مرت الثورات الصناعية في العالم بمراحل متعددة، بداية من الثورة الصناعية الأولى، والتي كانت بدايتها مع اختراع الآلة البخارية، حيث بدأت عملية ميكنة الإنتاج والمواصلات بواسطة الطاقة البخارية، ثم جاءت المرحلة الثانية، فتحول الإنتاج إلى الاعتماد على الطاقة الكهربائية، وكان ذلك بمثابة طفرة هائلة في حياة الشعوب والمجتمعات، ثم جاءت الموجة الثالثة مع اختراع الحاسوب والإنترنت، ودخوله في معظم أوجه الإنتاج والتعليم والاتصالات، ثم جاءت الموجة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم اليوم، والتي تشير إليها البحوث والدراسات التي أجراها علماء من مختلف دول العالم، وأكدوا على أن الثورة الصناعية الرابعة، قد بدأت بالفعل وأنها تعتمد على ثلاثة أجنحة تكنولوجية، يمكننا الحديث عنها على النحو التالي:
الجناح الأول: التكنولوجيا الرقمية وتشتمل على إنترنت الأشياء، والذي أدى إلى ربط الأجهزة والأشخاص برباط متين، وإلى جعل العمل جاهزاً وآمناً للمستقبل، ويكون عائده الاستثماري سريعاً، فضلاً عن القابلية للتطوير. ومن الأمثلة على إنترنت الأشياء، أنظمة الأمان المنزلية المتصلة عبر الموبايل، ومنظومات الحرارة، وتشغيل السيارات والأجهزة الإلكترونية عن بُعد.
وتشتمل كذلك على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ويقصد بالذكاء الصناعي، تطوير أنظمة الكمبيوتر القادرة على أداء المهام التي تتطلب عادة الذكاء البشري، مثل الإدراك البصري، والتعرف على النصوص الكلامية، وصنع القرار، والترجمة بين لغتين. أما التعلم الآلي، فهو تطبيق للذكاء الاصطناعي، إذ يوفر للأنظمة المختلفة القدرة على التعلم ويركز التعلم الآلي على تطوير برامج الكمبيوتر التي يمكنها الوصول إلى البيانات واستخدامها في التعلم، ومن أمثلتها Google Home وWi-Fi ويعد مركز التحكم الذكي في المنزل، ومساعداً شخصياً لجميع أفراد العائلة، في الرد على أسئلتهم.
وتشتمل أيضاً على البيانات الكبيرة والحوسبة السحابية وتتيح الحوسبة السحابية تدفق البيانات بسرعة عالية عبر الشبكة وتؤدي معالجة البيانات السريعة جداً إلى توليد كمية هائلة من بيانات إنترنت الأشياء، والتي سوف تغذي أنظمة البيانات الكبيرة. وكذلك المنصات الرقمية، ومنها على سبيل المثال، «فيسبوك»، و»تويتر»، و»إنستغرام». وأيضاً هناك الحوسبة الكمية والتي تتميز بسرعة إجراء العديد من العمليات داخل الحاسوب، فضلاً عن كميتها الكبيرة جداً، وتفوق سرعة إجراء العمليات في الحواسيب العادية بنحو 3600 مرة، هذه السرعة تتيح الفرصة أمام عمليات البحث أو إيجاد الحل داخل الحاسوب الكمي لاختيار الإجابات الصحيحة. وتم تطوير تلك الحواسيب عام 2014، وفي عام 2016، حيث بدأ فريق من العلماء من كاليفورنيا وإسبانيا بصناعة نموذج تجريبي لحاسوب كمي، يمكن أن يحل مجموعة واسعة من المشاكل في مجالات كثيرة مثل الكيمياء والفيزياء وغيرها، ولديه القدرة على أن يتم توسيع نطاقها إلى نظم أكبر، ومازالت الحوسبة الكمية قيد التطوير. وتشتمل أيضاً على سلسلة الكتل وهي قاعدة بيانات موزعة تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة متزايدة باستمرار من السجلات المسماة «كتل»، وتحتوي كل كتلة على الطابع الزمني ورابط إلى الكتلة السابقة. صُممت سلسلة الكتل بحيث يمكنها المحافظة على البيانات المخزنة بها والحيلولة دون تعديلها، أي أنه عندما تخزن معلومة ما في سلسلة الكتلة لا يمكن لاحقاً القيام بتعديل هذه المعلومة. ومن الأمثلة على استخدامها شركة Arcade City لإنهاء دور الوسيط في العملية برمتها، إضافة إلى حماية حقوق السائقين، حيث تعرَض العديد من السائقين لتجارب سيئة ومريعة أثناء تواجدهم في Uber، وتهدف Arcade إلى تخفيف هذه المشكلات من خلال منح السائقين استقلالية كاملة.
