نشرت كل الصحف المحلية ومعها بقية وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الفائتة بعض المخالفات المهمة التي أوردها تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير. بعض المخالفات تعتبر إدارية، وبعضها مخالفات مالية، كما أن بعض منها وصل إلى حد الشبهة الجنائية، مما يعني تحويلها مباشرة إلى النيابة العامة.

لا نود هنا أن نجتر ما ورد في تقرير ديوان الرقابة من مخالفات، فكل شيء تم طرحه وتناوله في صحفنا بالتفصيل الممل والكبير، ومن أراد منكم أن يعرف المزيد، فعليه الرجوع للتقرير نفسه أو لما ذكرته كافة الصحف بهذا الخصوص. إنما نحاول هنا أن نسلط الضوء على زمن ومرحلة «ما بعد التقرير»، في محاولة منَّا لمعالجة هذا الملف بشكل غير مندفع أو بطريقة غير عاطفية، وإن كانت المسألة الوطنية لا تدعنا نفكر عكس هذه الطريقة بالمطلق، فانفعالاتنا هي انفعلات صادقة وحقيقية ولا بد أن تكون جزءاً من الحل، لكن العلاج الأخير يجب أن يكون عقلانياً ومنطقياً وعملياً وقبل ذلك أن يكون قانونياً.

إذاً ما هو المطلوب؟ المطلوب من الجهات المختصة أن تعالج المخالفات الإدارية بطريقة قانونية واحترافية، ومعالجة المخالفات المالية بطريقة أخرى أو حتى مشتركة لما يجمعهما من مشتركات، ومن هذا المنطلق فإن تكرار المخالفات الإدارية يجب أن تصحح بإزاحة الأشخاص من مناصبهم ومحاسبتهم على ما وصل إليه وضعهم الإداري داخل المؤسسة التي يعملون فيها، باعتبار أن المخالفات الإدارية حصلت في عهدهم وتحت عهدتهم، فليس من المنطق أن تستمر المخالفات الإدارية لأكثر من عام في ظل إدارة واحدة هي ذاتها الإدارة التي حصلت في عهدها كل المخالفات السابقة، وهذا يعني بأن الشخص الإداري أو المدير للمؤسسة المخالِفة يعتبر شريكاً مباشراً في هذا النوع من المخالفات التي وصلت لعناوين الفساد الصريح كما أفصح عن ذلك التقرير.

أمَّا بالنسبة للمخالفات المالية فهي على قسمين، إمَّا أن تكون مخالفات جسيمة ومتعمدة وصريحة، وعليه يجب أن يُحَوَّل مرتكبها مباشرة إلى النيابة العامة والقضاء ليأخذ العدل مجراه، أو أن تكون مخالفات مالية ربما لا تصل لحد الشبهة الجنائية كهدر مال عام وعدم استخدامه بالطريقة الصحيحة، وربما تشترك المخالفة فتكون إدارية ومالية في آن واحد. وفي كلتا الحالتين، فإن القانون فيما يخص المحاسبة يجب أن يطبَّق على كل مخالَفة بحسب بنود العقوبة والقانون في البحرين.

إن حالة الإحباط التي يعيشها الكثير من المواطنين جراء قراءتهم للمخالفات بكل أنواعها كل عام وعدم وضوح الرؤية «الموسمية» في معالجة هذه المخالفات أو حتى بعضها، ربما حدا الحال بهم أن يصلوا لمرحلة اليأس في معالجة ملف الفساد المالي والإداري في البحرين. هذا الامتعاض الشعبي ربما يكون امتعاضاً مشروعاً بسبب حجم المخالفات الضخمة وبسبب عدم وضوح الرؤية الفعلية لمحاسبة المخالفين في كل مرَّة يخرج التقرير فيها إلى النور.

وعليه، يجب على الجهات المعنية طمأنة الشارع البحريني بأن لا أحد فوق القانون، وأن من خالف الأنظمة الحكومية أو قام بهدر المال العام أو سرقته أو قام بارتكاب أي نوع من أنواع الفساد المالي والإداري فإنه يجب أن يحاسب وفق اللوائح الداخلية للنظام المدني، وحسب قانون العقوبة في البحرين. هذا القدر من الوعي بأهمية المحاسبة تكفي بأن يكون زمن «ما بعد التقرير» هو الأداة والإرادة الحقيقية بطُمَأْنينة للجميع.