إحدى القريبات مني حدثتني قبل فترة وجيزة عن الطريقة التي تُعامل بها في دائرة عملها، وكيف أن المعاملة تتجاوز الكرامة الإنسانية، وكيف أن ممارسة بعض المسؤولين لأدوارهم تأتي في إطار متعجرف يسلب المرء منا شخصيته واستقلاليته واحترامه لنفسه. ولا أستغرب ما تقول فقد كان لي ولكثيرين تجارب مماثلة في قطاعات مختلفة ومؤسسات متعددة في المملكة.

صحيح أن المسؤولين لهم من الصلاحيات ما يميزهم عن مرؤسيهم، وصحيح أنهم قادرون على إصدار الأوامر واتخاذ الإجراءات العقابية، ولكن البعض ربما يستخدم تلك الصلاحيات على سبيل السلطة والتنمر على المرؤسين. حدثتني تلك عن رغبتها في أن تكون ذات شخصية مستقلة، وأن ذلك يكلفها في كثير من الأحيان رضى رئيسها في العمل، وأنها لطالما تعرضت للإقصاء من فرص الترقيات ومن المكافآت المالية الممنوحة لغيرها ممن هم أقل منها خبرة وكفاءة، فقط لأنها اصطدمت مع رئيسها في أمور تتعلق بالعمل وأبدت وجهة نظرها على نحو مغاير.

في هذا المقال، لا أنوي أن أحول مساحتي للكتابة إلى منبر للشكاوى، ولكن وددت مناقشة الدور الحقيقي للرئيس أو المدير، وما عساه أن يكون عليه لو أحسن معاملة مرؤسيه وتعامل معهم على نحو ميسر وبرحابة صدر، فالغطرسة والتمسك بالآراء وإن كانت على خطأ وعدم الاعتراف بالخطأ، لا يحفظ للمسؤول مكانته أو كرامته، وإقصاء أحدهم لمجرد تفوقه وقدرته على الإتيان بجديد ليس فيه من المروءة ولا المهنية شيء.

ما يهولني أنني أسمع من كثير من الناس، في مؤسسات مختلفة، شكاوى بشأن طريقة تعامل رؤسائهم معهم، وكيف أنهم يتعرضون للإهانة أحياناً لفظياً أو من خلال طريقة المعاملة أمام بقية الزملاء. وأتساءل كيف أن القوانين لا تحفظ بما يكفي حق المرؤسين، ولم لا يتم اختيار الرؤساء من البداية على أسس أخلاقية إلى جانب الكفاءة والخبرة والاستحقاق، فالإدارة أول ما تتطلبه مهارات اكتساب الآخرين، ومنها مهارات الإقناع، ولا تخلو بلا شك من الحفاظ على استقرار القسم وحفظ الود فيه، بل كما أعلم ورأيت نماذج ناجحة بارزة، فإن أكثر ما يميز الرؤساء الناجحين في مؤسساتهم، قدرتهم على حفظ العلاقات الاجتماعية وضبطها في دائرته.

* اختلاج النبض:

من أكثر الدروس الشائعة في التنمية البشرية، الفرق بين القائد وبين المدير/الرئيس، فالقائد هو ذاك الذي ينخرط مع مرؤسيه ليشاركهم العمل والتجربة ويقدم لهم من خبراته في الميدان العلمي بالمشاركة الكاملة، بينما يبقى دور المدير/ الرئيس محصوراً في إصدار الأوامر والإشراف من برج عاجٍ، وقد لا يهمنا ذلك كثيراً إن لم يجاوز أحدهم كرامة مرؤسيه أو يعتدي عليها، غير أن الواقع المرير في بعض مؤسساتنا أو دوائرها أن الرزق صار ينال بنزع الكرامة الإنسانية.