الجناح الثاني: التكنولوجيا المادية «الفيزيائية»، ولقد حققت التكنولوجيا الفيزيائية إنجازات واضحة وتطبيقات سريعة وهي من أشهر المحركات التكنولوجية للثورة الصناعية الرابعة، وذات تأثير مباشر على الحياة اليومية. وهناك نوعان من المظاهر المادية الأولية: المركبات ذاتية التحكم والطابعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات ذاتية القيادة «التحكم»، حيث مكنت الثورة الصناعية الرابعة أجهزة الكمبيوتر لتكون أقرب من أي وقت مضى إلى القدرات البشرية. ولكي تتجنب أي سيارة ذاتية التحكم وجود تصادم، ستحتاج إلى معالجة الحوادث واختيار طريقة للتغلب عليها في لمح البصر. السيارة ذاتية التحكم، هي واسطة نقل يمكنها توجيه نفسها دون تدخل بشري. وأصبح هذا النوع من المركبات حقيقة ملموسة، وقد يمهد الطريق للأنظمة المستقبلية، حيث تتولى أجهزة الكمبيوتر قيادة المركبة. وتسمى سيارة بدون سائق أو سيارة ذاتية القيادة.
الثانية: الطابعة ثلاثية الأبعاد، أو «التصنيع الإضافي»، وهي تقنية تنشئ شيئاً مادياً في شكل ثلاثي الأبعاد عن طريق طباعة طبقة على طبقة من رسم أو نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد. أما تكنولوجيا التصنيع الحالية فتقوم بإنتاج الشكل المطلوب عن طريق إزالة التطبيقات تدريجياً من قطعة من المواد. يبدأ تحقيق الطباعة ثلاثية الأبعاد بنموذج ثلاثي الأبعاد. ومن بين استخداماتها تصنيع الطائرات بدون طيار، حيث تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع أجزاء تتميز بخفة وزنها وانخفاض كلفتها.
الجناح الثالث: التكنولوجيا الحيوية، وتحرك التكنولوجيا الحيوية الثورة الصناعية الرابعة بقوة، وهي ترتكز حول التكنولوجيا الوراثية والتقنيات العصبية. تم إحراز تقدم كبير في خفض الكلفة، وقد استغرق ذلك أكثر من عشر سنوات، وتراقب التكنولوجيا العصبية نشاط الدماغ وتفاعله مع العالم الخارجي، وهي تهدف للوصول إلى أقصى أداء للأنظمة الحيوية على الأجهزة الآلية. وبفضل الجهود التي تبذلها المؤسسات البحثية تمت زيادة التطبيقات في علوم الدماغ تدريجياً، والتكنولوجيا الوراثية تتمثل بالتعديل والمستهدف من خصائص الكائن الحي من خلال معالجة مادته الوراثية، ويمكن استخدام الهندسة الوراثية لإنتاج نباتات ذات قيمة غذائية أعلى وتحمل التعرض لمبيدات الأعشاب وغيرها.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: أين نحن من هذه الثورة الصناعية؟ وأين جامعاتنا من هذا التقدم المذهل في التقنية وعالم الصناعة؟ صحيح أن لدينا جامعات حققت مستويات متقدمة عن ذي قبل، في جودة التعليم، ولدينا أقسام وكليات علمية تعلم وتدرس مناهج على أعلى مستوى، ولكننا مازلنا نحتاج المزيد من الجهود، كي نجد لنا موضع قدم بين الدول الناهضة، ونقدم للإنسانية عطاءً علمياً، لا يقل عما قدمه أسلافنا، في مجالات الطب والعلوم والفلك وغيرها من العلوم التجريبية، فالأمل في الله كبير، ثم في علمائنا وجامعاتنا، التي تخطو خطوات واضحة نحو تحقيق الأهداف التي ننشدها جميعاً، وأولها أن نحقق في أنفسنا الشهود الحضاري الذي قال عنه القرآن الكريم: «لتكونوا شهداء على الناس».
