لا تموت الإمبراطوريات في عواصمها، بل تموت في أماكن نفوذها، فقد خرج الإسكندر بالإغريق بعيداً، فمات في فارس، ومن هناك بدأ موت إمبراطوريته. كما ماتت الإمبراطورية الرومانية المقدسة حين توسعت، وأصيبت بمرض لوجستي، وهي تطارد قبائل الهون وهجرة القبائل البربرية، والعديد من القبائل الجرمانية. وتحطمت الإمبراطورية الهولندية على شواطئ سومطرة ونيويورك وغيانا، كما انهارت الإمبراطورية البريطانية عندما تلقت آخر مسمار في نعشها في الهند، وغيرها الكثير من الإمبراطوريات التي أصيبت في مناطق نفوذها وبقيت حتى اليوم في أثينا وروما وأمستردام ومدريد ولندن. فالإمبراطوريات تموت تحت ضربات أعدائها الذين يستنزفون قواها بتشتيت أنصارها في أماكن نفوذها لا في أراضيها.
وبعدما تعرضت له منشآت بقيق / خريص الأسبوع الماضي من هجمات تشير دلائل وتلميحات بحجم بعير إلى أن لإيران يد فيها -وإن كان لايزال التحقيق مستمراً- هبت عاصفة غضب خليجية وعربية بعد أن انتقلت فيه جريرة إيران من كونها فرضية لتصبح بديهية حتمية تتطلب عقاب إيران عبر الهجوم العسكري المباشر. ولا نختلف مع الغاضبين، فردة الفعل مهمة ملحة، لكنها معقدة بحجم الرهانات التي تستهدف ضمن الردع الناجح. وأول خطوة هي تحديد مركز الثقل الإيراني «Center of Gravity». وهو في تقديرنا الحرس الثوري الإيراني، فبحجة الدفاع عن مصالحه الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية، تحول الحرس ليكون مركز الثقل وامتد نفوذه في كل شرايين الحياة الإيرانية. وجوهرة تاج الحرس هي فيلق القدس، الذي لا قيمة له إلا بنشاطات حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين. لذا لم نكن بحاجة لتمحيص هذه القناعة حتى قلنا في 18 سبتمبر 2019 في وسائل التواصل الاجتماعي إن هجوم أرامكو قد شُن من الشمال برعاية إيرانية من دون أدنى شك. «لكن ضرب طهران ليس الحل بل المعضلة»، فالنظام هناك يريد الفكاك من الحصار بتعويم الأزمة عبر حرب شاملة حتى يخلق اصطفافات داخلية وإقليمية ودولية حوله. من جهة أخرى لا تريد واشنطن أن يغطي قرع طبول الحرب على قرع مطارق من يصنع الصناديق الانتخابية فذلك أهم لترامب. فأمريكا لا تريد حرباً في زمن الانتخابات. والمسار الذي نقترحه هو عدم مكافأة إيران بحرب شاملة أمام شعبها والمتعاطفين معها وإشعال الخليج ودوله، بل ضرب مركز الثقل وهو الحرس الثوري عبر فيلق القدس ونعني ضرب الحوثيين فهم من يمثل مركز الثقل الإقليمي الإيراني. ونعني بضرب الحوثيين شن غارات مكثفة بكل قوة ممكنة دون اعتبار للاعتراضات الدولية التي مازلنا نذكر أصواتها المصلحية التي فوتت حسم الحديدة. ونحبذ فكرة أن طرفي المعادلة قد سمعا ما كتبناه خلال الأيام الماضية، ففي 19 سبتمبر2019 قام طيران التحالف بالرد على هجوم أرامكو بقصف مواقع الحوثيين بالحديدة وشنوا هجوماً قوياً ومركزاً. وفي 20 سبتمبر2019 أعلن الحوثيون وقف استهداف الأراضي السعودية بالطائرات المسيرة، وكأنهم سمعوا توصيتنا! أو بتحليل منطقي وصلوا إلى أنهم سيكونون المستهدفين، لا طهران. بل زاد تأكيد ذلك اعتبار المبعوث الأممي إلى اليمن في 22 سبتمبر 2019 أن مقترح الحوثيين القلقين ينقل رسالة قوية عن رغبة في إنهاء الحرب.
