لطالما تساءلنا كموظفين في القطاع الحكومي، وأيضاً كثير من موظفي القطاع الخاص، عن جدوى الدوام الوظيفي بنظام ساعات محددة تلزم الموظف بالمكوث في المكتب، بينما ما يناط به من مهام يمكن إنجازه في أي مكان خارج نطاق المكتب، وأستثني من هذا وظائف الخدمات كخدمات المراجعين والعملاء والأطباء والباحثين الاجتماعيين وما شابهها من وظائف. لطالما أراد الموظفون أن تتاح لهم حرية التنقل والحركة في حدود المسموح وبما لا يتعارض مع مصالح العمل، بما يمنحهم مزيداً من الفرصة ليس في الحركة وحدها وإنما في الإبداع أيضاً، وكلنا نعرف والمختصون في علم النفس تحديداً وأيضاً الموارد البشرية يعرفون جيداً حاجة الموظف لفضاء يحلق به ليكتمل إبداعه وليكون قادراً على العطاء أكثر سواء على المستوى المهني، وهو الأمر الذي يهم مؤسسة عمله بلا شك، وأيضاً على المستوى الشخصي.

من خلال تجربتي الصحفية، وحرية التنقل التي عشتها قبل التحاقي بوظيفة حكومية، خضت تجربة العمل في فضاء حر، وكيف ينعكس على إخلاص الموظف لمؤسسته نظراً لما تقدمه له من فرص للتطور على مستويات عدة من بينها تنمية الشخصية والتواصل الفاعل مع المجتمع وأبنائه إلى جانب أداء العمل على النحو المتوقع وأفضل، وذلك لعدم تضييق الخناق عليه الأمر الحاصل في العمل في المؤسسات الحكومية.

بعض الوظائف تكمن أهميتها ليس في أداء الأعمال المنوط بها الموظف وحسب، بل على المبادرات التي يمكنه تقديمها لرفعة مؤسسته لدعم نشاطاتها في المجتمع المحلي، ولا شك أن الموظف المخلص لن يتردد للحظة في تقديم المبادرات واحدة تلو الأخرى، ولكن الحرية التي قد ينالها الموظف في بعض الأحيان في الحركة، تتيح له فرصة تقديم نشاط ومبادرات بجودة مختلفة، ذلك لإتاحة المجال للموظف أن يتواصل مع المجتمع الخارجي، وأن يتبادل الخبرات مع الآخرين، وأن تتاح له فرص الانخراط في كثير من التجارب والمشاركات والإسهامات التي من خلال صبها في رصيد خبراته هي ترفد بلا شك كل ما يبذله من جهود ويقدمه من أفكار ومبادرات لرفعة مؤسسته وتطوير عمله.

ومما يثلج الصدر في الآونة الأخيرة، ظهور سياسة العمل الحكومي من المنزل، من قبل ديوان الخدمة المدنية، وهي واحدة من الأفكار الرائدة الفائزة في مسابقة «فكرة»، إذ تقوم تلك السياسة على «اتفاق ينشأ بين الموظف وجهة عمله يكون قائماً وفق شروط وضوابط محددة مسبقاً بحيث يتيح للموظف مزاولة مهامه وواجباته الوظيفية من مواقع مختلفة عن مقر العمل بناءً على طلب من السلطة المختصة بموافقة الديوان».

* اختلاج النبض:

إن سياسة العمل من المنزل، تتيح للموظفين كثيراً من الفرص للتطور، وتفتح للمؤسسات آفاقاً أوسع لتحقيق منجزات أعلى أهم بكثير من الإبقاء على الموظفين خلف مكاتبهم بمستوى إنجاز محدود أو متواضع. وها هي مسابقة «فكرة» قد باتت تؤتي أكلها على نحو رائع ومشجع للمستقبل.