* أستاذ الإعلام المشارك في جامعة البحرين
الجناح الأول: التكنولوجيا الرقمية وتشتمل على إنترنت الأشياء، والذي أدى إلى ربط الأجهزة والأشخاص برباط متين، وإلى جعل العمل جاهزاً وآمناً للمستقبل، ويكون عائده الاستثماري سريعاً، فضلاً عن القابلية للتطوير. ومن الأمثلة على إنترنت الأشياء، أنظمة الأمان المنزلية المتصلة عبر الموبايل، ومنظومات الحرارة، وتشغيل السيارات والأجهزة الإلكترونية عن بُعد.
وتشتمل كذلك على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ويقصد بالذكاء الصناعي، تطوير أنظمة الكمبيوتر القادرة على أداء المهام التي تتطلب عادة الذكاء البشري، مثل الإدراك البصري، والتعرف على النصوص الكلامية، وصنع القرار، والترجمة بين لغتين. أما التعلم الآلي، فهو تطبيق للذكاء الاصطناعي، إذ يوفر للأنظمة المختلفة القدرة على التعلم ويركز التعلم الآلي على تطوير برامج الكمبيوتر التي يمكنها الوصول إلى البيانات واستخدامها في التعلم، ومن أمثلتها Google Home وWi-Fi ويعد مركز التحكم الذكي في المنزل، ومساعداً شخصياً لجميع أفراد العائلة، في الرد على أسئلتهم.
وتشتمل أيضاً على البيانات الكبيرة والحوسبة السحابية وتتيح الحوسبة السحابية تدفق البيانات بسرعة عالية عبر الشبكة وتؤدي معالجة البيانات السريعة جداً إلى توليد كمية هائلة من بيانات إنترنت الأشياء، والتي سوف تغذي أنظمة البيانات الكبيرة. وكذلك المنصات الرقمية، ومنها على سبيل المثال، «فيسبوك»، و»تويتر»، و»إنستغرام». وأيضاً هناك الحوسبة الكمية والتي تتميز بسرعة إجراء العديد من العمليات داخل الحاسوب، فضلاً عن كميتها الكبيرة جداً، وتفوق سرعة إجراء العمليات في الحواسيب العادية بنحو 3600 مرة، هذه السرعة تتيح الفرصة أمام عمليات البحث أو إيجاد الحل داخل الحاسوب الكمي لاختيار الإجابات الصحيحة. وتم تطوير تلك الحواسيب عام 2014، وفي عام 2016، حيث بدأ فريق من العلماء من كاليفورنيا وإسبانيا بصناعة نموذج تجريبي لحاسوب كمي، يمكن أن يحل مجموعة واسعة من المشاكل في مجالات كثيرة مثل الكيمياء والفيزياء وغيرها، ولديه القدرة على أن يتم توسيع نطاقها إلى نظم أكبر، ومازالت الحوسبة الكمية قيد التطوير. وتشتمل أيضاً على سلسلة الكتل وهي قاعدة بيانات موزعة تمتاز بقدرتها على إدارة قائمة متزايدة باستمرار من السجلات المسماة «كتل»، وتحتوي كل كتلة على الطابع الزمني ورابط إلى الكتلة السابقة. صُممت سلسلة الكتل بحيث يمكنها المحافظة على البيانات المخزنة بها والحيلولة دون تعديلها، أي أنه عندما تخزن معلومة ما في سلسلة الكتلة لا يمكن لاحقاً القيام بتعديل هذه المعلومة. ومن الأمثلة على استخدامها شركة Arcade City لإنهاء دور الوسيط في العملية برمتها، إضافة إلى حماية حقوق السائقين، حيث تعرَض العديد من السائقين لتجارب سيئة ومريعة أثناء تواجدهم في Uber، وتهدف Arcade إلى تخفيف هذه المشكلات من خلال منح السائقين استقلالية كاملة.
