة في المملكة».
إن نداء هيئة البحرين للثقافة والآثار يأتي في سياق الحفاظ على التاريخ العميق، تاريخ هذا الوطن المُخْضرّ، وعلى «أهمية حماية هذه المناطق والحفاظ عليها بالتعاون مع كافة المؤسسات الرسمية المعنية» حسب بيانها.
نعم، إننا نضم صوتنا وبكل قوة مع الهيئة من أجل الحفاظ على ما تبقى من خضرة في مختلف مناطق البحرين، ومحاولة استعادة ما تم تدميره بفعل الجشع والطمع، ليظل الشريط الحدودي الأخضر المتاخم لآثارنا وتراثنا باقياً ليكون شاهداً على التاريخ.
في الجهة الأخرى من المنطقة الوسطى في البحرين، كان الحزام الأخضر هو ما يميز امتداد النخيل من جهة عذاري حتى منطقة الجسرة، أمَّا المنطقة الجنوبية والغربية فكانتا أرض سواد بالكامل، بل حتى المنامة العاصمة كانت مليئة بالأشجار والنخيل، كذلك المحرق العريقة. سترة وضواحيها كانت عبارة عن غابات من نخيل وأشجار ممتدة من داخل البيوت حتى أطراف البحر. اليوم لا شيء مما ذكرنا بقي على ما هو عليه، وأصبحت المنطقة الخضراء وأحزمتها المقتولة فعلاً ماضياً.
بفعل التوسع العمراني -على الرغم من أهميته- تم القضاء على الشريط الأخضر والحاضنة الحقيقية لما تبقى من المزارع الممتدة على طول البحرين وعرضها، وحلت البنايات القبيحة والمتاجر المملة محل تلكم الخضرة التي كانت تدخل البهجة على النفس، حتى وصلنا لمرحلة بتنا نترحم على عصر أخضر لم تسلم منه نخلة ولا شجرة ولا ثمرة. بُنِي هذا الخسف البيئي على أنقاض الإسمنت الكريه جداً، وما علينا اليوم سوى أن نندب حظنا على ما فرطنا في اللون الأخضر.
على إثر هذا الانتهاك للمساحات الخضراء في البحرين، أرسلت هيئة البحرين للثقافة والآثار نداء مهماً للحفاظ على ما تبقى من التراث الزراعي لمملكة البحرين، وحذرت عبر نداء لها «بأن المناطق الزراعية الساحلية الشمالية والغربية لمملكة البحرين، وبالأخص تلك الممتدة بالموازاة مع موقع قلعة البحرين المسجل على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، تواجه خطر الاندثار مع انتشار عمليات التوسّع العمراني في تلك المناطق، حيث اختفت بشكل شبه كامل العديد من المزارع والمساحات الخضراء ما بين عامي 2012 و2019. وإن تلك المناطق تحظى بأهمية تراثية وثقافية عالية، وذلك لأنها تعد شهادة حيّة على التقاليد الزراعية وأنظمة إدارة المياه والري، التي عرفتها الحضارات المختلفة التي مرّت على البحرين منذ عصر دلمون قبل أكثر من 4000 عام وحتى اليوم، ومنذ القرن الثالث قبل الميلاد، شكلت الأراضي الزراعية نموذجاً مثالياً للمناظر الطبيعية في المنطقة، هذا عوضاً عن كون البحرين مركزاً للأنشطة التجارية في العصور القديمة وارتباط هذه الأنشطة بالعديد من الممارسات الزراعية التقليدية، والتي يمكن التعرف عليها في بساتين النخيل والمزارع التقليدية المنتشرة في المملكة».
إن نداء هيئة البحرين للثقافة والآثار يأتي في سياق الحفاظ على التاريخ العميق، تاريخ هذا الوطن المُخْضرّ، وعلى «أهمية حماية هذه المناطق والحفاظ عليها بالتعاون مع كافة المؤسسات الرسمية المعنية» حسب بيانها.
نعم، إننا نضم صوتنا وبكل قوة مع الهيئة من أجل الحفاظ على ما تبقى من خضرة في مختلف مناطق البحرين، ومحاولة استعادة ما تم تدميره بفعل الجشع والطمع، ليظل الشريط الحدودي الأخضر المتاخم لآثارنا وتراثنا باقياً ليكون شاهداً على التاريخ.