كتب السفير الأمريكي «إدوين أشاور» كتاباً تحت عنوان «اليابانيون»، وتمت ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة العربية حيث طرح فيه سؤالاً جوهرياً، ما سر اليابان؟ وما سر نهوضها؟ وأجاب: بأن سر نهوضها شيئان اثنان، هما: إرادة الانتقام من التاريخ، وبناء الإنسان، هذا هو الذي نهض باليابان إرادة الانتقام من تاريخ تحدي أمة هزمت وأهينت فردت على الهزيمة بهذا النهوض العظيم وبناء الإنسان الذي كرسه نظام التعليم والثقافة.

هذه الثقافة اهتمت بالإنسان قبل كل شيء، وأوجدت الشخصية اليابانية التي يبدأ بناؤها منذ الطفولة فأول ما يدخل الطفل المدرسة يمضي ثلاث سنوات يدرس المبادئ والأخلاق وحب الغير والتعاون والتنافس الشريف، وذلك لأن مرحلة الطفولة هي أنسب مرحلة لرعاية الموهوبين، ومن ناحية أخرى، تغرس فيه الوطنية وشتى القيم الإنسانية ومن خلال هذه الثقافة تنتج عنها الشخصية اليابانية المنضبطة التي تقدس الوقت‏ وتحترم النظام‏ وتبدع من ضمن الفريق الواحد‏ وتلتزم وبشدة بآداب التعامل وأخلاقيات رفيعة وموصوفة بالصدق والأمانة والإنسان الياباني هدفه رفعة وطنه وليس خدمة نفسه.

‏من هنا تكون أهمية نشر ثقافة الإبداع وغرسها لدى الناشئة منذ الصغر خاصة في عصرنا الحاضر حيث بقدر تزايد الحاجة إلى حلول ابتكارية ومبدعة للتحديات التي تواجه العالم الذي بات كقرية صغيرة كل هذا يأتي في إطار ثورة معلوماتية جارفة وشبكات اتصالات وإنترنت عملاقة وقواعد بيانات ثريّة، لتضعناعلى أبواب ثورة صناعية رابعة عنوانها التقنية والابتكار والإبداع والموهوبون في هذه القطاعات هم من سيقودون هذه المرحلة.لذلك بات واضحاً ومن دون أدنى شك أن رعاية الموهوبين والمبدعين في المجالات التقنية والرياضية الثقافية والفكرية كافة تُعَدّ أحد أهم متطلبات التكيف مع هذا العالم السريع التغيروتحويل التحديات إلى فرص.

بناءً على ذلك نتساءل: ماذا تملك شركات التكنولوجيا العملاقة كأبل وجوجل وسامسونج وغيرها كي تربح المليارات وتمتلك ميزانيات تفوق دولًا غنية بالموارد الطبيعية؟ وماذا تملك دول مثل اليابان وسويسرا وسنغافورة ليس لديها سوى القليل بل النادر من الموارد الطبيعية؟ ورغم ذلك نجد اليابان أصبحت ثاني أقوى اقتصاد في العالم، وسويسرا وسنغافورة في قائمة أغنى دول العالم.

الإجابة أنهم يملكون «العقول»، يصنعون «الفكرة» لديهم «الإبداع»، استثمروا فى «الإنسان» فأنتج لهم أفكاراً متطورة، وأبدع تقنيات عصرية أعطت لهم الفرصة للتقدم ودفعتهم لنهضة اقتصادية كبيرة، فالعقل والفكرة والإبداع، هو رأس مال هذه الشركات العملاقة والدول الغنية، فالاستثمار فى العقول هو الأقوى، وصناعة المستقبل تعتمد على «الأفكار» أكثر من اعتمادها على ما تخرجه الأرض من موارد طبيعية، والإبداع هو السبيل لدعم التنمية والتقدم فى المجتمعات والدول، فرأس المال البشري لا يقدر بثمن، والأفكار الخلاقة تؤدي إلى ربح المليارات، كما أن العقول تصنع المال والنجاحات والتفوق العلمي يصنع من الأفكار الرائدة كيانات عملاقة تتفوق ميزانياتها وأرباحها عن دول يسكنها الملايين.

فمثلاً شركة التكنولوجيا العملاقة أبل تجاوزت قيمتها السوقية حاجز الـ700 مليار دولار، وهو ما يفوق اقتصادات عشرات الدول في العالم لكونها تستثمر في الإنسان، وتعطي الفرصة للأبحاث حيث تنفق ما لا يقل عن 14 مليار دولار على الجانب البحثي وهو ما يفوق الإنفاق البحثي لكثير من الدول المعروفة كما تمتلك جيشاً من الباحثين الشباب وفرت لهم الفرصة، وهيأت لهم كل الأسباب ليبدعوا أفكاراً خلاقة، أثمرت نجاحاً منقطع النظير حقق لها دخلاً بالمليارات، فالفكرة الواحدة قد تربح مليارات الدولارات لهذه الشركات.

والاستثمار في «الإنسان» يأتي بإتاحة الفرصة له للتدريب والابتكار وتهيئة الظروف له للبحث والإبداع لأن ذلك هو الطريق الوحيد والمضمون نحو تقدم حضاري ونهضوي لأي بلد، ويتطلب ذلك إيجاد منظومة تعليمية عالية الجودة، وإنشاء مراكز البحث المتكاملة لإلحاق المبدعين بها، وتهيئة الظروف كافة لهم لتصنيع «الأفكار» «والابتكارات» التي تصنع الفارق.

وختاماً، نشيد بالحملة الوطنية التي يقودها سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة لرعاية الشباب المبدعين، والتي تضع جميع الجهات المسؤولة عن الشباب أمام مسؤوليتها لكافة الفئات العمرية المختلفة وهي في نفس الوقت رسالة يوجهها سموه إلى الشباب ليطمئنهم بأن هناك من يقف بجانبهم ويدعمهم في صقل مواهبهم وأفكارهم حيث تعتبر جائزة ناصر بن حمد للإبداع الشبابي نقلة نوعية في العديد من المجالات الحيوية البارزة التي تهدف إلى القضاء على معوقات الإبداع التي تواجه الشباب وإيجاد الحلول القابلة للتطبيق لمختلف قضايا الشباب في المملكة وكان لهذه الحملة الوطنية ثمارها في مختلف المجالات وحفظ الله مملكة البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل مكروه.