الجناح الثاني: التكنولوجيا المادية «الفيزيائية»، ولقد حققت التكنولوجيا الفيزيائية إنجازات واضحة وتطبيقات سريعة وهي من أشهر المحركات التكنولوجية للثورة الصناعية الرابعة، وذات تأثير مباشر على الحياة اليومية. وهناك نوعان من المظاهر المادية الأولية: المركبات ذاتية التحكم والطابعة ثلاثية الأبعاد، والمركبات ذاتية القيادة «التحكم»، حيث مكنت الثورة الصناعية الرابعة أجهزة الكمبيوتر لتكون أقرب من أي وقت مضى إلى القدرات البشرية. ولكي تتجنب أي سيارة ذاتية التحكم وجود تصادم، ستحتاج إلى معالجة الحوادث واختيار طريقة للتغلب عليها في لمح البصر. السيارة ذاتية التحكم، هي واسطة نقل يمكنها توجيه نفسها دون تدخل بشري. وأصبح هذا النوع من المركبات حقيقة ملموسة، وقد يمهد الطريق للأنظمة المستقبلية، حيث تتولى أجهزة الكمبيوتر قيادة المركبة. وتسمى سيارة بدون سائق أو سيارة ذاتية القيادة.
الثانية: الطابعة ثلاثية الأبعاد، أو «التصنيع الإضافي»، وهي تقنية تنشئ شيئاً مادياً في شكل ثلاثي الأبعاد عن طريق طباعة طبقة على طبقة من رسم أو نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد. أما تكنولوجيا التصنيع الحالية فتقوم بإنتاج الشكل المطلوب عن طريق إزالة التطبيقات تدريجياً من قطعة من المواد. يبدأ تحقيق الطباعة ثلاثية الأبعاد بنموذج ثلاثي الأبعاد. ومن بين استخداماتها تصنيع الطائرات بدون طيار، حيث تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع أجزاء تتميز بخفة وزنها وانخفاض كلفتها.
الجناح الثالث: التكنولوجيا الحيوية، وتحرك التكنولوجيا الحيوية الثورة الصناعية الرابعة بقوة، وهي ترتكز حول التكنولوجيا الوراثية والتقنيات العصبية. تم إحراز تقدم كبير في خفض الكلفة، وقد استغرق ذلك أكثر من عشر سنوات، وتراقب التكنولوجيا العصبية نشاط الدماغ وتفاعله مع العالم الخارجي، وهي تهدف للوصول إلى أقصى أداء للأنظمة الحيوية على الأجهزة الآلية. وبفضل الجهود التي تبذلها المؤسسات البحثية تمت زيادة التطبيقات في علوم الدماغ تدريجياً، والتكنولوجيا الوراثية تتمثل بالتعديل والمستهدف من خصائص الكائن الحي من خلال معالجة مادته الوراثية، ويمكن استخدام الهندسة الوراثية لإنتاج نباتات ذات قيمة غذائية أعلى وتحمل التعرض لمبيدات الأعشاب وغيرها.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: أين نحن من هذه الثورة الصناعية؟ وأين جامعاتنا من هذا التقدم المذهل في التقنية وعالم الصناعة؟ صحيح أن لدينا جامعات حققت مستويات متقدمة عن ذي قبل، في جودة التعليم، ولدينا أقسام وكليات علمية تعلم وتدرس مناهج على أعلى مستوى، ولكننا مازلنا نحتاج المزيد من الجهود، كي نجد لنا موضع قدم بين الدول الناهضة، ونقدم للإنسانية عطاءً علمياً، لا يقل عما قدمه أسلافنا، في مجالات الطب والعلوم والفلك وغيرها من العلوم التجريبية، فالأمل في الله كبير، ثم في علمائنا وجامعاتنا، التي تخطو خطوات واضحة نحو تحقيق الأهداف التي ننشدها جميعاً، وأولها أن نحقق في أنفسنا الشهود الحضاري الذي قال عنه القرآن الكريم: «لتكونوا شهداء على الناس».
* أستاذ الإعلام المشارك في جامعة البحرين