* بالعجمي الفصيح:
إن قصف طهران يعني فقدان زمام الفعل الواعي جراء الغضبة اليعربية، أو الغطرسة الأمريكية كما حدث بعد تفجير برجي التجارة العالمي. والأفضل هو تقصيص أجنحة إيران الخارجية، فهي مركز الثقل، وبها تحلق فوق أوزارها، فتحطيم الحوثيين يعني كسر ذراع نفوذ إيران القوي، والإمبراطوريات لا تموت في عواصمها بل تموت في أماكن نفوذها.
* كاتب وأكاديمي كويتي
وبعدما تعرضت له منشآت بقيق / خريص الأسبوع الماضي من هجمات تشير دلائل وتلميحات بحجم بعير إلى أن لإيران يد فيها -وإن كان لايزال التحقيق مستمراً- هبت عاصفة غضب خليجية وعربية بعد أن انتقلت فيه جريرة إيران من كونها فرضية لتصبح بديهية حتمية تتطلب عقاب إيران عبر الهجوم العسكري المباشر. ولا نختلف مع الغاضبين، فردة الفعل مهمة ملحة، لكنها معقدة بحجم الرهانات التي تستهدف ضمن الردع الناجح. وأول خطوة هي تحديد مركز الثقل الإيراني «Center of Gravity». وهو في تقديرنا الحرس الثوري الإيراني، فبحجة الدفاع عن مصالحه الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية، تحول الحرس ليكون مركز الثقل وامتد نفوذه في كل شرايين الحياة الإيرانية. وجوهرة تاج الحرس هي فيلق القدس، الذي لا قيمة له إلا بنشاطات حزب الله والحشد الشعبي والحوثيين. لذا لم نكن بحاجة لتمحيص هذه القناعة حتى قلنا في 18 سبتمبر 2019 في وسائل التواصل الاجتماعي إن هجوم أرامكو قد شُن من الشمال برعاية إيرانية من دون أدنى شك. «لكن ضرب طهران ليس الحل بل المعضلة»، فالنظام هناك يريد الفكاك من الحصار بتعويم الأزمة عبر حرب شاملة حتى يخلق اصطفافات داخلية وإقليمية ودولية حوله. من جهة أخرى لا تريد واشنطن أن يغطي قرع طبول الحرب على قرع مطارق من يصنع الصناديق الانتخابية فذلك أهم لترامب. فأمريكا لا تريد حرباً في زمن الانتخابات. والمسار الذي نقترحه هو عدم مكافأة إيران بحرب شاملة أمام شعبها والمتعاطفين معها وإشعال الخليج ودوله، بل ضرب مركز الثقل وهو الحرس الثوري عبر فيلق القدس ونعني ضرب الحوثيين فهم من يمثل مركز الثقل الإقليمي الإيراني. ونعني بضرب الحوثيين شن غارات مكثفة بكل قوة ممكنة دون اعتبار للاعتراضات الدولية التي مازلنا نذكر أصواتها المصلحية التي فوتت حسم الحديدة. ونحبذ فكرة أن طرفي المعادلة قد سمعا ما كتبناه خلال الأيام الماضية، ففي 19 سبتمبر2019 قام طيران التحالف بالرد على هجوم أرامكو بقصف مواقع الحوثيين بالحديدة وشنوا هجوماً قوياً ومركزاً. وفي 20 سبتمبر2019 أعلن الحوثيون وقف استهداف الأراضي السعودية بالطائرات المسيرة، وكأنهم سمعوا توصيتنا! أو بتحليل منطقي وصلوا إلى أنهم سيكونون المستهدفين، لا طهران. بل زاد تأكيد ذلك اعتبار المبعوث الأممي إلى اليمن في 22 سبتمبر 2019 أن مقترح الحوثيين القلقين ينقل رسالة قوية عن رغبة في إنهاء الحرب.
* بالعجمي الفصيح:
إن قصف طهران يعني فقدان زمام الفعل الواعي جراء الغضبة اليعربية، أو الغطرسة الأمريكية كما حدث بعد تفجير برجي التجارة العالمي. والأفضل هو تقصيص أجنحة إيران الخارجية، فهي مركز الثقل، وبها تحلق فوق أوزارها، فتحطيم الحوثيين يعني كسر ذراع نفوذ إيران القوي، والإمبراطوريات لا تموت في عواصمها بل تموت في أماكن نفوذها.
* كاتب وأكاديمي كويتي